6 سنوات بعد الثورة: الانقسامات في أجهزة النظام ومؤسساته

6 سنوات بعد الثورة: الانقسامات في أجهزة النظام ومؤسساته

25 يناير 2017
بات جهاز الشرطة حالياً مهمشاً محصوراً بدوره التقليدي(بيتر ماكديرميد/Getty)
+ الخط -
بعد 6 سنوات من اللحظة التاريخية التي عجزت فيها السلطات والأجهزة المصرية عن مقاومة الرفض الشعبي لاستمرار الرئيس المخلوع، حسني مبارك، والإصرار الجماهيري على رحيله، تبدو السلطات والأجهزة ذاتها منقسمة على نفسها لجهة الرغبة في بقاء الرئيس الحالي، عبدالفتاح السيسي، ما يزيد وضع نظامه هشاشة وعرضة للسقوط، سواء بغضب شعبي كما حدث في ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011 أو بحركة انقلابية أخرى تشبه ما فعله في يوليو/تموز 2013 مع الرئيس المعزول، محمد مرسي.
ثمة فوارق بين الحالتين لما جرى في مصر من أحداث على مدار ست سنوات، فالحركة التلقائية للجماهير عام 2011 لم تُقابل في البداية بالترحيب من أي جهاز أو سلطة، ووقف في مواجهتها الجيش والشرطة والقضاء فضلاً عن الجهاز الإداري للدولة والأجهزة الرقابية والأمنية والسيادية.

حالة عدم الترحيب من قِبل كل هذه الأجهزة كانت واضحة للعيان آنذاك، إلا أن الإرادة الشعبية غير المسبوقة تجلّت خلال 18 يوماً، رابط فيها المعتصمون في ميدان التحرير في قلب القاهرة وغيره من ميادين الثورة في مختلف المحافظات، فأطاح المتظاهرون ببطش الشرطة أولاً يوم "جمعة الغضب" في 28 يناير/ كانون الثاني، ثم أفشلوا خطط الأجهزة الأمنية والسيادية في إجهاض الاعتصام الكبير يوم "موقعة الجمل"، ليتحدّوا بعدها المحاولات اليومية لقادة الجيش وعلى رأسهم عبدالفتاح السيسي (مدير الاستخبارات الحربية حينها) وحمدي بدين (مدير الشرطة العسكرية حينها) وحسن الرويني (قائد المنطقة المركزية العسكرية حينها) والذين نزل كل منهم على حدة بصحبة قوات إلى الميدان لفضه وباءت محاولاتهم بالفشل.
أما القضاء، فعلى الرغم من أنه منح لاحقاً صكوك الشرعية لثورة يناير وما ترتب عليها، بما في ذلك قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لشؤون البلاد بدلاً من مبارك، إلا أنه خلال أيام الثورة وقف أيضاً إلى جانب مبارك مرتاباً في ما قد تؤول إليه الأحداث. فأحيل إلى التفتيش القضائي عدد من القضاة الذين شاركوا في التظاهرات وألقوا خطابات على منصة ميدان التحرير، كالقاضي محمد فؤاد جادالله، إلى جانب مشاركة جميع الهيئات القضائية في محاولة مبارك الأخيرة لامتصاص مطالب الثوار بإجراء تعديلات دستورية شكلية، بينما وقفت الأجهزة السيادية والأمنية، كأمن الدولة والاستخبارات العامة والرقابة الإدارية، عاجزة عن افتعال أي مشاكل لفض الميدان. وساهمت في لحظة معينة الخلافات التاريخية بين اللواء عمر سليمان وخلفه جهاز الاستخبارات من جهة، وبين المشير حسين طنطاوي وخلفه الجيش من جهة أخرى، في تغليب كفة الجماهير على خيارات مبارك، بعدما اختار الأخير سليمان نائباً له، فخسر بذلك ما تبقى من تأييد الجيش لاستمراره في الحكم. ولم يعد أمام الجيش إلا النزول عند رغبة الشعب في الإطاحة بمبارك، وفي الوقت ذاته تنصيب نفسه حاكماً فعلياً للحفاظ على دولة يوليو/تموز 1952 القائمة على تأمين مصالح الجيش وتعزيز سلطته على باقي أجهزة الدولة.

أما اليوم، وبعد عامين ونصف العام من الفترة الرئاسية الأولى لنظام السيسي، فتبدو علاقته بأجهزة الدولة والسلطات المختلفة مهترئة بصورة أكبر بكثير مما كان عليه نظام مبارك، لدرجة أن السيسي ما زال يبذل جهوداً لتحجيم أنصار مبارك داخل الجيش والشرطة والأجهزة السيادية والجهاز الإداري للدولة، بالإضافة إلى وجود كتلة لا توالي أياً منهما ولا تتبع أية قوى سياسية، لكنها متضررة بسبب سياسات السيسي في إدارة بعض الأجهزة والمرافق أو سياساته العامة على الصعيد الاقتصادي والخارجي وإدارته للمجال العام.
ويمر نظام السيسي بوضع لم يسبقه إليه أحد من رؤساء مصر، وهو أنه يعتمد على دائرة مغلقة من قيادات جهازين رئيسيين، هما الاستخبارات العامة والرقابة الإدارية، مطعّمين بأفراد ثقة من الاستخبارات الحربية، كدائرة رئيسية تكون النواة الصلبة لنظامه، على عكس اعتماد مبارك مثلاً على أجهزة كاملة لم يشأ أن يتسبب في تأليب الخلافات بين أفرادها، كالاستخبارات العامة وأمن الدولة، بالإضافة لاعتماد مبارك في تسيير الأمور التنفيذية والتشريعية على حزب مكوّن أساساً من المدنيين الموثوق فيهم من أبناء الجهاز الإداري للدولة أو رجال الأعمال.

وبالتالي فإن النواة الصلبة لنظام السيسي، وإن كانت أكثر قسوة منها في نظام مبارك وذات طابع عسكري، إلا أنها أصغر عدداً وأقل تأثيراً وانتشاراً، وربما يفسر هذا الأمر قدرة السيسي على التحكم في القيادات العليا للجهاز الإداري للدولة أو دواوين الوزارات وإدارات الأجهزة الرقابية والأمنية والقضائية، لكنه في الوقت ذاته فاقد للسيطرة على أجسام هذه الأجهزة المكتظة بالرؤى المتباينة وغير المستعدة للتضحية من أجل نظام السيسي.
وليس أدل على هذه الظاهرة التي استشفتها "العربي الجديد" من أحاديث مطولة خلال العام الماضي مع مصادر من داخل الجهاز الإداري للدولة، من فشل السيسي في الدفاع عن موقف سياسي دولي بحت كاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، إذ وجد السيسي نفسه محاصراً مع دائرته ودفاعه الحكومي ممثلاً في القيادات الظاهرة للجيش والخارجية وهيئة قضايا الدولة، حتى كتب الحكم القضائي البات شهادة فشله في التعامل مع الأزمة أمام هيئة دفاع مدنية حقوقية وهيئة قضائية هي مجلس الدولة.


وجسد تقديم هيئة الدفاع في قضية تيران وصنافير مستندات ووثائق مستخرجة من داخل الحكومة المصرية فشلاً آخر للسيسي، معبّراً عن حجم شعبيته المتهاوية داخل أجهزة الدولة، إلى جانب الرسائل التي كانت هيئة الدفاع تتلقاها من أشخاص نافذين في أجهزة سيادية ودبلوماسية يتحرك بعضها بدافع الغيرة الوطنية، بينما يتحرك البعض الآخر بدافع إفشال مخططات السيسي.
وبحسب المصادر التي تنتمي إلى الأجهزة الرئيسية، فإن سياسات السيسي أدت إلى انقسام الأجهزة عليه بين مؤيد ومعارض وغير مكترث، وهو ما يهدد بطريقة مختلفة بتعاطي هذه الأجهزة مع أي غضب شعبي أو انقلاب ضده، فضلاً عن رفض العشرات من القيادات التنفيذية تولي مناصب في حكومته خوفاً من أن يحتسبوا على نظامه المهدد، لتصبح الصورة على الشكل التالي:

الجيش... أزمات مكتومة
حظي تحرك السيسي ضد مرسي عام 2013 بتشجيع معظم قيادات الجيش نظراً لما كانوا يشعرون به من تهديدات للمكتسبات التي حصلوا عليها على مدار عقود في دولة مبارك، إلا أن الوضع مختلف حالياً على الرغم من حرص السيسي على توسيع اقتصاد الجيش ومكاسبه. فقد تسبّبت حركات التغيير المتعاقبة التي أجراها السيسي في المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إيجاد خصوم له، فضلاً عن إيجاد مساحات لتحرك خصومه التاريخيين مثل رئيس الأركان الأسبق، سامي عنان، والمرشح الرئاسي الأسبق، أحمد شفيق، واجتذابهما عدداً من القيادات العسكرية.
ففي البداية لم يقبل جميع أعضاء المجلس العسكري ترشح السيسي للرئاسة، وعلى رأسهم القائد السابق للجيش الثاني الميداني، اللواء أحمد وصفي، الذي دفع ثمن معارضته بإبعاده إلى هيئة التدريب غير المؤثرة، بعدما كان قاب قوسين من تولي رئاسة الأركان. ثم بدأ السيسي يتخلص تدريجياً من زملائه الأكبر منه سناً مع تصعيد الأصغر والأحدث رتبة والأقل خبرة، حتى تخلّص من جميع القيادات التي شاركت في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 بإطاحته أخيراً الفريق، عبدالمنعم التراس، من قيادة سلاح الدفاع الجوي، علماً بأن التراس كان قريباً أكثر من مرة من منصب رئيس الأركان.

وعلى مستوى القيادة أيضاً، لا تبدو الأمور على ما يرام بين وزير الدفاع صدقي صبحي، ورئيس الأركان محمود حجازي، صهر السيسي، الذي عُيّن في هذا المنصب قادماً من الاستخبارات الحربية بشكل مخالف للتقاليد السابقة التي كانت تشترط أن يتم اختيار رئيس الأركان من بين قادة الأفرع الرئيسية أو الجيوش. وخلال العام 2016، منح السيسي حجازي مساحات تحرك أوسع من وزير الدفاع شخصياً، إذ اعتمد عليه في مفاوضات استيراد الأسلحة، وإدارة الملف الليبي باعتباره ما زال وثيق الصلة بالاستخبارات الحربية.

أما على مستوى القواعد، فأكدت مصادر مطلعة أن السيسي يجري مراجعات أمنية دورية للضباط وضباط الصف، نتجت عنها زيادة عدد المحاكمين عسكرياً بتهم مختلفة كالتخطيط لقلب نظام الحكم، أو الاتصال بجماعات إسلامية محظورة، بالإضافة لما شهده سلاح الدفاع الجوي بإحالة العشرات من الضباط إلى التقاعد المبكر، نظراً لعلاقتهم الوطيدة بالفريق سامي عنان، ونظراً للعلاقة السيئة القديمة المعروفة في أوساط الجيش بين السيسي وعنان.
وهناك مشكلتان أدتا إلى انخفاض شعبية السيسي في الجيش، الأولى هي سعيه إلى التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، إذ ترى بعض القواعد أن تراخي السيسي في حسم هذه الأزمة سياسياً أحرج الجيش أمام الرأي العام وأدى إلى التشكيك في وطنيته، بينما يعارض بعض آخر من الأساس التنازل عن الجزيرتين إيماناً بمصريتهما.
أما المشكلة الثانية فهي إصرار السيسي على الحل العسكري والأمني وحده في التعامل مع الأزمة في سيناء، ووضع الجيش في مواجهة الأهالي، وتحمّل الجيش ضريبة القرارات الخاطئة مما يؤدي إلى استنزاف قدرات الجيش ويضعف العلاقة بين الجيش والشعب.


الشرطة... تغيير للأسوأ

يُعتبر جهاز الشرطة جزءاً أصيلاً من تحالف 3 يوليو/تموز الذي شكّله السيسي للانقلاب على مرسي، لكن على الرغم من المديح الذي يوجّهه السيسي للشرطة في كل مناسبة، إلا أنه لم يكن راضياً يوماً عن أدائها، كما لم يكن مقتنعاً بالدور الكبير الذي كانت تقوم به في إدارة الدولة في عهد مبارك، على حساب الجيش والاستخبارات وباقي الأجهزة، فنظام مبارك كان يعتمد أساساً على بوليسية الدولة، بينما يتجه السيسي أكثر نحو عسكرة الإدارة والرقابة.
وبعدما كانت اليد الطولى في التعيينات الحكومية واختيار الوزراء والمرشحين لجهاز أمن الدولة الذي يُعتبر قلب الشرطة، بات الجهاز حالياً مهمشاً محصوراً في دوره التقليدي في إعداد التحريات الأمنية عن التيارات الإسلامية والمنظمات الحقوقية، في القضايا التي تحقق فيها النيابة وينظر فيها القضاء.
وإلى جانب نقل اختصاصات من "أمن الدولة" إلى أجهزة أخرى كالاستخبارات والرقابة الإدارية تحديداً، عمد السيسي أيضاً إلى تغيير هوية الجهاز وإزاحة المئات من قياداته، التي كانت موجودة في مراكزها في عهد وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، وتم تصعيد أجيال جديدة. وأدت هذه الظاهرة إلى تشوهات وظيفية وتراتبية تخالف تقاليد الأقدمية المتبعة في هذا الجهاز، مما ولّد صراعات داخلية على دوائر التأثير والنفوذ. كما تسبّب ذلك في خلق أكثر من دائرة متصارعة داخل الجهاز، إلى الحد الذي يصعب معه تحديد عددها أو مدى تبعية كل منها للسيسي ومساعده للشؤون الأمنية أحمد جمال الدين الذي كان مهندس عملية التبديل هذه.


أما جهاز الأمن العام، فما زال يملك أوراقاً يعرقل بها بعض خطط السيسي شخصياً، مستفيداً من كونه أكبر جهاز معلوماتي داخلي لا يقتصر فقط على جمع المعلومات السرية، بل أيضاً يملك الوثائق الرسمية والأوراق الثبوتية لجميع المصريين. واستطاع هذا الجهاز فرض كلمته أكثر من مرة برفض مشاريع للعفو عن بعض الشباب المحبوسين لتحسين صورة السيسي، ولا يمكن تصنيف هذا الجهاز كتابع للسيسي في كل سياساته.
والأكيد، وفقاً للمصادر، أن المنظومة الأمنية الداخلية ليست مؤيدة بالكامل للنظام، على عكس ما كانت عليه في عهد مبارك، خصوصاً أن ضباط وأفراد الشرطة يعتبرون أنهم يدفعون ثمناً أكبر من الجيش في محاربة العنف والإرهاب، ويقومون بدور أكبر في مواجهة "الإخوان المسلمين" وباقي التيارات الإسلامية والمنظمات الحقوقية من خلال تصفية حساباتهم التاريخية معه، وفي المقابل فهم يشعرون بالمظلومية نتيجة عدم رفع رواتبهم ومعاشاتهم بما يوازي زيادات الجيش، وفرض قيود وظيفية جديدة عليهم تسهل من الاستغناء عنهم.


القضاء... غضب في غرف المداولة

اكتسب القضاء المصري سمعة سلبية في تأييد نظام السيسي منذ مشاركته بفاعلية في الانقلاب على مرسي، ثم التغطية على الجرائم التي ارتكبها النظام بحق المدنيين بتحويل المعارضين الضحايا إلى متهمين (قضية اعتصامي رابعة والنهضة نموذجاً) وإحالتهم إلى المحاكم العسكرية بشكل مخالف للدستور وإصدار أحكام إدانة بالجملة تفتقر إلى البناء القانوني السليم.
إلا أن نظام السيسي اصطدم بمرور الوقت ببعض العقبات، التي يصعب الالتفاف عليها بالطرق العادية، على رأسها محكمة النقض التي ألغت معظم أحكام إدانة "الإخوان" والمعارضين حتى الآن، ومجلس الدولة الذي ألغى قرارات التحفظ على أموال "الإخوان" ثم أبطل اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، وها هو مستمر في إحراج النظام بإصدار حكم يلزمه بمقاضاة إسرائيل دولياً بسبب تعذيبها الأسرى المصريين في حربي 1967 والاستنزاف.

كما يعلم السيسي أن الأحكام التي صدرت ضد القضاة الذين شاركوا في اعتصام رابعة، أو من رفضوا الانقلاب على مرسي خلال فترة التقارب بين القضاء والنظام، لم تنجح في تجفيف منابع تيار استقلال القضاء، الذي ما زال رابضاً في انتظار اللحظة المناسبة للنهوض مجدداً، رغم التضييق عليه من قبل قضاة التحقيق الذين يختارهم بعناية وزير العدل التابع للنظام.
وإزاء ذلك، لجأت دائرة السيسي إلى تخويف القضاة والضغط عليهم، تارة باتهامهم بالتسبب في تصاعد الإرهاب لتراخيهم في إصدار أحكام الإدانة، وتارة أخرى بطرح مشاريع للنيل من استقلالهم كنقل سلطة اختيار رؤساء الهيئات القضائية لرئيس الجمهورية، وتخفيض سن التقاعد لمنع وصول قضاة محددين إلى رئاسة الهيئات، ورفض زيادة المخصصات المالية للقضاة وتخفيض أعداد المنتدبين منهم للعمل كمستشارين في المصالح الحكومية.

ساهم كل هذا في تحول آلاف القضاة من تأييد النظام "على بياض" إلى معارضين له أو متخوفين منه، وضاعف مشاعر الغضب إزاء الطريقة التي تم بها تسويق قضية رشوة أمين عام مجلس الدولة، وائل شلبي، ثم إعلان انتحاره في ظروف غامضة. وعلى الرغم من أن أحكام القضاء ضد مصالح السيسي حتى الآن تُعتبر محدودة، إلا أن الغضب يتنامى بسرعة في الغرف المغلقة والأندية وأروقة وزارة العدل، ليس ضد السيسي فقط، بل أيضاً ضد القضاة الذين شكلوا حائط دفاع عنه وشرعنة تصرفاته، والذين ساهموا في الإساءة للقضاء المصري بصفة عامة.


الاستخبارات والرقابة الإدارية... الجوهر ليس كالمظهر

تؤدي قيادات الجهازين حالياً الدور الرئيسي في إدارة نظام السيسي، من خلال انخراطهما في الدائرة الاستخباراتية-الرقابية التي يديرها مباشرة مدير مكتب السيسي، اللواء عباس كامل، والتي لم يعد نشاطها مقتصراً على التحكم في دواوين الوزارات وقرارات الوزراء وتحديد من سيبقى ومن سيرحل منهم، بل امتد النشاط إلى إدارة المؤسسات الإعلامية كشبكة "أون"، وشبكة "دي إم سي"، وشبكة "سي بي سي"، وصحف عدة وبعض المحطات الإذاعية.
ويعتمد السيسي على الجهازين أكثر من أي وقت مضى، بالإضافة إلى الاستخبارات الحربية، بل إن الكواليس تشهد حالة من الاندماج بين دوائر عديدة في الأجهزة الثلاثة لتصب في دائرة السيسي الشخصية. كما أصبح السيسي يعتمد على الرقابة الإدارية تحديداً في إدارة مشاريع بالتوازي مع ما يديره الجيش، وتوليها مهمة مراقبة كل المصالح الحكومية.

غير أن الصورة اللامعة في أعلى المستويات ليست كذلك في المستويات الدنيا. فكما حدث في أمن الدولة، قام السيسي بحركة تغيير واسعة النطاق في الاستخبارات والرقابة الإدارية، تمثّلت في إحالة العشرات من العاملين فيهما إلى المعاش (خصوصاً من ضباط الشرطة) وتم الدفع بدلاً منهم بضباط من الجيش وخصوصاً من الاستخبارات الحربية. كما تم الإجهاز نهائياً على ما تبقى من دائرة رئيس الاستخبارات الأسبق، عمر سليمان، وهي الدائرة التي كانت متحكمة في جهاز الأمن القومي حتى ثورة يناير.
وأشارت مصادر إلى أن المستبعدين ما زال لهم أتباع في كل جهاز، خصوصاً الاستخبارات، وأن هذه الجهات جاهزة للتحرك في حالة الغضب الشعبي ضد السيسي، بل رجحت المصادر أن تكون هذه الجهات وهؤلاء المستبعدون ضالعين في بعض المشاكل التي يواجهها السيسي على المستويين السياسي، والأمني حالياً.

الخارجية... انقسامات بالجملة

انتهج السيسي منذ صعوده إلى السلطة، سياسة إقصائية في إدارة البعثات الدبلوماسية، إذ قام على مراحل بإبعاد السفراء الذين تم تعيينهم بين عامي 2011 و2013 عن المناصب الحساسة، وإعادتهم إلى ديوان وزارة الخارجية من دون عمل تقريباً، ثم اعتمد في الفترة التالية على بعض السفراء المعروفين بالإخلاص للدولة البيروقراطية المصرية، ثم أزاح معظم هؤلاء وقام بتصعيد السفراء المخلصين له ولدائرته والمرضي عنهم أمنياً فقط.
أدت هذه السياسة إلى تشكيل دوائر عدة متصارعة داخل وزارة الخارجية، خصوصاً في الديوان القائم في القاهرة، والذي يضم الدبلوماسيين المغضوب عليهم إلى جانب الوزير المقرب من السيسي والمقربين منه، وهو ما يؤدي إلى ضربات يومية متبادلة "تحت الحزام"، على حد وصف مصدر دبلوماسي في الديوان.

وأكدت المصادر أن الدوائر المعارضة للسيسي في الخارجية قامت بدور رئيسي في معركة جزيرتي تيران وصنافير، بالكشف عن وثائق ومستندات وخرائط تدعم موقف هيئة الدفاع وتضعف موقف الحكومة. كما أن بعض هذه الدوائر، خصوصاً التي عمل أفرادها لفترات طويلة في الملفين الأفريقي والإسرائيلي، يعارضون توجهات السيسي المنكفئة تجاه إثيوبيا وإسرائيل، ويتهمونه بإضعاف الوضع الاستراتيجي لمصر، والتحرك بحسابات خاطئة تارة تجاه الروس، وتارة تجاه الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، بل والتورط في دعمه صراحة مما قد يتسبب في سوء علاقة مصر بأية إدارة أميركية ديمقراطية لاحقاً.