زيغمار غابريال... صانع الصفقات رئيساً للدبلوماسية الألمانية

زيغمار غابريال... صانع الصفقات رئيساً للدبلوماسية الألمانية

29 يناير 2017
لن تتغير السياسة الخارجية الألمانية مع خلافة غابريال لشتاينماير(الأناضول)
+ الخط -
بعدما اعتقد كثيرون أن نائب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، زيغمار غابريال، سيكون مرشح حزبه لخوض السباق لمنصب المستشار ومنافسة ميركل، مرشحة الحزب المسيحي الديمقراطي، في الانتخابات المقررة في سبتمبر/أيلول 2017، فاجأ السياسي المخضرم، أوساطه وجمهور حزبه والرأي العام الألماني بقراره بالتنحي عن زعامة الحزب وتخليه عن المواجهة مع ميركل، وترك المهمة لزميله في الحزب، رئيس البرلمان الأوروبي السابق، مارتن شولتز.

وقبل غابريال (58 عاماً)، بتولي وزارة الخارجية في الحكومة الحالية خلفاً لفرانك فالتر شتاينماير، الذي غادر وزارة الخارجية بحسب الاتفاق بين أحزاب الائتلاف الحاكم، استعداداً لتسلم منصبه الجديد كرئيس لألمانيا في مارس/آذار 2017 بعد انتخابه رسمياً الشهر المقبل.

غابريال، الشخصية العصامية والمثيرة في آن، نظراً لموافقه الحادة والصريحة، وكونه وبحسب عارفيه، يسمي الأشياء بدون مواربة، عاش طفولة قاسية بعدما انفصل والداه وهو في سن الثلاث سنوات. وأجبر بعدها على العيش مع والد وصفته الصحافة الألمانية باعتباره "عنيفاً"، إلى أن استطاعت والدته الحصول على حق الحضانة والرعاية وقد بلغ حينها العاشرة من عمره.

تلك السنوات الصعبة لم تمنع الفتى غابريال من الاجتهاد عندما أدرك، وهو في سن المراهقة، أن المطلوب منه، وبفعل الرعاية التي أولتها إليه والدته الممرضة، التي قال عنها لاحقاً "إنها انقذت حياته"، يتمثل في أنْ يحسن سلوكه ويركز على تحصيله العلمي. وكان اضطر للذهاب إلى مدرسة خاصة لذوي المستوى التعليمي المتدني. لكنه عاد والتحق، بحسب النظام التعليمي المعمول به في البلاد، بمدرسة ذات مستوى أفضل، تمكن بعدها من الحصول على الشهادة الثانوية لينتقل إلى مقاعد الجامعة، إذ درس في جامعة "تورينغن" اللغة الألمانية والسياسة والاجتماع وأصبح أستاذاً.

شغف غبريال السياسي دفعه للالتحاق بصفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي منذ أن كان يبلغ 17 عاماً. وانضم إلى صفوف منظمة الشباب وبعد ثلاث سنوات إلى الحزب. وعمل أولاً على مستوى البلديات، وليرتفع في سلم المناصب ويصبح وهو في سن 31 عاماً، نائباً عن ولاية سكسونيا السفلى (شمال ألمانيا)، وفي سن 39 كان أصغر رئيس وزراء ولاية ألمانية.

استطاع غابريال التغلب على الأزمات التي ألّمت به وبحزبه عام 2003، بعدما خسر في انتخابات الولاية، وهو الخطابي الواثق من نفسه، والذي رافق زعيم حزبه آنذاك، المستشار غيرهارد شرودر، وتعلم منه فن القيادة والقفز فوق الألغام السياسية. وتمكن بعدها من الوصول إلى البرلمان الاتحادي والانخراط في اللعبة السياسية على المستوى الاتحادي. وعيّن وزيراً للبيئة، عام 2005، في أول حكومة لعهد المستشارة ميركل، التي تفوقت في حينها على شرودر في منصب المستشارية.

وتمكن غابريال خلال توليه عام 2013 لوزارة الاقتصاد، من تحقيق وإنجاز العديد من الاتفاقات والصفقات المهمة بالتعاون مع رجال الأعمال وممثلي الشركات والقطاعات الصناعية في البلاد. إلا أنه لم يتمكن خلال الأربع سنوات الأخيرة، من زيادة شعبية حزبه، الاشتراكي الديمقراطي، ما زاد من الاستياء ضده، بعدما تماهى مع ميركل في العديد من الملفات الحساسة والمصيرية ومنها ملف اللاجئين. وتفاقمت النقمة ضده مع إبدائه لمواقف وآراء متناقضة أحياناً، كلفت الحزب المزيد من عدم الصدقية لدى المناصرين. وأدى هذا الأداء إلى تراجع نسبة المؤيدين للحزب، بحسب آخر استطلاعات الرأي، إلى حدود 20 في المائة مطلع الشهر الحالي.

انقلاب أبيض
ولاقى قرار غابريال بالعزوف عن الترشح لمنصب المستشار وتركه زعامة الحزب لرفيقه شولتز ارتياحاً حزبياً. وتتوقع الأوساط السياسية الحزبية تحسن شعبية الحزب في استطلاعات الرأي بعد قرار غابريال، والذي وصفه البعض بالانقلاب الأبيض الذي أثبت فيه غابريال عن ذكاء ودهاء سياسي، وأظهر ترفعه عن المصلحة الشخصية لصالح مبادئ الحزب التي تعتبر من الثوابت لديه.

وفي هذا الإطار، يرى خبراء في السياسة الألمانية أن قرار غابريال سيمكن مرشح الحزب، شولتز، من التصرف والتعاطي بمرونة أكبر في الحملات الانتخابية، كونه ليس من الممكن أن يقود غابريال حملته وتوجيه الانتقادات لسياسة ميركل على المنابر وفي الساحات وهو يتوافق معها على الكثير من الملفات. ويشير الخبراء إلى أنه بات الآن بإمكان شولتز التصويب على الحكومة وملفاتها، كونه ليس عضواً فيها، وبطريقة معالجتها لموضوعات الأمن والتعليم والضرائب وتحسين البنية التحتية وغيرها.

وتنتظر غابريال مهمات ومسؤوليات كبيرة في الخارجية كون المسرح الأوروبي والعالمي يشهد تغيرات على المستويات كافة منها السياسية والأمنية والاقتصادية. إلا أنه وبحسب مراقبين، ستبقى السياسة الخارجية الألمانية على الثوابت نفسها، وتؤدي دورها المعتاد في تدوير الزوايا وكصمام أمان على المستوى الأوروبي، لا سيما أن الوزارة تتكون من فريق عمل ضليع وملم بالملفات ويعرف جيداً مكانة ألمانيا ودورها، وسيكون داعماً للوزير في مهمته الجديدة.