تقدير موقف إسرائيلي: لم يحن وقت إلغاء الاتفاق النووي

تقدير موقف إسرائيلي: لم يحن وقت إلغاء الاتفاق النووي

11 أكتوبر 2017
متظاهرة بنيويورك ضد الاتفاق النووي مع إيران(كينا بيتانكور/فرانس برس)
+ الخط -
نشر "مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي"، تقدير موقف، هو أقرب إلى التوصية، وضعه كل من رئيس المركز، الجنرال احتياط، عاموس يادلين، والباحث في المركز، أفنير جولوف، وذهبا فيه إلى القول إن التوقيت الحالي ليس المناسب لطلب إلغاء الاتفاق النووي مع إيران. واعتبرا أن الوقت متاح الآن للتأسيس لاستراتيجية مناسبة تهدف لإلغاء الاتفاق لاحقاً، في حال تقرر أن هناك حاجة لذلك، ولبناء مقومات تخدم توفير بدائل مستقبلية أفضل.

ويرى الاثنان أن الشرط الأساسي المطلوب لتحقيق هذه الغاية هو خلق ظروف دولية للضغط على إيران كي تقبل الأخيرة بالقيود المقترحة، أو ظروف تضمن نشاطاً رادعاً ومانعاً يوقف إيران في حال قررت الاندفاع نحو تطوير وامتلاك سلاح نووي. وبحسب الكاتبين، فإن تأجيل البت بشأن مستقبل الاتفاق لا يعني بالضرورة انتهاج سياسة خاملة، إذ يجب استغلال هذا الوقت من أجل بناء تحالف دولي ضد إيران، والعمل ضد كل نشاط إيراني سلبي لا يغطيه الاتفاق الحالي، بما في ذلك الدفع باتجاه اتفاق مواز ينظم الاستراتيجية الشاملة لمواجهة مجمل التهديدات المقبلة من إيران. ويعني الباحثان عملياً من وراء هذه التوصية، عدم التسرع إعلامياً، من قبل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، لإظهار حماسته لموقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتخطيط لتحرك وخطوات إسرائيلية على المستوى الدولي تضمن ما تفتقر إليه إسرائيل الآن، وهو إجماع دولي على القبول بالموقف الإسرائيلي المضاد للمشروع الصاروخي الإيراني، وتحديداً نشاط إيران في تطوير صواريخ عابرة للقارات.

وينطلق الباحثان في مطالبتهما باستراتيجية إسرائيلية في هذا السياق، من حقيقة اقتراب الموعد الرسمي القريب، الخامس عشر من الشهر الحالي، الذي من المقرر أن يعلن فيه ترامب قراره النهائي بشأن الموقف من الاتفاق النووي مع إيران (الموقع عام 2015) وما إذا كان يخدم الاتفاق مصالح الولايات المتحدة، وما إذا كانت إيران تلتزم بتعهداتها في هذا الاتفاق؟ ويرى يادلين وجولوف أن أي موقف سيتخذه ترامب سيكون له تداعيات في حال كان رده بالسلب على أي من السؤالين، مما قد يطلق حراكاً داخل الكونغرس الأميركي نفسه، بشأن تجديد العقوبات التي كانت مفروضة على إيران والشركات العاملة معها، قبل الاتفاق.

والكاتبان، بفعل خبرتهما العسكرية السابقة، وبالنظر إلى مواقف سابقة لهما، يعارضان موقف نتنياهو المعلن، إلا أنهما يتفقان معه على أن الاتفاق "إشكالي" ويحمل تهديدات استراتيجية لأمن إسرائيل في المدى البعيد. لكنهما يؤكدان مع ذلك أنه سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن إلغاء الاتفاق سيكون خالياً من المجازفة الاستراتيجية. وأعاد الكاتبان التذكير بأن تعريف "مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" للاتفاق باعتباره "اتفاقاً جيداً" لكونه أفضل من البدائل الرئيسية التي كانت معروضة، أي امتلاك إيران لقنبلة نووية أو قصف إيران بالقنابل. ولمثل هذين البديلين ثمن باهظ للغاية وبالتالي ينبغي الامتناع عن "معضلة قنبلة أم قصف بالقنبلة" إلى حين استنفاد باقي الخيارات الممكنة القادرة على منع إيران من تصنيع القنبلة النووية، بحسب الباحثين.


ويدرج الكاتبان اعتبارات ومواقف مؤيدي الاتفاق، وادعاءاتهم بأنه يعيد إيران إلى الوراء ويؤجل مشروعها النووي، مقابل الرافضين للاتفاق الذين يستمدون معارضتهم أيضاً من ذكر الحالة الكورية وحصول كوريا الشمالية على قدرات نووية على الرغم من إبرامها اتفاقاً مع أميركا قبل 20 عاماً، زمن وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت. ومعارضو الاتفاق يرون بالتالي أنه سيوصل إيران لتصبح دولة نووية، ناهيك عن قدراتها الإضافية في مجال القوة العسكرية التقليدية.

ويعتبر يادلين وغولوف في ضوء ذلك، أن الوقت ليس مناسباً لإلغاء الاتفاق أو إعادة فتحه، وإنما سيحين هذا الوقت قبل انتهاء مدة القيود المفروضة على المشروع النووي الإيراني بين عامي 2023 و2025. ويؤكدان أن الاتفاق يبقى الخيار الأفضل طالما لم تقم إيران بخرقه. لكن في غضون ذلك، ينبغي، كما يقول الكاتبان، الحرص على ضمان تفتيش ومراقبة صارمة للمشروع الذري الإيراني، وألا تقترب إيران من مسافة زمنية تقل عن عام، في ما يتعلق بقدرتها على الانتقال لتطوير قدرات نووية، ويجب صد ووقف كل نشاط يعرض المصالح الأميركية والإسرائيلية غير المنصوص عليها في الاتفاق، وعلى رأسها وقف مشروع إيران لتطوير صواريخ بالستية، وضرب التمويل الإيراني للمنظمات "الإرهابية"، ووقف نشاط إيران "المتآمر" في الشرق الأوسط. بعد ذلك، وبمرور الوقت، سيفقد الاتفاق من أفضلياته على الخيارات الأخرى، وعليه ينبغي ألا يتم الوصول إلى هذا الوضع من دون استعدادات مسبقة، وفي حال اقتضت الضرورة سيكون هناك مطلب لتغيير الاتفاق أو إلغائه، بحسب الكاتبين الإسرائيليين.

ووفق تقديرات "مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي"، فإن ترامب يتجه على ما يبدو إلى الإعلان أن إيران تخرق الاتفاق، وفتح الطريق أمام الكونغرس للتداول بشأن العقوبات ضد إيران، ما يمنح الكونغرس مهلة لغاية ستين يوماً لاتخاذ قرار بإعادة العقوبات الأميركية ضد إيران، مما سيؤدي عملياً إلى ضرب الاتفاق. أما الخيار الآخر بحسب تقدير الموقف لـ"مركز أبحاث الأمن القومي"، فيتحدث عن قرار في الكونغرس بعدم إعادة فرض العقوبات والمحافظة على الإطار العام وعلى "العصا" الأميركية. وهذا الخيار سيخدم كل محاولة أميركية للضغط على إيران لتعديل الاتفاق ومعالجة نقاط الضعف فيه والمتمثلة وفق الاتفاق الحالي، أولاً بتمكين إيران من مواصلة نشاطها البحثي في مجال الذرة، وتحسين قدراتها في تخصيب اليورانيوم وتقصير الفترة الزمنية التي تلزمها للانطلاق نحو تطوير قنبلتها النووية. وثانياً، تعديل البنود التي تضمن حالياً إشرافاً ومراقبة غير شديدة على المنشآت العسكرية الإيرانية (المعلنة والسرية) وتعديل فترة استمرار تجميد المشروع النووي الإيراني. ويقر الكاتبان بأن هذه التغييرات تخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية، لكن ستكون هناك حاجة لممارسة ضغوط غير مسبوقة على إيران كي توافق على شمل هذه التغييرات في الاتفاق النووي. وبما أن إيران رفضت إدراج هذه الشروط خلال المفاوضات، فينبغي أن يكون تعديل الاتفاق هدفاً للسياسات الإسرائيلية والأميركية على المدى المتوسط، لكن فقط بعد توفير الشروط الدولية المناسبة لذلك.

ويخلص الباحثان إلى القول إنه وفي شأن السياسة والموقف المطلوب أميركياً وإسرائيلياً لتحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية، يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل، على الرغم من أن الأخيرة ليست طرفاً في الاتفاق ولم توقع عليه، الترويج لاتفاق بديل يحدد بدقة أيّاً من النشاطات الإيرانية سيعتبر خرقاً للاتفاق، وبلورة توافق بشأن الخطوات المطلوبة رداً على هذه الخروقات. كما ينبغي أن يشمل الاتفاق البديل تنسيق الجهد الاستخباراتي في مواجهة المشروع النووي الإيراني وملاءمته للسياسة الإسرائيلية والأميركية التي سيتم اعتمادها في حال حاولت إيران، سراً أو علناً، تصنيع سلاح نووي. كما ينبغي بناء خطة لتعزيز القدرات الإسرائيلية وبناء قوة إسرائيلية لمواجهة مثل هذا السيناريو. ويجب أن يشمل الاتفاق سياسة مشتركة ضد الخطر الإيراني غير النووي على إسرائيل وعلى حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بحسب سلسلة التوصيات التي يقدمها الكاتبان.

وعلى المدى البعيد، يقترح يادلين وغولوف أن يضمن تعديل الاتفاق النووي مع إيران، إطالة المدة التي يبقى الاتفاق فيها باعتباره الخيار الأفضل لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، أي إطالة فترة منع إيران من تخصيب اليورانيوم والتحرر من قيود فترة تجميد مشروعها النووي. وهذا الهدف يستلزم بدوره نشاطاً دبلوماسياً، لكن أيضاً توثيقا للتعاون والتنسيق الأميركي-الإسرائيلي. ويحذر الكاتبان من الحماس القائم في إسرائيل لاستغلال مواقف ترامب لتغيير الاتفاق، أو إلغائه والتعويل عليها، لأنه من المهم التذكير أن من شأن تحرك متسرع، قبل توفير الظروف الدولية الداعمة والمؤاتية، سيعرض الدولتين لتهديدات خطيرة، أكبر من تلك التي يحملها الاتفاق الحالي، ويعرض للخطر إمكانية تحقيق هدفهما المشتركة بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.