قرار ترامب بشأن ترحيل اللاجئين يتحول إلى أزمة حكم

قرار ترامب بشأن ترحيل اللاجئين يتحول إلى أزمة حكم

31 يناير 2017
أثار الإجراء موجة كاسحة من الاعتراض (جيني ماثيوز/Getty)
+ الخط -




دخلت تفاعلات قرار منع دخول اللاجئين من سبع دول إسلامية في منعطف تصعيدي نوعي، يشي بأن ما بلغته هذه الخطوة حتى الآن ليس سوى بداية متاعب فترة ترامب، وأزمة حكم تلوح ملامحها في الأفق.

إقالة الرئيس للمدعي العام، بمثابة وزير العدل بالوكالة، تطور يمثل محطة أخرى وليست أخيرة في قضية تستحضر الفصل الأولي من فصول ووترغيت، التي أطاحت بالرئيس نيكسون في نهاية المطاف. لكن نيكسون خرق القانون، أما ترامب فيتحدى القانون، إذ لم يختلق فقط مشكلة بقراره الجائر وغير الدستوري بحق اللاجئين، بل أيضاً يريد فرضه على الآخرين من مسؤولين وكونغرس وصحافة ورأي عام. وبين محاولة الفرض من جهة ورفضه المتصاعد من جهة أخرى، وقع الصدام الذي ما زالت تتوسع دائرته.

جرت آخر حلقات هذا الصدام في وقت متأخر من مساء الإثنين - الثلاثاء، عندما أقدم الرئيس على إزاحة المدعي العام الفيدرالي بالوكالة، سالي ياتيس، والتي كان ترامب قد استبقاها في مركزها لغاية موافقة مجلس الشيوخ على تعيين وزيره جيمس ساشينز، والسبب أنها أوعزت للمراجع المختصة في الوزارة بعدم الدفاع أمام المحاكم عن قرار الرئيس المثير للجدل، لأنه كما تراه، غير قانوني. ولم تقتصر خطوات ترامب على المدعي العام، حيث تلا ذلك إصدار أمر بإقالة مدير قسم الهجرة والجمارك بزعم عدم أهليته.

صب الإجراء الزيت على نار قضية ملتهبة أثارت موجة كاسحة من الاعتراض، وزاد الضيق في الكونغرس، وبالتحديد في صفوف الجمهوريين في مجلس الشيوخ، حيث وقف حوالي خمس الأغلبية الجمهورية فيه ضد القرار، وكذلك الحال في الجسم العدلي. إذ رفض 18 مدعياً عاماً في الولايات، من ضمنهم مدعي عام العاصمة واشنطن، قرار المنع. 

ورفع مئة من الجسم الدبلوماسي في وزارة الخارجية كتاب اعتراض في هذا الخصوص. وحضر أكثر من نائب وحاكم ولاية إلى أكثر من مطار لمقابلة  اللاجئين المحتجزين والعمل على تسهيل دخولهم، وللتعبير عن الغضب من الإجراء التعسفي. وهكذا هي الحال أيضاً في وسائل الإعلام اجمالاً الطافحة بالسخط والنقد اللاذع أحياناً، للرئيس وقراره المؤذي لأميركا قبل غيرها.

واكب ذلك تسليط الأضواء على خطوة أقدم عليها الرئيس وأثارت الكثير من التخوف وربما تكون غير قانونية أيضاً. فقد أجرى تغييرات غير مسبوقة في تركيبة مجلس الأمن القومي، بتخصيص مقعد دائم فيه لمستشاره، ستيفن بانون، وبتجريد رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، ومدير السي آي إيه، من العضوية الدائمة في المجلس، على أن تقتصر مشاركتهما فيه على جلساته التي يتم استدعاؤهما لحضورها فقط، خلافاً للمعمول به منذ تكوين هذا المجلس بعد الحرب العالمية الثانية.

أثارت هذه الخطوة الريبة، فالمستشار كما هو معروف عنه، من صقور اليمين العنصري ومتفرد بالرأي مثل ترامب. وقيل إنه يقف وراء قرار منع اللاجئين، أو على الأقل دفع بقوة لاتخاذه.

وحسب قانون تأليف هذا المجلس، لا بد أن يكون طاقمه، غير الرئيس ونائبه، من أصحاب المواقع التي يوافق مجلس الشيوخ على تعيينهم فيها، وبانون ليس من هذه الرتبة، وتعيينه كمستشار لا تلزمه مثل هذه الموافقة، وبذلك فإن ضمّه إلى المجلس يثير إشكالية قانونية، فضلاً عن أن الرجل خطير ومتمرد وله تأثير كبير على الرئيس، وأن إشراكه في صناعة القرار الأمني القومي والخارجي في غياب اثنين من أركان المجلس، يعطيه اليد الطولى.

لكن الرئيس تجاوز كل هذه الاعتبارات والتحفظات ولم يتوقف عندها. كما لم يتوقف عند تبعات قراره الذي حرّك الداخل والخارج ضده. لقد ارتكب الخطأ وإدارته تعمل على إخفائه، وسط حالة من الفوضى لا تجاريها إلا الفوضى التي عمّت المطارات بعد وصول القادمين، ضحية قراره.

أخذت الفورة ضد إجراء ترامب طابع التضامن مع اللاجئين والاعتراض على منع دخول المسلمين من سبعة بلدان، لكنها في العمق تتجاوز ذلك. لقد تحوّلت بالنسبة للنخب وشرائح المؤسسة الحاكمة، إلى خشية من نهج متفرّد يهدّد انتظام عمل آليات الحكم، بقدر ما يهدد بتفجير أزمات أو باعتماد سياسات تنطوي على تداعيات خطيرة. فقد تكشّف الآن أن الرئيس لم يتشاور بخصوص قراره مع أحد من أركان فريقه المعني بشؤون الأمن القومي، ولا حتى وضع الجمهوريين في الكونغرس بالصورة، لكن أخذه مع لفيفه في البيت الأبيض وعلى رأسهم بانون.

لا يثق ترامب بأحد، ويمارس ويتخذ قرارات لوحده ومن خارج الصيغ المعمول بها. هكذا تصرف نيكسون قبله.

 

المساهمون