"قنبلة" خلف جدار ترامب: حاول مرة أخرى

"قنبلة" خلف جدار ترامب: حاول مرة أخرى

28 يناير 2017
هجرة غير شرعية بين أميركا والمكسيك (جون مور/Getty)
+ الخط -
يهدر صوت رجل في قاعة مقفلة: "سنبني جداراً مع المكسيك، واحزروا من سيدفع ثمنه؟"، يردّ جمهور بحماسة أمامه: "المكسيك". بهذا الشعار ـ السؤال، وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أحد أسس رحلته إلى البيت الأبيض. وبعدما كانت حظوظه تقارب الصفر، وصل ابن نيويورك إلى سدة الرئاسة، مدشناً ملف الجدار مع المكسيك، كقضية أساسية لحكمه.

في السياسة، نادراً ما يحصل صدام بين رئيس جديد لدولة ما مع دولة أخرى، تحديداً إن كانت مجاورة، إلا في حالات القطيعة الدبلوماسية التي تنبئ، عندما تحصل، بنتائج وخيمة في حالات شبيهة بالعلاقات المكسيكية الأميركية، لما لها من تداعيات تطاول البلدين وملايين البشر بعلاقات اقتصادية أمنية اجتماعية شديدة الحساسية. وإذا كانت تجربة النمساوي اليميني يورغ هايدر، الفائز بانتخابات 1999 التشريعية في بلاده، انتهت بتضافر كبار القارة الأوروبية لمنعه من تسلّم منصبه مستشاراً للنمسا، إلا أن تجربة ترامب تبدو أصعب من ذلك بكثير، خصوصاً أنه آتٍ لحكم "دولة عظمى". لم يكن أحد يتوقع أن يصدر الملياردير السبعيني أمراً تنفيذياً بهذه السرعة لبناء الجدار الحدودي الموعود، ما أدى إلى إطاحة لقائه مع الرئيس المكسيكي، إنريكي بينا نيتو، الذي كان مقرراً الثلاثاء المقبل، في 31 يناير/ كانون الثاني الحالي. بداية عهد بصدام دبلوماسي مع دولة جارة ومتداخلة ديموغرافياً واقتصادياً مع الولايات المتحدة، قد تكون سيفاً ذا حدين.

لا تتعلّق المسألة بمجرد جدار بطول 1600 كيلومتر، من أصل 3201 كيلومتر هي مسافة الحدود المكسيكية ـ الأميركية فحسب، بل تمتد إلى تشعّبات ديمغرافية واجتماعية واقتصادية عدة، على جانبي الحدود. "الاقتصاد الموازي" الذي ينوي ترامب محاربته عبر بناء الجدار، حسبما يقول، كان أساسياً في الولايات المتحدة، بل مساهماً في نموّ اقتصاديات الولايات الجنوبية، البعيدة عن الساحلين الشرقي والغربي للولايات المتحدة. ولعلّ هذا كان من الأسباب التي حدت بالمتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، إلى "توضيح" مسألة فرض ضريبة بنسبة 20 في المائة على الصادرات الواردة من المكسيك، لتمويل بناء الجدار، بالقول إنه "لم يكن المقصود إصدار إعلان قرار، بل القول إنها فكرة ليس من الصعب تنفيذها، وأن تمويل الجدار ليس بالصعوبة التي يتصورها البعض، بل إن إجراءً واحداً يمكن أن يكفي لتحقيق ذلك". وكان ترامب قد ذكر في حملاته الانتخابية أن تمويل الجدار يبلغ نحو 8 مليارات دولار، وينتهي في غضون أشهر قليلة، مع العلم أن معهد "أم آي تي تكنولوجي ريفيو" ذكر أن الكلفة ستراوح بين 27 و40 مليار دولار.

بالتالي، جاء ردّ سبايسر على عضو الكونغرس الجمهوري، مارك ميدوز، الذي وصف أثر الضريبة بالقول: "عندما تنظر إلى الانعكاسات التي يمكن أن تنجم عن الدول التي تستخدم تعرفاتك الجمركية ضدها، فإن إمكانية لجوئها إلى معاملة بالمثل لن تدعم نمواً اقتصادياً جيداً لبلدك". كما نشر السيناتور ليندساي غراهام تغريدة جاء فيها أن "أي اقتراح بتطبيق سياسة ترفع أسعار الصادرات المكسيكية سيئ جداً".



والحاجة إلى المهاجرين المكسيكيين تحديداً، أمر في غاية الأهمية للاقتصاد الأميركي. وقد كتبت الأستاذة في جامعة كولومبيا الأميركية، شانون أونيل، منذ عقد، وتحديداً عام 2007، ما حرفيته: "تمرّ المكسيك بتحول ديموغرافي حالياً، إذ تفيد بيانات مكتب الإحصاء المكسيكي بأن الأيام التي كانت تتألف فيها الأسر من ستة أو سبعة أو عشرة أطفال قد ولّت. وفي المقابل، يقدّر معدّل الولادات اليوم في المكسيك بـ2.2 ولد، أي أكثر بقليل من معدل الولادات المسجل في الولايات المتحدة والبالغ 2.1 ولد، والذي يعدّ معدل الاستبدال، أي المستوى المطلوب للحفاظ على عدد سكان مستقر مع مرور الزمن. كما ارتفع معدل الحياة في المكسيك إلى 75 عاماً، مقارنة مع 77 في الولايات المتحدة. وبالتالي، ويمكن القول إن المكسيك على وشك أن تشيخ بشكل كبير". ورأت أونيل في حينه أن "الوضع الديموغرافي الحالي، بفعل التدفق الكبير للمهاجرين المكسيكيين وارتفاع إقبال المشغلين الأميركيين عليهم، يعكس قانون العرض والطلب. أما إغلاق حدودنا، فلن يغير ذلك اليوم، مثلما لن يساعدنا على التكيف مع الخصائص الديموغرافية وأسواق العمل المتغيرة في المستقبل". وفق هذا الكلام، يبدو الجدار وكأنه يضرب عرض الحائط المصالح الأميركية في الولايات الجنوبية، أكثر مما يضرب المكسيك.

في الديموغرافيا، هناك 32 مليون أميركي من جذور مكسيكية، من أصل نحو 330 مليون أميركي، أي حوالي 10 في المائة من السكان. ويعود السبب للحروب الأميركية ـ المكسيكية في القرن الـ19، والتي استولت فيها الحكومة الأميركية على أراضٍ شاسعة في الجنوب ـ الغرب الأميركي كانت مكسيكية في الأصل. ومنها ولايات تكساس، ونيو مكسيكو، وأريزونا، وكاليفورنيا، وأراضٍ في ولايات كولورادو ونيفادا ويوتا. ويظهر الأثر الديموغرافي واضحاً في أيامنا الحالية، في واقع أن 31.6 في المائة من سكان تكساس، ونحو 20 في المائة من سكان نيو مكسيكو، و30 في المائة من سكان أريزونا، و25 في المائة من سكان كاليفورنيا، هم مكسيكيو الأصل. فضلاً عن ذلك، فإن تجمّع تيخوانا المكسيكية ـ سان دييغو الأميركية (نحو 5 ملايين نسمة)، وتجمّع سيوداد خواريز المكسيكية ـ إل باسو الأميركية (نحو 2.6 مليون نسمة)، يعتبران أكبر تجمّعين ديموغرافيين متجاورين على الحدود بين البلدين.

وإذا كان ترامب قد ذكر أن "محاربة المخدرات" هي جزء من برنامجه، إلا أن المكسيك "قدّمت له عرضاً لا يمكن رفضه"، عبر تسليم أكبر تاجر مخدرات في السنوات الـ30 الأخيرة، خواكين غوزمان، الملقب بـ"إل تشابو"، إلى واشنطن، عشية تنصيب الرئيس الأميركي. وذلك في دلالة على النوايا المكسيكية للتعاون مع الولايات المتحدة في شأن المراقبة الحدودية، خصوصاً أن المهاجرين عبر الحدود الأميركية ـ المكسيكية ليسوا مكسيكيين فقط، بل ينتمي العديد منهم إلى دول في أميركا الوسطى. وكانت المكسيك قد قدمت أرقاماً تفيد بنيتها الحدّ من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، حين قامت بترحيل 147370 مهاجراً العام الماضي، مقارنة بـ80900 في عام 2013، وفقاً لأرقام أعلنتها وزارة الداخلية المكسيكية.

ومقارنة مع المكسيك، تبدو العلاقة الكندية مع ترامب أفضل حتى الآن، إثر إعلان شركة "ترانس كندا"، يوم الخميس، أنها "قدّمت طلباً لبناء أنبوب نفط كيستون إكس أل"، بعدما أعطى ترامب الضوء الأخضر للمشروع الرابط بين كندا والولايات المتحدة، بعد سنوات من رفض أوباما له. وسينقل خط الأنابيب الذي يمتد بطول 1900 كيلومتر منها 1400 في الأراضي الأميركية، النفط من كندا إلى المصافي الأميركية في خليج المكسيك.