تحدّيات هامون في امتحان الرئاسة الفرنسية: تكذيب استطلاعات الرأي

تحدّيات هامون في امتحان الرئاسة الفرنسية: تكذيب استطلاعات الرأي

31 يناير 2017
حاول الأمين العام للاشتراكي(الوسط) إظهار وحدة حزبه(إريك فيفيربرغ/فرانس برس)
+ الخط -


بعد الإعلان عن فوز بونوا هامون في الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي إلى الرئاسة الفرنسية، ليل الأحد الماضي، حرص الأمين العام للحزب جان كريستوف كامباديليس على ظهور هامون ومنافسه مانويل فالس على منصة مقر الحزب في شارع سولفرينو في باريس أمام الأنصار، وتوسطهما رافعاً يد هامون المنتصر. كذلك ألح الأمين العام على المرشحَين كي يتصافحا في مواجهة الكاميرات في صورة تُظهر الوحدة والتضامن. غير أن هذه الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام لم تنجح في إخفاء الغليان الحزبي الذي خلقته الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الاشتراكي واستحالة التصالح بين معسكرين متناقضين، أحدهما يساري اجتماعي نجح في قلب الموازين لصالحه، والآخر إصلاحي ليبرالي لن يهضم هزيمته بسهولة.
وبعد الفوز وفرحته، يجد هامون نفسه أمام مهمات صعبة في الأيام المقبلة. تتمثل المهمة الأكثر صعوبة في العمل على توحيد صفوف الاشتراكي في سياق يعيش فيه الحزب محاصراً على جهتين. فعلى اليمين هناك ايمانويل ماكرون، ويساراً يوجد جان لوك ميلانشون. والاثنان يريدان بناء نجاحهما على موت الاشتراكي واضمحلال وزنه في المشهد السياسي والانتخابي، وهما يستفيدان بدرجات متفاوتة من فوز هامون وهزيمة فالس.
وابتداء من يوم أمس الاثنين، شرع بعض النواب الاشتراكيين الديمقراطيين المقربين من فالس بإعلان نيتهم دعم ماكرون في الانتخابات الرئاسية متجاهلين دعوات الوحدة ورص صفوف العائلة الاشتراكية خلف مرشح الحزب الفائز. وإذا كان هامون يستند إلى شرعية اقتراع الانتخابات التمهيدية وناخبيه الذين تجاوزوا مليوني ناخب، فإن أنصار الاتجاه الإصلاحي الليبرالي يستندون إلى استطلاعات الرأي التي تمنح ماكرون في الانتخابات الرئاسية المقبلة المرتبة الثالثة بعد مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، والمرشح اليميني المحافظ فرانسوا فيون، وتُرجح خروج هامون خاسراً كبيراً من الدور الأول.


أيضاً يشكل ميلانشون تحدياً كبيراً لهامون لكونه مصراً على الترشح للرئاسة ويطمح لإحداث اختراق في الدور الأول. وعلى الرغم من أن هامون أعلن ليلة فوزه بأنه سيفتح قناة حوار مع المرشح الراديكالي، فلا أحد في الحزب الاشتراكي يعتقد بإمكانية تحالف معه إلا إذا كانت على حساب المرشح الاشتراكي. غير أن هناك من يتفاءل باحتمال حدوث تقارب بين الرجلين مستنداً إلى تغير لهجة ميلانشون تجاه هامون بعد فوزه. فقد أعرب المرشح الراديكالي عن ارتياحه لهزيمة فالس، وحيا انتصار هامون معتبراً أن هذا الأخير "يستعمل معجماً قريباً" من معجمه ويرفع شعارات يسارية كان هو الوحيد الذي يرفعها منذ شهور.
أيضاً سيعمل هامون على التفاوض مع مرشح حزب "الخُضر" يانيك جادو لكي يقنعه بالتخلي عن ترشيحه والانضمام إلى معسكره، خصوصاً أن هذا الأخير لا يحظى بالشعبية الكافية لخوض الرئاسيات من دون دعم الآلة الحزبية الاشتراكية. وتبدو حظوظ هامون في اقناع جادو متوافرة خصوصاً أن برنامج هامون الانتخابي يشمل العديد من المقترحات البيئية التي تحظى بقبول الكثير من الشخصيات المدافعة عن البيئة.
وعلى الرغم من الضغط الذي يمثله ماكرون وميلانشون، فإن هامون مضطر إلى مواصلة ديناميته داخل الحزب الاشتراكي والانتقال من مرشح الحزب إلى مرشح يخاطب جميع الفرنسيين باختلاف حساسياتهم. ولا شك في أن هامون سيحاول تعزيز رأسمال الثقة الذي حظي به في أوساط الشباب الذين اجتذبهم بمقترحاته اليسارية المتجددة حول الثورة الرقمية والبيئة والتوزيع العادل للثروات وتقليص ساعات العمل وتوفير حد أدنى من الأجور للجميع ابتداء من سن البلوغ وإلغاء تجريم تعاطي الحشيش. أيضاً يستند هامون إلى الانطباع الإيجابي الذي خلّفه في حملته الانتخابية بشخصيته الهادئة والمتواضعة والحداثية، وهي خصال أساسية لمرشح يطمح إلى استمالة أكبر عدد من الناخبين خارج الدائرة اليسارية.
في المقابل يواجه هامون عدداً من المعوقات، من أبرزها الجانب المالي والاقتصادي لمقترحاته الانتخابية، خصوصاً ما يتعلق بتمويل مشروع الحد الأدنى من الأجور. أيضاً تشكّل استطلاعات الرأي مثبطاً أساسياً في وجه الدينامية التي يشهرها هامون، لأن غالبيتها تعلنه خاسراً في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وهذا هو السيناريو الذي يشكّل كابوساً لهامون وللحزب الاشتراكي. ويحاول هامون تحدي منطق استطلاعات الرأي باعتبار أنها كانت دوماً على خطأ في المواعيد السياسية الحاسمة الأخيرة، إذ أنها لم تتوقع فوزه واحتلاله المرتبة الأولى في تمهيديات الاشتراكي، كما أنها لم تتوقع الإقصاء المبكر للرئيس السابق نيكولا ساركوزي في تمهيديات اليمين وهزيمة آلان جوبيه في مواجهة فرانسوا فيون.
ويرى محللون أن هامون في عملية انتقاله من مرشح للفوز بتمهيديات الحزب إلى مرشح للفوز بالرئاسيات، سيجد نفسه مضطراً إلى تليين برنامجه الانتخابي وربما التراجع عن بعض المقترحات التي قد لا تجد آذاناً صاغية خارج دائرة أنصاره.