التقرير الاستراتيجي لإسرائيل: مخاطر داخلية وتحدٍّ إيراني

التقرير الاستراتيجي لإسرائيل: مخاطر داخلية وتحدٍّ إيراني

04 يناير 2017
يحذر يادلين من الحملات الدعائية ضد الجيش(جاك غيز/فرانس برس)
+ الخط -
خرج التقرير الاستراتيجي السنوي لمركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، للعامين 2016-2017، عن المألوف منه، عندما تطرق للمرة الأولى، إضافة إلى استعراض ميزان القوة العسكرية لإسرائيل، إلى جوانب سياسية وأخرى اجتماعية داخلية كانت سابقاً مكامن قوة لإسرائيل وتحوّلت في السنوات الأخيرة إلى نقاط ضعف من شأن تفاقمها أن تتحوّل إلى خطر استراتيجي. كما اتجه التقرير في توصياته وفقاً لما وضعها مديره، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" السابق الجنرال عاموس يادلين، إلى إسداء نصائح "عملية"، دعا الحكومة الإسرائيلية إلى اعتمادها لمواجهة هذه التحديات.
تقليدياً، ذهب التقرير إلى تكرار مقولة أن "إسرائيل باتت في الأعوام الأخيرة، القوة العسكرية الأولى في المنطقة، وأنها لم تعد مهددة وجودياً من قِبل الجيوش النظامية، وإن كانت لا تزال حركة "حماس" تشكّل خطراً لمواجهة على المدى القريب، و"حزب الله" مصدر تهديد للمواجهة على المدى المتوسط، في سياق وقوع حدث أمني، أو عملية عسكرية يمكن في حال فقدان السيطرة على مجرياتها أن تجر إسرائيل إلى حرب أو مواجهة شاملة".
مع ذلك، فإن الخطر الأهم الذي يراه التقرير، في سياق التهديد العسكري الاستراتيجي على إسرائيل، يتمثّل في إيران، مع التحديد بأن هذا الخطر، الذي قد يصبح واقعياً بعد 10 إلى 15 سنة بفعل الاتفاق النووي الدولي مع إيران، يبقى مؤجلاً على مدار هذه الفترة، بما يتيح لإسرائيل فرصة يمكنها أن تستغلها للاستعداد لمواجهته عندما يصبح واقعياً، وفي حال قررت طهران في نهاية المطاف العودة إلى مشروعها النووي.
وبحسب الجنرال احتياط عاموس يادلين، فإن السؤال المركزي في هذا المضمار هو هل ستوظّف إسرائيل بشكل استراتيجي وتستفيد من هذه النافذة الزمنية سواء على المدى القصير والمتوسط، لبناء قدرة تُمكّنها من مواجهة التحديات الأكثر خطراً عليها في المدى البعيد، وبالتالي يجدر بالحكومة الإسرائيلية في ظل وضعها المريح استراتيجياً حالياً، ألا تتهرب من القضايا والأخطار على المدى البعيد، وفق قوله.
وحتى لا تبقى الأمور على المستوى النظري، فإن يادلين يعتبر أن على الحكومة الإسرائيلية العودة للاستعداد لمواجهة انطلاق إيران نحو حيازة قوة نووية، وبالتالي عليها بناء قوة عسكرية عملية لإحباط هذه التطلعات الإيرانية، في إشارة واضحة إلى العودة للاستعداد لحملة عسكرية لضرب إيران. وفي حال أخفق هذا المسعى فإن على إسرائيل أن تكون قد ملكت القدرة اللازمة لمواجهة واقع تصبح فيه إيران قوة نووية.
ويفترض يادلين أن تحوُّل إيران مستقبلاً إلى قوة نووية في حال فشلت إسرائيل في إحباط ذلك، سيطلق تنافساً في الشرق الأوسط وبين دوله لامتلاك القدرة النووية. هذا هو السبب الموجب بحسب يادلين لخطة إسرائيلية صرفة لإحباط التطلعات الإيرانية، ولكن عبر التوصل مسبقاً إلى تفاهمات استراتيجية مع الدول الحليفة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية.
وفي السياق الإيراني، ودور إيران في المنطقة، يرى يادلين أن هناك ضرورة لأن تتبنى إسرائيل استراتيجية واضحة المعالم لمواجهة تعاظم محور إيران-حزب الله في سورية بدعم روسي، مشيراً إلى أن السياسة الإسرائيلية يجب أن تحمل في طياتها، وهذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها موقف كهذا من قِبل إسرائيل، "موقفاً إنسانياً صرفاً في مواجهة القتل الجماعي في سورية، باتجاه إفشال المحور الراديكالي، ومنع نقل أسلحة نوعية إلى حزب الله، ومنع تمركز قوات وجماعات إرهابية على حدود إسرائيل، مع تعزيز المساعدات الإنسانية للجماعات السنّية "المعتدلة" في الطرف الثاني من الحدود".


في المقابل وبموازاة مواجهة "التيار الراديكالي" الذي تقوده إيران، يقترح يادلين على الحكومة الإسرائيلية "تحسين علاقاتها مع الدول السنّية". لكنه يوضح في الوقت ذاته أنه "يُستدل من الحوار بين إسرائيل ودول خليجية، أن عملية سياسية مثمرة تجاه الفلسطينيين حتى وإن لم تُفض في نهايتها إلى مفاوضات حول الحل الدائم واتفاق نهائي، فإن بمقدورها أن تُحدث انطلاقة في علاقات إسرائيل مع هذه الدول، بما في ذلك تحويل هذه العلاقات إلى علاقات علنية". ووفق يادلين، "على الرغم من تراجع مكانة القضية الفلسطينية في نظر الأنظمة العربية، إلا أن هذه الأنظمة لا تزال تدرك أهمية الموضوع الفلسطيني بالنسبة للرأي العام لديها". من هنا يرى يادلين أن "عملية سياسية مع الفلسطينيين تُمكّن إسرائيل من تعزيز وتعميق علاقاتها مع هذه الدول، هي ذخر استراتيجي لإسرائيل لجهة مكانتها وشرعيتها وقبولها في المنطقة كدولة شرعية".
وفي هذا السياق أيضاً ورداً على تحديد التقرير الاستراتيجي لخطر التحوّل الزاحف نحو حل الدولة الواحدة في ظل تعثر العملية السياسية، يقترح يادلين، "لدرء خطر فقدان إسرائيل طابعها وهويتها الديمقراطية واليهودية، إطلاق إسرائيل مبادرات لتحرك سياسي، حتى في حال بدا أنه لا يوجد شريك فلسطيني يمكن التوصل معه إلى اتفاق تسوية سياسية أو طرف فلسطيني يمكن الاتفاق معه على تطبيق حل سياسي". ويعتبر يادلين أن المصلحة الإسرائيلية العليا في هذا السياق تقتضي وقف الانزلاق الزاحف نحو واقع لا يمكن عكسه، من الدولة الواحدة، والعودة نحو خطوات وتحرك سياسي باتجاه حل الدولتين، وحل يعفي إسرائيل من السيطرة على حياة الفلسطينيين ولكن من خلال ضمان الأمن الإسرائيلي وتحسينه. ويقترح يادلين خطوات عملية على أرض الواقع لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المقبلة، من خلال التنسيق الوثيق مع الإدارة الأميركية الجديدة، عبر طرح تصورات لحدود هذه الدولة ولو كانت حدوداً مؤقتة.
ومع تحديد التقرير لتراجع مكانة إسرائيل السياسية، يقترح على الحكومة الإسرائيلية أيضاً الاستعداد لمواجهات مقبلة في الساحة الدولية والسياسية، التي يصفها بـ"حلبة القوة الناعمة". ويدرج يادلين في هذا الباب التحديات التي ستواجهها إسرائيل مستقبلاً في المجالات القضائية والدبلوماسية والاقتصادية.
ويفرد التقرير حيزاً بارزاً لخطر من نوع جديد على المستوى الداخلي، وهو ما حدده بـ"تراجع التضامن بين شرائح المجتمع الإسرائيلي، وتفاقم الشروخ بين مختلف القطاعات التي تُشكل المجتمع الإسرائيلي، كالتوتر بين العلمانيين والمتدينين عموماً، والتوتر بين الشرقين والغربيين، ناهيك عن عدم القبول باليهود من أصول روسية ومظاهر العنصرية ضد اليهود الإثيوبيين". ويعتبر التقرير أن "هذه التوترات تضر باللحمة والمناعة القومية لإسرائيل، مما يوجب إطلاق حوار قومي وسياسي واجتماعي بشأن مميزات وخصائص الدولة الإسرائيلية لتكريس كونها دولة يهودية وديمقراطية".
ويحدد يادلين في موجزه الاستراتيجي وقراءته للتقرير، أن النقد الدولي لإسرائيل يؤثر أيضاً هو الآخر في مدى "المناعة القومية للمجتمع وعلى إدارة الجهاز السياسي في إسرائيل". ويذهب إلى القول إن "الاستقطاب الاجتماعي والسياسي في إسرائيل قد تعاظم في السنة الأخيرة، وتجلى ذلك بتصريحات متطرفة وبتحريض، إذ إن التصريحات المتواصلة لعناصر وجهات سياسية، وحملات دعائية جامحة في الشبكات الاجتماعية ضد الجيش، ضربت أرقاماً قياسية هذا العام. وأدى هذا في نهاية المطاف إلى ضرب وهز شرعية الجيش والتأييد الجماهيري الأساسي له ولقادته وللمنظومة الأخلاقية والمعيارية للجيش، الأمر الذي من شأنه أن يضعف مناعة إسرائيل"، وفق قوله.

المساهمون