السيسي يواصل إطاحة قيادات من الاستخبارات... "بناءً على طلبهم"

السيسي يواصل إطاحة قيادات من الاستخبارات... "بناءً على طلبهم"

27 يناير 2017
يسعى السيسي لتسليم مقربين منه مناصب قيادية في الدولة(الأناضول)
+ الخط -
للمرة الثالثة في أقل من عامين، ينفذ الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، حركة تغييرات كبرى داخل جهاز الاستخبارات العامة، وهي السياسة التي يعتبرها مراقبون بمثابة عمليات تطهير للجهاز، وإحلال رجال السيسي محل القيادات القديمة، في إطار انقسام بين إدارة الاستخبارات الحربية والاستطلاع في القوات المسلحة، التي كان يديرها السيسي، قبل أن يعينه الرئيس المعزول، محمد مرسي، وزيراً للدفاع، وبين جهاز الاستخبارات العامة.

وأصدر السيسي أمس، الخميس، قراراً جمهورياً، حمل الرقم 29 لسنة 2017، بإحالة 19 من وكلاء جهاز الاستخبارات العامة إلى التقاعد. وجاء في القرار إن ذلك تم "بناءً على طلبهم". أشهر الأسماء الـ19 كان مدير إدارة مسؤول الملف الفلسطيني في الجهاز، صاحب التسريب الشهير الذي أذاعته فضائية "مكملين" في سبتمبر/أيلول الماضي، اللواء وائل محمد عبد الغني الصفتي، وكان عبارة عن تسجيل لمكالمة هاتفية بين الصفتي والقيادي الفلسطيني السابق في حركة فتح، محمد دحلان. وكشف التسجيل وقتها عن عدم رضا الاستخبارات المصرية عن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وجهود المصالحة بين حركتي فتح وحماس.

الصفتي وصف عباس في التسجيل بأنه قليل التركيز. وقال إن عباس ليس لديه ما يقدمه، وإنه "قاعد بيلطش يعني... مفيش بضاعة، ومعندوش ذكاء على الإطلاق في التصرف من دماغه". وأضاف إن عباس "خاضع لتأثير شديد من أبنائه... وإنه لا يستطيع اتخاذ قرارات من دون تأثير ممن حوله". وتابع "هو عجباه الليلة دي قاعد بيطقطق هنا يمين، هنا شمال وبالسلامة، والأمور يكش تولع... مش فارقة معاه". كما وصف الصفتي حركة فتح بأنها "منيّلة ومتسخمة بنيلة"، مضيفاً أن المنظمة "أنيل". وتابع أن حماس "متجلية وتحقق انتصارات ومفيش حد قدامها". كما طاول الصفتي بهجومه الجبهة الشعبية وبعض قياداتها الذين وصفهم بـ"العيال" و"الشلة"، واعتبر أنهم متحاملون على عباس، وأنهم يتعاملون مع القضية وكأنهم "يشتغلون بالأجرة في المنظمة". واعتبرهم مجرد أسماء.

اللافت أن قرار السيسي بإحالة الصفتي إلى التقاعد جاء خلال تواجد وفد من حركة حماس، على رأسه نائب رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، في القاهرة. وقد وصل الوفد، الإثنين الماضي، إلى مطار القاهرة، على متن طائرة آتية من الدوحة، حيث أنهى إجراءات الوصول عبر استراحة كبار الزوار في المطار، واستقبلته مجموعة من ضباط الاستخبارات العامة. ومن المقرر أن يلتقي وفد حركة حماس مسؤولين مصريين كباراً لبحث آخر تطورات الأوضاع في الملف الفلسطيني، وفي قطاع غزة.

وشمل القرار، المنشور في الجريدة الرسمية أمس، 18 وكيلًا آخر للجهاز، هم هانئ حسن كاظم صفوت أبو العطا، وعمرو محمد عبد الحميد، وعلاء الدين أحمد عامر، وخالد محمود مختار كمالي، وأسامة محمود إبراهيم، وأيمن أحمد القاضي، وخالد حسن عبد الفتاح، وحمزة عبد الحفيظ درويش، وسعيد محمود شاهين، ومحمد مصطفى كمال دسوقي، ووائل محمد فريد، وعلاء عوض سالم ماضي، وزكي السيد العربي حبيشي، وطارق حسين بكري عبد العال، وإبراهيم العرابي، ومحمد وفيق جمال الدين زكي، ومحمد يحيى إبراهيم الدرعي، وياسر خالد محمد الغزاوي. وفي يوليو/تموز من العام الماضي، أصدر السيسي أيضاً قراراً جمهورياً، حمل الرقم 281 لسنة 2016، ونشرته الجريدة الرسمية للبلاد، بإحالة 17 وكيلاً في جهاز الاستخبارات العامة (نواباً لمدير الجهاز) إلى التقاعد. وذكر القرار أيضاً أن ذلك جاء بناء على طلبهم، من دون أن يوضح أسباب طلبهم عدم الاستمرار بالعمل في الجهاز، وهو الأمر الذي ربطه محللون وقتها بصعود اتجاه داخل الجهاز مضاد لاتفاقية جزيرتي تيران وصنافير التي وقّعها مع السعودية، والتي بموجبها تتنازل مصر عن الجزيرتين للرياض.

إحالة ضباط الاستخبارات إلى التقاعد بحجة طلبهم ذلك، تكرر مرات عدة، منذ تسلم السيسي السلطة في 8 يونيو/حزيران 2014، عقب الانتخابات الصورية التي أجراها بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب شرعياً، محمد مرسي، حيث توالى إصدار قرارات جمهورية بإحالة وكلاء للجهاز إلى التقاعد، ونقْل عدد كبير إلى العمل في وظائف مدنية في الوزارات المختلفة خلال عامي حكمه. ففي ديسمبر/كانون الأول 2015، صدر قرار رئاسي بإحالة 13 وكيلاً للاستخبارات العامة إلى التقاعد بناء على طلبهم، وسبقه في يونيو/حزيران 2015 قرار آخر بإحالة 11 وكيلاً في الجهاز ذاته إلى التقاعد للسبب ذاته. كما صدر قرار سابق على هذين القرارين بإحالة 14 وكيلاً للتقاعد في يوليو/تموز 2014، للسبب ذاته. ويسعى السيسي، منذ وصوله إلى الحكم، إلى تمكين كل المقربين منه من المناصب القيادية والحساسة في الدولة. ولدى السيسي ثلاثة أبناء وابنة. محمود، وهو الأكبر، يعمل في الاستخبارات العامة. وتؤكد مصادر، لـ"العربي الجديد"، أنه الرجل الأقوى في الجهاز. ومحمود مسؤول عن ملف الأمن الداخلي ومكافحة التجسس، مع إمكانية إجراء عمليات استخباراتية في الخارج. ورجّحت وسائل إعلام إيطالية أن نجل السيسي كان على علم بتحركات الطالب الإيطالي، جوليو ريجيني، حتى قبل اختفائه.

الابن الثاني للسيسي، مصطفى، لا يقل عن شقيقه، وهو خريج الأكاديمية العسكرية، ويعمل في هيئة الرقابة الإدارية. وتؤكد مصادر عدة أن كليهما يحضر اجتماعات الرئيس، وأن لهما تأثيراً في القرارات التي يتم اتخاذها. محمود بما يتعلق بالأمن القومي، ومصطفى عندما يتعلق الأمر بالإدارة المالية. وهناك شخصيات أخرى صاحبة نفوذ في دائرة سلطة السيسي، على رأسها اللواء عباس كامل، الذي يطلق عليه لقب "خازن أسرار السيسي". وهو كان مجهولاً حتى العام 2013، إذ برز دوره بعد إحاطة الجيش بمرسي. ويعتبر كامل الذراع اليمنى للسيسي منذ أن كان الأخير مديراً للاستخبارات العسكرية، ويعتبر الآن الرجل الثاني في الدولة. وجاء الظهور الأول لاسم اللواء عباس كامل في أقدم تسريبات السيسي، أثناء حديثه مع الصحافي ياسر رزق، رداً على سؤال عن عدد قتلى فض رابعة، إذ قال السيسي "اسألوا عباس". مصادر أمنية رفيعة المستوى أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن هناك خطة يشرف السيسي شخصياً على تنفيذها، بمعاونة كل هؤلاء، لتصفية كل قيادات الاستخبارات العامة واستبدالهم برجال مقربين منه، على أن تنفذ هذه الخطة على مراحل. وأُنشئ جهاز الاستخبارات العامة بقرار من الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، بعد ثورة يوليو/تموز 1952، لتطوير الاستخبارات المصرية. وأصدر عبد الناصر قراراً رسمياً بإنشاء جهاز استخباري، حمل اسم "الاستخبارات العامة"، في عام 1954، وأسند إلى زكريا محيي الدين مهمة إنشائه، بحيث يكون جهاز استخبارات قوياً، لديه القدرة على حماية الأمن القومي المصري. وينقسم هيكل الجهاز التنظيمي للاستخبارات العامة المصرية إلى مجموعات عدة، بحيث يترأس كل مجموعة أحد الوكلاء ممثلاً لرئيس الجهاز. ويقع المقر الرئيسي للجهاز في ضاحية حدائق القبة في القاهرة.