مناوشات على الحدود الأفغانية - الباكستانية: عرقلة مساعي المصالحة؟

مناوشات على الحدود الأفغانية - الباكستانية: عرقلة مساعي المصالحة؟

16 أكتوبر 2017
تفاقم الوضع الأمني قرب الحدود الأفغانية الباكستانية أخيراً(عزيز سنا/الأناضول)
+ الخط -
كلما انطلقت المساعي بهدف تطبيع العلاقات بين باكستان وأفغانستان وفتح صفحة من التعاون بينهما لإنجاح المصالحة الأفغانية، يتوتر الوضع على الحدود بين الدولتين، وترتفع الأصوات للانتقام. وكأن هناك جهة ما تسعى لإحباط تلك المساعي، وهي حكماً جهة متضررة من تحسن العلاقات بين الجارتين اللتين تربطهما علاقات دينية واجتماعية وجغرافية، بالإضافة إلى المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة.

في الآونة الأخيرة، وتحديداً بعد زيارة قائد الجيش الباكستاني الجنرال جاويد قمر باجوه، إلى كابول الأسبوع الماضي، انتعشت الآمال مرةً أخرى بشأن المصالحة الأفغانية، ولا سيما أن الحكومة الأفغانية دعت حركة "طالبان" إلى الحوار من دون قيد وشرط. بهذا الصدد، قال مستشار الرئيس الأفغاني في الشؤون السياسية، أكرم خبلواك: "نحن ندعو طالبان إلى حل الأزمة من دون أن يكون لنا شرط، بل نسمع شروطها ويمكننا أن نصل إلى حل بشأنها". كما بدا الموقف الباكستاني متغيراً حيال أفغانستان بعد الإعلان عن الاستراتيجية الأميركية الجديدة، والتي ركزت على ممارسة الضغوط على باكستان وجر الهند إلى المعضلة الأفغانية، وهو ما كانت إسلام أباد تخشاه.

وبالتزامن مع مساعي المصالحة الأفغانية ومحاولات تطبيع العلاقات بين كابول وإسلام أباد، تفاقم الوضع الأمني قرب الحدود الأفغانية الباكستانية، كما ارتفعت وتيرة المناوشات الحدودية بين الدولتين. تزامن ذلك مع ارتفاع أصوات في أفغانستان تدعو إلى عدم إضاعة الوقت مع باكستان والرد القوي على الانتهاكات الحدودية. وتسقط كل يوم عشرات الصواريخ من الجانب الباكستاني على المناطق الحدودية الأفغانية، لا سيما في إقليمي كنر وننجرهار، مما أدى إلى تهجير عشرات الأسر وقتل وإصابة بعض المواطنين.

وفي حين لم تعلق الجهات الرسمية حتى الآن على التطورات الحدودية، يطلب بعض الساسة في أفغانستان من الحكومة الأفغانية عدم الالتفات إلى ما يصفونه باللعبة الباكستانية الجديدة تحت شعار المصالحة. ويقول مسؤول الشورى الإقليمي في ننجرهار، أحمد علي حضرت، إن على الحكومة الأفغانية وتحديداً القوات المسلحة الرد بالمثل لما تقوم به القوات الباكستانية من انتهاكات حدودية متكررة.


ثمة أسئلة كثيرة وغموض تحيط باستهداف المناطق الأفغانية، ولا سيما أنها بدأت في اليوم التالي لزيارة قائد الجيش الباكستاني لكابول. ولا توجد على الجانب الباكستاني جماعة مسلحة تقوم باستهداف المناطق الأفغانية وبهذا العدد من الصواريخ، ما يعني أن الجيش الباكستاني هو من يقوم بإطلاق الصواريخ، كما يعتبر الجانب الأفغاني. ومع أن هذه الاتهامات قد تكون مبالغا فيها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه يتمثل في معرفة لماذا يقوم الجيش الباكستاني بذلك، علماً بأنه يستعد لإقناع "طالبان" بالجلوس على طاولة المفاوضات مع الحكومة الأفغانية؟ أم هناك جهة استخبارية أخرى تعارض مساعي الجيش الباكستاني الحالية؟

ولا يقتصر الأمر على الهجمات الصاروخية فحسب، بل يقول الطرف الأفغاني إن القوات الباكستانية قتلت خمسة من عناصر الأمن الأفغان في إقليم كنر. وفي المقابل، تذكر مصادر أمنية في المناطق القبلية الباكستانية أن هجمات متكررة تعرضت لها القوات الحدودية الباكستانية من الجانب الأفغاني، ما أدى إلى مقتل أربعة جنود بينهم ضابط برتبة عميد. وكل تلك التطورات على الحدود تطرح تساؤلات وتثير مخاوف من إفشال المساعي للمصالحة الأفغانية قبل انطلاقها بشكل رسمي.

تصريحات المسؤولين تعكر الأجواء
وتثير تصريحات وزير الخارجية الباكستاني، خواجه أصف غضب، حفيظة الأفغان، والتي مفادها أن المسلحين وتحديداً "طالبان" يحصلون على الأسلحة من الجيش الأفغاني. وفي هذا الصدد، يرمي رئيس الوزراء الباكستاني، شاهد خاقان عباسي، الكرة بملعب كابول بقوله إن دعم الإرهاب يتم على الأراضي الأفغاني وليس على الأراضي الباكستانية. وتأسف وزارة الدفاع الأفغانية إزاء هذه التصريحات الباكستانية في هذه الفترة التي تصفها بالحساسة. وبحسب الناطق باسم الدفاع، الجنرال دولت وزيري، فإن تصريحات أصف غضب غير مسؤولة ومحاولة لإلقاء المسؤولية على عاتق الجيش الأفغاني لما ترتكبه باكستان في حق الشعب الأفغاني، لافتاً إلى أن دعم باكستان للجماعات المسلحة هو سبب إرباك أمن المنطقة بأسرها. ويدعو الجنرال الجيش والحكومة الباكستانيين إلى الاعتراف بدعم المسلحين والتخلي عنهم، معتبراً ذلك هو الطريق الوحيد لإحلال الأمن في المنطقة بأسرها.

وعلى الرغم من أن الرئاسة الأفغانية لم تعلق لحد الآن على ما أوردته بعض وسائل الإعلام، وما أشار إليه بعض الساسة، حول أن الرئيس الأفغاني، أشرف غني، قرر زيارة باكستان خلال الأيام المقبلة، إلا أن قرارا كهذا يثير ردوداً غاضبة. بعضهم يعتبره إضاعة للوقت لا أكثر، ومن هؤلاء رئيسا الاستخبارات الأفغاني السابقان، أمر الله صالح ورحمة الله نبيل. وكل منهما يدعو الرئيس الأفغاني إلى إلغاء القرار، أو أخذ الحيطة الكاملة إذا كان الأمر لا بد منه.

كما تم التباحث بشأنه في البرلمان ومجلس الشيوخ. وتم توجيه انتقادات شديدة للرئيس بهذا الشأن. ولكن رئيس مجلس الشيوخ عبد الهادي مسلم يار، لم يتردد في القول أمام جلسة خاصة للمجلس قبل يومين، إنه تباحث مع الرئيس الأفغاني بهذا الشأن وأنه حذر جداً، مشدداً على أن زيارته إن جرت فلن تكون مضيعة للوقت. والغريب في كلمة رئيس المجلس بخصوص زيارة الرئيس المرتقبة إلى باكستان، يتمثل في قوله إن الرئيس سيناقش أبعاد هذه الزيارة مع حلفاء أفغانستان، ومع الساسة في الداخل قبل أن يقوم بها، داعياً الساسة إلى عدم المساس بالمصالح الوطنية.

الضغوط تتزايد على باكستان
ومع وجود كل تلك العقبات، يبدو أن الحكومة الأفغانية لا تزال متفائلة وأنها ستمضي قدماً مع باكستان بهدف إنجاح المصالحة، لا سيما أن الظروف مواتية للمصالحة، كما يقول المسؤولون الأفغان، بعد الضغوطات الأميركية المتزايدة على إسلام أباد للتعاون بهذا الصدد. وكما يقول السفير الأميركي السابق لدى كابول، زلماي خليل زاد، فإن باكستان أمام خيارين، إما التعاون مع المصالحة أو تحمل النتائج. فواشنطن مصممة على استراتيجيتها مع باكستان، وتكثف الضغوط عليها. وسيوفد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وزيري الدفاع والخارجية الأميركيين، جيمس ماتيس وريكس تيلرسون، إلى باكستان قريباً، لمواصلة الضغط عليها، وسيحملان معهما رسالة إلى باكستان بخصوص الملف الأفغاني وتمويل ومساندة المسلحين.