مناوشات روسيةـإيرانية على هامش أستانة السوري..ومسودة بيان تهمّش "جنيف1"

مناوشات روسيةـإيرانية على هامش أستانة السوري..ومسودة بيان تهمّش "جنيف1"

24 يناير 2017
علوش: المعارضة لم تأت لتقاسم سلطة (إلياس عمر/فرانس برس)
+ الخط -
ترسم محادثات أستانة بين النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة، التي انطلقت، أمس الإثنين، على أن تختم، اليوم الثلاثاء، والتصريحات التي رافقتها من مشاركين فيها أو تلك الصادرة عن أطراف معنية بالملف السوري، فضلاً عن المعطيات الميدانية التي واكبتها، منذ لحظة افتتاحها وحتى ساعات مساء أمس، ملامح هوة تتسع بين حلفاء النظام تحديداً روسيا وإيران، فضلاً عن العلاقة بين النظام والداعم الأكبر له أي روسيا، على هامش تفعيل المسار السياسي. وبينما كان فندق ريكسوس في أستانة يشهد انطلاق المحادثات، الذي أصرت روسيا إلى جانب تركيا على تأمين انعقادها على الرغم من جميع محاولات تقويضها، كانت القوات الموالية للنظام والمليشيات الحليفة لها، المدعومة إيرانياً، تشنّ هجوماً غير مسبوق من حيث شراسته على وادي بردى وبلدة عين الفيجة، فضلاً عن تصعيد القصف على أرياف حمص، كدليل على رفضهما أي وقف لإطلاق النار في موازاة تصريحات إيرانية ومن مسؤولين في النظام السوري تقلل من أهمية مؤتمر أستانة.

وأمام توالي الغارات، أصدر "مركز المصالحة الروسي" في قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية السورية بياناً غير مسبوق لجهة إدانة خروقات النظام السوري للهدنة، ما يعزز من المعطيات التي تشير إلى أن التحالف الحديدي بين الروس والإيرانيين حول سورية ربما لن يدوم طويلاً، بعدما ظهرت علامات افتراق غير مسبوقة في الساعات الـ48 الماضية. وكان آخرها بتحذير موسكو، أمس الإثنين، النظام السوري من ارتكاب خروقات جديدة للهدنة في سورية. وذكرت قناة "روسيا اليوم"، أن "مركز المصالحة الروسي "يذّكر قيادة الجيش السوري (التابع للنظام) بحزم بضرورة الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار". وأضافت القناة نقلًا عن المركز، أن طرفي النزاع (في سورية) يلتزمان بالهدنة، إلا أن قيادة المركز قلقة من خروقات "تحصل من وقت لآخر" ومصدرها قوات النظام السوري.

في ظل هذه الأجواء، حرصت المعارضة السورية المسلحة، في افتتاح محادثات أستانة، أمس الإثنين، على تأكيد تمسكها بـ"حل سياسي" للقضية السورية وفق القرارات الدولية"، مشددة على تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة كـ"أولوية بالنسبة" لها، في الوقت الذي أكدت رفضها أي دور إيراني، كجهة ضامنة للاتفاق كونها "دولة محتلة" تقود عملية تغيير ديمغرافي في سورية.
ويأتي تمسك المعارضة بثوابتها رداً على ما ورد في مشروع البيان الختامي للمحادثات الذي تسرب أمس ليظهر أن أبرز ما فيه يتجسد في إسقاط مرجعية جنيف 1 عام 2012 واستبدالها بالقرار 2254 الذي لم يتحدث عن "هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية"، بل عن "هيئة حكم تمثيلية ذات مصداقية". ويرجح أن يسعى وفد المعارضة اليوم إلى إدخال تعديلات جذرية على البيان الختامي قبل ختام الاجتماعات.

وفي السياق، قاوم الوفد المعارض، أمس محاولات ابتزاز عديدة لجمعه بوفد النظام. وفضلت المعارضة، أمس، عدم إجراء حوار مباشر مع وفد النظام على الرغم من أن ممثلي الوفدين جلسوا معاً الى نفس الطاولة المستديرة عند الافتتاح، فيما بدا رئيس وفد النظام، بشار الجعفري، في ملاحظاته عن الوفد السوري أنه "غير لائق دبلوماسياً" بعدما اتهم المعارضة بعدم فهم نص اتفاق وقف إطلاق النار، قائلاً، إن كلمة رئيس وفد المعارضة السورية "استفزازية"، و"شكلت تطاولاً على أهمية هذا الحدث"، مشيراً الى أنها "كانت مفاجأة" بالنسبة له. وهو ما دفع رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني، أحمد رمضان، إلى القول، إن وفد بشار الجعفري كان يفاوض بالنيابة عن الوفد الإيراني الذي يترأسه نائب وزير الخارجية الإيراني، حسين جابري أنصاري، فيما كان لافتاً اعتبار مستشار رئيس مجلس الشوري الإسلامي الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، خلال زيارته بيروت، أمس الإثنين، "نحن نعتقد أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد المتاح لإيجاد نهاية للأزمة السورية، ولكن هذا الأمر بطبيعة الحال لن يثنينا عن دعم الجمهورية العربية السورية في مواجهتها للإرهاب والإرهابيين".

مسودة البيان الختامي
وأعدت روسيا، وتركيا، وإيران مسودة بيان ختامي، قبل يوم من انعقاد المؤتمر، عُرضت للتفاوض بين وفدي المعارضة، والنظام. وحصلت "العربي الجديد" على مسودة البيان التي أكدت "التزامها بسيادة واستقلال ووحدة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية، بوصفها دولة علمانية ديمقراطية غير طائفية ومتعددة الأعراق والأديان، كما نص على ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".

وعبرت الدول الثلاث في المسودة، عن "قناعتها بأنه لا وجود لحل عسكري للصراع في سورية وتعلن استعدادها لتحقيق تسوية سياسية سلمية بالاستناد إلى قرار مجلس الأمن 2254 وقرارات المجموعة الدولية لدعم سورية التي تنص على أن السوريين أنفسهم هم من يقررون مستقبل بلدهم"، مؤكدة أنه "لا يمكن إنهاء الصراع في سورية إلا من خلال حل سياسي عبر عملية انتقال سياسية يقوم بها ويقودها السوريون وتشمل كافة السوريين بالاستناد إلى قراري مجلس الأمن رقم 2118 (2013) و2254 (2016)".
وأشارت إلى أنها "ستسعى من خلال خطوات ملموسة وباستخدام نفوذها على الأطراف إلى تعزيز نظام وقف إطلاق النار الذي أسس بناء على الترتيبات الموقعة في 29 كانون الأول 2016 والتي دعمها قرار مجلس الأمن 2336 (2016) والتي تسهم في تقليل الخروقات، وتخفيض حجم العنف وبناء الثقة وضمان وصول المساعدات الإنسانية بسرعة وسلاسة ودون معوقات بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2165 (2014) وضمان حماية وحرية حركة المدنيين في سورية".
كما أشارت الى أنه "تقرر النظر في إنشاء آلية ثلاثية الأطراف لمراقبة وضمان الالتزام التام بوقف إطلاق النار ومنع أي أعمال استفزازية وتحديد كافة طرائق وقف إطلاق النار"؛ مؤكدة إن إيران وروسيا وتركيا "تؤكد عزمها على محاربة داعش والنصرة بشكل مشترك وفصل هذين التنظيمين عن مجموعات المعارضة المسلحة". وعبرت الدول الثلاث عن قناعتها "بأن هناك ضرورة ملحة لتسريع الجهود لإطلاق عملية مفاوضات بالتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254، مؤكدة أن الاجتماع الدولي في أستانة هو منصة فعالة لحوار مباشر بين حكومة الجمهورية العربية السورية والمعارضة كما يطالب قرار مجلس الأمن 2254".

ثوابت المعارضة
وتولى رئيس وفد المعارضة السورية المسلحة، محمد علوش، التأكيد في كلمة له في افتتاح المؤتمر، على ثوابت موقف المعارضة لجهة التمسك بحل سياسي للأزمة السورية، يقوم على قرارات دولية ذات صلة وفي مقدمتها بيان جنيف1، والقرار 2254، ومحددات مؤتمر الرياض للمعارضة السورية. وشدد على أن المعارضة لم تأت إلى أستانة "من أجل تقاسم سلطة، ولا بحثاً عن نفوذ، بل جئنا لنعيد سورية إلى الحياة". وأكد أن المعارضة "مستعدة للذهاب إلى آخر نقطة في الدنيا لنعيد الأمن، والسلام والطمأنينة لأهلنا ونفرج عن المعتقلين والمعتقلات"، ومشيراً في هذا الصدد، الى وجود أكثر من 13 ألف امرأة سورية في معتقلات النظام. وأكد علوش أن المعارضة "تريد تجميد العمليات العسكرية والبدء بتطبيق القرارات الإنسانية المنصوص عليها في البنود رقم 11 12 13 من القرار مجلس الأمن رقم 2254، لتخفيف المعاناة عن السوريين"، معتبراً هذا الأمر "ورقة قوية للانطلاق بالعملية السياسية الجادة التي تؤدي للانتقال السياسي الحقيقي في سورية". كما أشار الى أن العملية السياسية "تبدأ برحيل الأسد والطغمة الحاكمة معه، وكل من تلوثت أيديه بدماء السوريين"، مطالباً بـ "جهد دولي صادق، وجاد"، لإخراج المليشيات التي تقاتل في سورية والتابعة لإيران، مشيراً الى أن الأخيرة "تقود عملية تغيير ديموغرافي، وهي طرف في الصراع"، مطالباً بتصنيف هذه المليشيات مع مليشيا الوحدات الكردية ضمن التنظيمات الإرهابية.
من جهته، أوضح عضو الوفد المفاوض عن المعارضة، النقيب مصطفى معراتي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن الوفد "يصر على تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، وإيجاد آليات مراقبة صارمة تمنع النظام من خرقه"، مشيراً الى أن الوفد، يركز على مسألتين لا تقلان أهمية، وهما: إطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام، وفتح ممرات لإيصال مساعدات إنسانية عاجلة لعشرات آلاف السوريين المحاصرين من قوات النظام، ومليشيات إيرانية تسانده.

وأكد معراتي، أن وفد المعارضة يرفض الانتقال للحديث عن قضايا أخرى من دون هذه النقاط، التي تشكّل الجوهر الحقيقي لمفاوضات أستانة، مشدداً على رفض المعارضة وجود إيران كضامن لأي اتفاق. وأشار الى أن الوفد سلّط الضوء على دور طهران الذي وصفه بـ "القذر" في سورية، من خلالها قيامها بعمليات تغيير ديموغرافي، خصوصاً في دمشق وريفها. وأشار الى أن إيران لم تكن ضامناً لاتفاق وقف إطلاق النار، لهذا لن تكون ضامناً لأي مخرجات تصدر عن المفاوضات، مؤكداً أن تركيا "لم تمارس أي ضغط على وفد المعارضة"، بل "هي داعم حقيقي لنا، وما تقدمه لنا لم تقدمه أي دولة أخرى"، مؤكداً أن وفد المعارضة رفض فكرة محادثات مباشرة مع وفد النظام.

رفض الدور الإيراني
وفي السياق، ذكر مصدر في الوفد الاستشاري لوفد المعارضة خلال حديثٍ مع "العربي الجديد" أن المعارضة ترفض أن تكون إيران من ضمن ضامني هذا الاتفاق، أو جزءاً في أي مخرجات تصدر عن المفاوضات، مضيفاً أن "موقف المعارضة صلب، ولن يسمح لوفد النظام ومن خلفه إيران في تمييع الهدف الرئيسي من المفاوضات". وأشار المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث العلني، الى أن مسودة الاتفاق أكدت القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية بما فيها القرار 2254، والقرار 2118 الداعم لبيان جنيف 1 الذي صدر في منتصف عام 2012، مضيفاً: "هذا يعد إقراراً روسياً بهيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات"، معتبراً هذا الأمر "نجاحاً كبيراً للمعارضة".

واعتبر المصدر، أن تأكيد المسودة على وحدة الأراضي السورية، معتبراً ذلك "ضربة قوية" لمساع انفصالية تعمل عليها بعض الأطراف، منها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي من خلال ذراعه العسكرية مليشيا وحدات (حماية الشعب) المتهمة بقيامها بعمليات تهجير عرقي في شمال سورية، مشيراً الى أن المسودة توحي، أن هناك تحوّلاً في الموقف الروسي إزاء ما يجري في سورية، ذاكراً أن موسكو تعمل ما بوسعها لإنجاح المفاوضات، وإفشال مساع إيرانية واضحة لإفسادها.

وذكرت مصادر "العربي الجديد" أن وفد المعارضة العسكرية في أستانة سيكون واضحاً في تبيان مرجعية الهيئة العليا للمفاوضات في أي مفاوضات سياسية تتعلق بمستقبل سورية، وأن وجوده في أستانة يتمحور حول قضايا اتفاق وقف إطلاق النار والمعتقلين، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة، وهذه كفيلة في انطلاق قطار مفاوضات سياسية، محطته الأخيرة تسوية "تاريخية" بناء على الإرادة الدولية، وليس إرادة الفرض والإملاء. وشددت المصادر على أن محاولات إيران فرض رؤيتها "لن تمر"، معتبرة إياها "دولة احتلال، وعدوان، لا مكان لها في سورية، وستخرج منها".

مناورات وفد النظام

في غضون ذلك، حاول رئيس وفد النظام الى مفاوضات أستانة، بشار الجعفري، خلط الأوراق، وتغييب الحقائق، وحرْف المفاوضات عن سياقها، متهماً المعارضة السورية بعدم فهم نص اتفاق وقف إطلاق النار، زاعماً أن كلمة رئيس وفد المعارضة السورية "استفزازية"، و"شكلت تطاولاً على أهمية هذا الحدث"، مشيراً الى انها "كانت مفاجأة" بالنسبة له. كما حاول الجعفري التقليل من أهمية ما يجري في أستانة من خلال الإشارة إلى أنه اجتماع سوري - سوري، وليس مفاوضات بين ندين، متجنباً ذكر تركيا في الجهود التي أفضت الى عقد المفاوضات. وحافظ الجعفري على خطاب نظامه الذي يعتبر المعارضين السوريين "مجرد إرهابيين"، مشيراً الى أن ما تُوصف بـ "المعارضة المعتدلة" من المجتمع الدولي "معدلة وراثياً وفق أجندة معدة مسبقاً"، ما يؤكد عدم نيّة نظامه الاستمرار في نهجه وأد كل مسعى دولي لإيجاد حلول سياسية ما لم يثبّت بشار الأسد وأركان حكمه على "كرسي الدم"، وفق وصف محمد علوش رئيس وفد المعارضة المفاوض.

رسائل سياسية
في غضون ذلك، حرص الموفد الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، على حضور مفاوضات أستانة، في إشارة الى أهميتها، في تمهيد الطريق أمام مفاوضات جنيف المرتقبة في جولة جديدة في الثامن من شهر فبراير/شباط المقبل. وأشار دي ميستورا، في كلمة له في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، إلى أنه "لا يمكن الوصول إلى حل دائم طويل الأمد للصراع في سورية عبر الوسائل العسكرية فقط، لكن من خلال عملية سياسية". من جهته، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي من موسكو، أمس الإثنين، إن "لقاء المعارضة والنظام في أستانة سيكون خطوة هامة في حل الأزمة". ولفت إلى أن بلاده لا "تحاول إبعاد المعارضة السياسية عن محادثات أستانة"، مضيفاً "لكن ينبغي التركيز على استقطاب الجماعات المسلحة". وتتهم مرجعيات الثورة والمعارضة السورية السياسية روسيا بمحاولة تهميشها، ودفع عسكريين وقادة فصائل الى الواجهة السياسية في محاولة لبعثرة جهود المعارضة بشقيها العسكري والسياسي، واستغلال عدم خبرة ودراية العسكريين بفن التفاوض لتمرير ما تريده، بما يضمن تكريس وجودها في سورية. من جهته، قال نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتولموش، أمس الإثنين، إنه لا ينبغي توقع التوصل إلى حل للصراع السوري خلال يوم أو يومين من المحادثات، موضحاً أن "اجتماع أستانة مهم في ما يتعلق بجلب الأطراف المتنازعة إلى الطاولة. من المهم الحصول على دعم من المجتمع الدولي لهذا الاجتماع".

دلالات