المعارضة نحو رفض "تسوية" النظام في جنوب دمشق

المعارضة نحو رفض "تسوية" النظام في جنوب دمشق

05 يناير 2017
حصار لسنوات زادت وطأته في الآونة الأخيرة(رامي السيد/فرانس برس)
+ الخط -

أمهلت قوات النظام بلدات جنوب العاصمة دمشق، حتى يوم الخميس المقبل، للموافقة على بنود التسوية المقدّمة لأهالي المنطقة، والتي تعيش حالة ترقّب بعد اجتماع، اليوم الخميس، بين وفد النظام السوري و"اللجنة السياسية"، التي تمثل فصائل المعارضة والمجتمع المحلي في المنطقة.

وقال مصدر مقرب من اللجنة السياسية لـ"العربي الجديد"، إن اللجنة الممثلة لبلدات يلدا وببيلا وبيت سحم عادت، بعد عصر اليوم الخميس، من العاصمة دمشق، بعد جلسة تفاوضية امتدت ساعات، حاملة معها مهلة جديدة من نظام بشار الأسد، تمتد حتى يوم الخميس المقبل، للرد على المبادرة التي قدمها الأخير خلال الأيام القليلة الماضية.
ورفض النظام التعديلات التي أجرتها اللجنة السياسية على المبادرة بشكل كامل، وطالب اللجنة بتجهيز قوائم المنشقين والمتخلفين والموافقين على المبادرة، وطالب أيضاً بقوائم خاصة بالرافضين للمبادرة وأعداد السلاح الموجود في المنطقة.

ورغم أن اللجنة السياسية لم تُفصح عن طبيعة ردها على عرض النظام، إلا أن معطيات عدة تشير إلى أن الفصائل تتجه إلى رفض العرض بصيغته الحالية، باعتباره أقرب إلى الاستسلام الكامل، خاصة أنه يتضمن أن تسلّم الفصائل معظم أسلحتها، على أن تُبقي فقط على "ما تحتاجه" لمحاربة "داعش" و"فتح الشام"، والتي قدّرتها مبادرة النظام بين 30 و40 بالمائة من كمية الأسلحة الموجودة لديها حاليًّا، أي أن عليها أن تسلم للنظام بين 60 و70 بالمائة من أسلحتها.

ورغم تمديد المهلة التي حدّدها النظام للمنطقة، وانتهت اليوم، إلى الخميس المقبل، فإن قوات النظام استبقت الاجتماع المقرر مع وفد المعارضة بتحركات ترهيبية، تشير إلى نيتها استخدام القوة للتعامل مع المنطقة في حال رفض مبادرتها. وحلّقت طائرات للنظام على علو منخفض في سماء المنطقة، من دون أن تشنّ عمليات قصف، بينما أغلقت قواتها حاجز العسالي في جنوب دمشق المحاصر، صباح اليوم، لفترة وجيزة من الزمن، ثم عادت وفتحته، وأخضعت النساء لتفتيش دقيق.

كما أفاد الناشط، أحمد مصطفى، لـ"العربي الجديد" أن هناك تحركات لقوات النظام في مطار عقربا الواقع بالقرب من المنطقة، حيث دخل رتل عسكري مكوّن من عربتي "بي أم بي" وست ناقلات جند، وسيارة محملة بمدفع عيار 23 ملم إلى المطار المروحي.

وقال مصطفى، إن الرأي الغالب لدى الفصائل والمدنيين في جنوب دمشق، هو رفض مبادرة النظام المكونة من 46 بندًا، لأنها لا تقدم بديلًا "مشرّفاً" للوضع الراهن، وهي أقرب إلى صيغة الاستسلام الكامل، وتسليم المنطقة لقوات النظام من دون ضمانات حقيقية بشأن مصيرها، مشيرًا إلى أن النظام يحاول استغلال الوقت عبر الضغط والتهديد، ويواصل اختراق اتفاق وقف إطلاق النار من دون أي عقاب، كما يحصل في وادي بردى.


وعن العواقب المحتملة لرفض الفصائل مبادرة النظام، قال مصطفى "إن هناك نحو عشرة آلاف مقاتل في جنوب دمشق ينتمون لعدة فصائل، وهي "جيش الإسلام" و"جيش الأبابيل" و"لواء شام الرسول" و"أحرار الشام" و"لواء شهداء الإسلام" و"أكناف بيت المقدس" و"كتائب الفرقان" و"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" و"لواء مجاهدي الشام"، وهي قادرة على صد أي هجوم للنظام، لكنها تراعي وضع المدنيين الخارجين من حصار دام سنوات".

وقدّر مصطفى، أن هناك نحو مائة ألف مدني في المناطق الثلاث المعنية، وهي ببيلا ويلدا وبيت سحم، وفيها كثير من المتخلفين عن الخدمة العسكرية والمنشقين عن جيش النظام، وهؤلاء سيكون وضعهم سيئًا للغاية، إذا تم قبول مبادرة النظام بصيغتها الحالية.



لكنه استدرك، إن النظام كوّن أرضية صلبة داخل بعض مناطق جنوب دمشق، من خلال بعض المشايخ الذين تسلّموا أمور المصالحة، وأصبحوا ممثلين عن مناطقهم.

وحول الوضع الإنساني في المنطقة، أشار مصطفى إلى أن المنطقة مقيدة بالمواد الغذائية، ودخول المواد الأساسية يخضع لرسوم، لافتاً إلى أن أغلب المدنيين يعيشون دون خط الفقر، وسط انتشار البطالة وآثار الحصار الذي دام سنوات.

وكانت مصادر في "كتائب أكناف المقدس"، وهي مجموعة فلسطينية في غالبها، قاتلت تنظيمي "داعش" و"النصرة"، والنظام، قد ذكرت أن المبادرة التي قدمها النظام للفصائل العسكرية مرفوضة في صيغتها الحالية من جانب المدنيين والعسكريين على السواء.

وتشكلت "اللجنة السياسية" في جنوب دمشق، في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد تفويض من مختلف القوى العسكرية والمدنية، بهدف "وضع رؤية سياسية توافقية، تنطلق منها لجنة التفاوض الموسعة المخوّلة بالتفاوض مع النظام حول مصير جنوب دمشق".

ونشرت اللجنة على صفحتها في موقع "فيسبوك" نصّ المبادرة المطروحة من نظام الأسد لمنطقة جنوب دمشق (يلدا – ببيلا – بيت سحم) والقاطنين فيها، تضمّنت "تحديد الفصائل المرابطة على جبهة (داعش) وجبهة (فتح الشام) والجبهات التي تشغلها"، وتنظيم لوائح بالسلاح الثقيل والمتوسط والخفيف والذخيرة لدى جميع الفصائل، وتحديد السلاح الموجود مع كل فصيل على خطوط التماسّ مع "داعش" وجبهة "فتح الشام"، على جبهتي مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن، إضافة إلى تسليم السلاح الفائض بعد الاتفاق على عدد المقاتلين على الجبهات، على أن يتم تسليم ما لا يقل عن (60 إلى 70) في المائة من أسلحة الفصائل إلى النظام.



وطالبت مبادرة النظام بدمج الفصائل المرابطة على جبهة المخيم والحجر الأسود والتضامن تحت مسمى واحد وقيادة واحدة، بالتنسيق مع الجهات المعنية في النظام، من أجل محاربة "داعش" و"فتح الشام"، وتقديم كشف بأسماء وأعداد المقاتلين لدى الفصائل من أجل تسوية وضعهم الأمني وعدم مساءلتهم مستقبلًا، ولوائح اسمية بالضباط والعسكريين الفارين لدى كل فصيل بقصد تسوية أوضاعهم، وتنظيم لوائح بالمتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية، وتأجيل المتخلفين عن الخدمة ممن يرغب لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد.

كما طالب النظام بقوائم بأسماء العسكريين الموجودين في البلدات الثلاث من غير المجموعات المسلحة، والعمل على تأمين خدمتهم ضمن الوحدات العسكرية القريبة من البلدات الثلاث أو على الجهات المرتبطة مع "داعش" و"فتح الشام"، وتنظيم قوائم بأسماء المدنيين غير الموجودين ضمن الفصائل، والموظفين المنقطعين عن العمل، لتسوية أوضاعهم.


وتضمنت المبادرة أيضًا تسليم جميع أنواع السلاح للنظام عند زوال الخطر عن البلدات، وفي حال امتناع أي فصيل عن تسليم السلاح، يتم التعامل معه بالقوة من قبل الأهالي والنظام، إضافة إلى تشكيل قوة تحت اسم "لواء مغاوير الجنوب" وتسليحها من جانب مليشيا "الدفاع الوطني"، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة مع قوات النظام.

كما نصّت المبادرة على عقد لقاء تصالحي بين أهالي البلدات المذكورة وأهالي حي السيدة زينب، وإقامة صلاة مشتركة ومأدبة غداء، برعاية محافظ دمشق وأمين فرع "حزب البعث".

جدير بالذكر، أن فصائل "الجيش الحر" تسيطر في جنوب دمشق على بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، إضافة إلى منطقتي بورسعيد والمادنية في حي القدم، ومنطقة زليخة بحي التضامن، بينما يسيطر تنظيم "داعش" على حي الحجر الأسود، والجزء الأكبر من مخيم اليرموك، والقسم الجنوبي من حي التضامن، ومنطقة العسالي، في حين لا تسيطر جبهة "فتح الشام" سوى على منطقتين صغيرتين في مخيم اليرموك.

وتحيط قوات النظام والمليشيات، فضلًا عن فصائل فلسطينية موالية للنظام، مثل "الجبهة الشعبية – القيادة العامة"، بالمنطقة من جميع الجهات، وتفرض عليها حصارًا محكمًا، رغم شمول مناطق ببيلا ويلدا وبيت سحم في مصالحة محلية مع النظام منذ حوالى ثلاثة أعوام، سمح بشكل جزئي بدخول بعض المواد الغذائية، لكن بأسعار مضاعفة، مع خروج محدود للمدنيين عبر حاجزي ببيلا – سيدي مقداد، والعسالي.