ترامب ومشروع المناطق الآمنة للسوريين: عشرات الأسئلة تنتظر أجوبة

ترامب ومشروع المناطق الآمنة للسوريين: عشرات الأسئلة تنتظر أجوبة

27 يناير 2017
قرارات ترامب لمنع وصول اللاجئين للأراضي الأميركية(ياسين أكغول/فرانس برس)
+ الخط -
لم ينافس تسريب وكالة "رويترز" المعزز بالوثائق، خبر نية توقيع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قراراً تنفيذياً، يأمر بموجبه وزارتي الدفاع والخارجية بإعداد خطة تفصيلية في غضون 90 يوماً، لإنشاء منطقة أو مناطق آمنة للمدنيين السوريين داخل الأراضي السورية أو في دول الجوار، التغطية الصحافية لقراره الآخر القاضي بالبدء في بناء الجدار الحدودي مع المكسيك في الإعلام الأميركي، بشكل موازٍ لتوقيعه قرار منع إعطاء أي تأشيرة دخول لمواطني كل الدول التي بات ينظر إليها على أنها "مصدّرة" للاجئين. قرارات تندرج تحت عنوان داخلي عريض، هو كيفية منع اللاجئين من الوصول إلى الأراضي الأميركية، من ضمن أحد أبرز شعارات ترامب التي أوصلته إلى الرئاسة الأميركية، المرتكزة على تعريف ضيّق للهوية ولـ"أميركا أولاً" وتقييد دخول "الغرباء" إلى هذا البلد... لكن حساسية المكسيك كمصدر للمهاجرين، لا تقارن بضآلة "الهمّ" الذي يشكله السوريون المدنيون على الولايات المتحدة لناحية اللجوء ــ الهجرة، ذلك أن أعداد مَن منحتهم إدارة باراك أوباما حق اللجوء إلى الأراضي الأميركية، يبدو قليلاً جداً، إذ لا يزيد من حظي بهذا الحق عن الآلاف القليلة.


لكن حتى ولو حلّ قرار إقامة مناطق آمنة في سورية وفي دول الجوار، في المرتبة الثالثة لناحية التغطية الإعلامية الأميركية، فإنّ الأسئلة التي يطرحها القرار، في حال أصدره ترامب وفق التسريبة التي أرفقتها "رويترز" بصورة ضوئية لمشروع قرار ترامب، يتوقع أن تحتلّ سريعاً صدارة الاهتمام الأميركي العام، لأنه، إذا سارت الإدارة الجديدة في المشروع حقاً، فإنه سيكون قضية كبيرة تتعلق بالشأنين الداخلي الأميركي والخارجي في آن واحد. وسيكون على وزارتي الدفاع والخارجية، الإجابة على مجموعة من النقاط الحساسة بالنسبة لكل من الناخب الأميركي، والمؤسسة العسكرية بالدرجة الأولى، التي لطالما رفضت أي طرح مماثل منذ بدأ الحديث وانطلقت التلميحات والمشاريع التركية حول ضرورة إنشاء منطقة/مناطق آمنة في سورية لحماية المدنيين أولاً، وربما غير المدنيين من معارضي نظام بشار الأسد، كأساس لحلّ الملف وإنهاء الحرب الأهلية بالدرجة الأولى، أكان هذا الحلّ ينصّ بشكل مركزي على إسقاط نظام الأسد أو لا ينصّ على ذلك.
سبق لدونالد ترامب، خلال حملاته وخطاباته في مرحلة الترشح للرئاسة الأميركية، أن كرر مراراً، رؤوس أقلام لما يقصد عندما يقول إنه لا بد من إنشاء مناطق آمنة للمدنيين والسوريين كطريقة لمنعهم من التوجه إلى "الغرب"، أوروبا أساساً، والقارة الأميركية بدرجة ثانوية. قال أكثر من مرة، بلغة شعبوية تدنو من الاحتقار، ما حرفيته إن "دول الخليج لا تملك شيئاً إلا المال والكثير من المال والنفط، بالتالي عليها أن تموّل إنشاء مناطق آمنة". هذا عن المال، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك. فرغم تكرار ترامب كلامه المذكور أعلاه، إلا أن أحداً لم يكن يعتقد بأن المشروع سيكون من بين القرارات العشرة الأولى التي يوقّعها الرئيس. أسباب استبعاد سرعة اتخاذ القرار، كانت تنبع أساساً من أن الرجل آتٍ بخطاب خارجي متحمس لتلزيم القيادة الروسية إدارة الملف السوري.


ويتذكر كل متابع للملف السوري الرفض المكرر لقائد القوات الأميركية المشتركة (قائد الجيش) الجنرال جوزف دانفورد (الذي لا يزال يحتفظ بمنصبه)، أي طرح حتى لإقامة مناطق آمنة في سورية أو جوارها، وما يتبع ذلك بالضرورة من فرض حظر للطيران فوق تلك المنطقة ــ المناطق، بحجة أنها خطوة ستؤدي إلى "الذهاب للحرب ضد سورية وروسيا". المرة الأخيرة التي وضع فيها دانفورد الفيتو ذاك، كان في سبتمبر/أيلول الماضي حين قال حرفياً، أمام لجنة الكونغرس الخاصة بالشؤون العسكرية: "هذا قرار جوهري، بالطبع لن أتخذه". هو فيتو أميركي امتدّ طيلة ولايتي باراك أوباما، ليمنع دولاً إقليمية من إقامة مثل هذه المناطق الآمنة، خصوصاً تركيا. وما الترحيب السريع الذي صدر عن أنقرة علناً على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية حسين مفتي أوغلو، وعن الدوحة بحسب ما أعلن مدير المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية القطرية، السفير أحمد بن سعيد الرميحي، إلا دليل على حماسة الدول الحاضنة للثورة السورية إزاء المشروع الذي أحبطه أوباما ورجاله طيلة سنوات.


فكيف يمكن للمتابع إياه أن يفهم اليوم قرار ترامب، وهو الرافض لأي اشتباك لفظي حتى مع القيادة الروسية ومع صديقه فلاديمير بوتين؟ كيف يمكن فهم الانزعاج غير المسبوق من الكرملين إزاء قرار ترامب إنشاء تلك المناطق الآمنة؟ انزعاج وصل إلى درجة تدنو من التهديد في نصيحة المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف لترامب بـ"دراسة كافة التداعيات السلبية المحتملة قبل الشروع بهذا القرار". كيف يمكن تنفيذ مثل هذا المشروع "الجوهري" بمصطلحات جوزف دانفورد، من دون أن يكون ترامب أو أي كان من إدارته قد نسّق الأمر مسبقاً مع العواصم الإقليمية المعنية، تركيا ودول الخليج بالدرجة الأولى والدول الأوروبية بالدرجة الثانية (بدليل تفضيل فيديريكا موغريني التروي قبل التعليق على القرار)؟ انطلاقاً من مسلّمة أن قراراً كهذا يترافق بالضرورة، وتعريفاً، مع إرسال قوات أميركية برية لكي تكون هذه المنطقة بالفعل آمنة مع حالة حظر طيران فوقها، يصبح مشروعاً التساؤل عما إذا كانت الخطة التي ستخرج عن وزارتي الدفاع والخارجية في غضون ثلاثة أشهر، بموجب الأمر الرئاسي، ستتضمن إشرافاً عسكرياً أميركياً مباشراً أو بالوكالة على هذه المناطق؟ ثم عن أي مناطق يجري الحديث بالتحديد؟ لقد حدّدت وثيقة الأمر التنفيذي المسربة، أن الكلام يدور عن مناطق داخل سورية أو "في دول الجوار بشكل يصبح فيه النازحون قادرون على الإقامة فيها في انتظار إعادة توطينهم في بلدهم أو في بلد آخر". ولأن كلمة السر في مصطلح "المنطقة الآمنة"، يبقى بلا شك "حظر الطيران"، فهل توكل مهمة تنفيذ هذا الحظر لدولة حليفة للولايات المتحدة في المنطقة لينتقل خطر الاشتباك الروسي من أميركا إلى هذه "الدولة الحليفة"؟ سؤال يصبح معقداً في ظل شهر العسل التركي ــ الروسي، إذ تبدو أنقرة سعيدة باستبعاد العواصم الغربية عن الملف السوري نتيجة لما تقول إنها عانته من هذا الغرب من تردد وفيتوهات وقلة احترام أحياناً وغدر بحسب المصطلحات التركية.


أما خليجياً، فهل الرياض أو الدوحة أو أبوظبي ستكون مستعدة للتورط في مثل هكذا مغامرة مع موسكو أو حتى مع دمشق، وهم الذين يوقّعون بوتيرة أسبوعية ربما اتفاقيات نفطية وبروتوكولات تعاون اقتصادية تجعل من الروس حليفاً وشريكاً اقتصادياً استثنائياً؟ أم أن دولة صارت أكثر من حليف للروس في المنطقة، مثل الأردن، ستوكل إليها مهمة تنسيق الطلعات الجوية فوق هذه المنطقة العتيدة مثلاً؟ ربما تكون المناطق الآمنة التي يفكر فيها العقل المخطط لفريق ترامب موزعة على أكثر من بلد؟ هل الحديث يتعلق بالمنطقة التي أصبحت بالفعل آمنة بفضل الجيش التركي على الحدود لناحية جرابلس وبقية مناطق درع الفرات على الحدود مع محافظة حلب؟
تركيا، التي بدت سعيدة للغاية بالقرار الأميركي الأخير، كونه سيريحها، إن نقلت مخيمات اللاجئين من أراضيها إلى الداخل السوري الخارج عن سيطرة النظام، ماذا ستستفيد في الوقت الذي صار إسقاط الأسد بالنسبة لها نقطة يمكن تأجيلها، مع التذكير الموسمي على لسان المسؤولين الأتراك بأنه "لا مكان لبشار الأسد في مستقبل سورية"؟ أما الشكل الذي سيصدر بموجبه قرار المنطقة الآمنة الأميركية، إن صدر، فهو موضوع آخر ومعقد بدوره. هل يقره ترامب بقرار رئاسي لا يحتاج لموافقة الكونغرس؟ أم يستفيد من حماسة جمهورية للمشروع ويقره لدى السلطة التشريعية؟
لسان حال المسؤولين الأتراك اليوم، يفيد بأن القرار الأميركي جاء متأخراً خمس سنوات. ويذكر القيمون على الملف في أروقة القرار التركي، أن المشروع الأول الذي طُرح بشكل مفصل للمناطق الآمنة، على الحدود التركية ــ السورية، كان في إبريل/نيسان 2012، تولى حينها طرحه بشكل مفصل "مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية" التركي، ونال اهتماماً كبيراً في وسائل الإعلام التركية آنذاك. لكن أوباما وإدارته، مثلما أصبح معلوماً، ومن ضمن الأدوار الأكثر فائدة لمصلحة النظام والروس فعلياً، أعاقوا المشروع بشكل حاسم، ليأتي الجمهوري المرفوض من الجمهوريين، دونالد ترامب، ليطرح مشروع القرار الذي يؤيده عدد كبير من الشيوخ الجمهوريين على كل حال، علماً أن هؤلاء يقصدون بالمنطقة الآمنة أن تكون محمية أساساً من قوات النظام السوري ومن تنظيم "داعش" على حد سواء.
بناء على كل ذلك، يعلّق دبلوماسي أميركي مُفاجأ بقرار ترامب، في رد على استفسار ورده من وكالة "رويترز"، قائلاً، وكأنه يتوجه بالحديث لرئيسه: "إن كنتَ قد قررت إقامة مناطق آمنة في سورية، فيفترض أن تسبق ذلك بالكثير من الإجراءات وتقديم الأجوبة العديدة أولاً".

المساهمون