أستانة السوري اليوم: امتحان النار والحفاظ على مكتسبات الثورة

أستانة السوري اليوم: امتحان النار والحفاظ على مكتسبات الثورة

23 يناير 2017
+ الخط -
تشرع المعارضة السورية والنظام، اليوم الاثنين وغداً الثلاثاء، في مفاوضات "عسكرية" عنوانها بند وحيد يختصر بتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار المتفق عليه في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولم يطبق بشكل كامل حتى ليوم واحد، وذلك في ظرف سوري داخلي وإقليمي ودولي هو الأسوأ على الإطلاق بالنسبة للثورة السورية منذ ست سنوات. محادثات تقررت بناءً على ولادة محور روسي ــ تركي ــ إيراني وغياب أميركي ــ أوروبي ــ عربي فاضح. حتى الراعي الروسي لمحادثات أستانة يبدو شديد التشاؤم من إمكانية تحقيق خرق ما، على وقع اختلاف صار علنياً في الأجندات الروسية ــ الإيرانية حول سورية. موسكو ترغب بعدم جرها إلى الاستنزاف في المستنقع السوري، وتحقيق "نصر معنوي" مع تسلم دونالد ترامب لمهامه في البيت الأبيض لتفادي تعكير شهر العسل مع الرئيس الجديد. في المقابل، تعتقد طهران ومعها النظام السوري، بأنها اللحظة المناسبة للحسم العسكري على كل مناطق المعارضة السورية، من ضمن مشروع إيران العقائدي الطائفي العسكري السياسي في المنطقة العربية.

من هنا، يمكن فهم كلام رئيس الوفد السوري المعارض، محمد علوش، فور وصوله إلى أستانة أمس الأحد، حول أن المحادثات ستكشف "مدى قدرة روسيا على تثبيت وقف إطلاق النار في سورية وستختبر نفوذها في عملية السلام" أو عدمه. أكثر من ذلك، فإن الموقف الإيراني ومعه السوري الحكومي، بات يعرقل انتقال روسيا إلى دور حيادي، على حد تعبير علوش. لكن ما يبدو أنه شعور سوري نظامي بفائض القوة، وصل إلى درجة غير مسبوقة أمس الأحد، وترجمه رئيس الوفد، المحسوب على نفوذ إيران في السلطة السورية، بشار الجعفري، الذي اعتبر أن "تركيا لا تشارك في حوار أستانة"، مع أن تركيا هي العراب الرئيسي، مع روسيا، للمحادثات التي قررها كل من الرئيسين، فلاديمير بوتين، ورجب طيب أردوغان.

هكذا، يواصل النظام السوري مع إيران ومليشياتها الاستهزاء باتفاق الهدنة الذي كان بوتين شخصياً عرابه، لتمسك دمشق وطهران بخيار الحسم العسكري الذي يبدو ظاهراً في وادي بردى وجنوب دمشق والغوطة الشرقية، بعد تجارب حلب وحمص المدينة والزبداني وجبهات أخرى خسرتها المعارضة بمباركة عالمية. وعلى وقع الغارات والقصف والاجتياحات البرية، يحاول المجتمعون في أستانة، أو هكذا يفترض أن يحصل على الأقل، التحضير للدخول في صلب قضايا ترسم ملامح تسوية سياسية "تاريخية" في اجتماعات مقررة في جنيف في الثامن من فبراير/شباط المقبل. وفيما تبدو المعارضة من دون ظهير داعم عربي أو دولي، إلا أنها تؤكد أنها "مستعدة جيداً"، آخذة بالحسبان محاولات متوقعة من وفد النظام لتفخيخ أي مخرجات لنسفها في أقرب فرصة، كما فعل في مرات سابقة.


وأعلنت وزارة الخارجية الكازاخستانية أن مباحثات أستانة بين وفدي المعارضة السورية والنظام ستجري على مدى يومين "خلف أبواب مغلقة"، موضحة في بيان لها أمس الأحد، أن المباحثات ستبدأ الاثنين في فندق "Rixos" عند الساعة الواحدة ظهراً بالتوقيت المحلي (التاسعة صباحاً بتوقيت القدس المحتلة) على أن تنتهي في اليوم التالي بنفس التوقيت.

وأشارت وسائل إعلام روسية إلى أن اللقاءات ستبدأ بمأدبة غداء على شرف المدعوين تتبعها الجلسة الأولى للمباحثات في التوقيت المحدد. ويفتتح الاجتماعات رئيس جمهورية كازاخستان، نورسلطان نزارباييف بكلمة ترحيب، تتبعها كلمات رؤساء وفود روسيا وتركيا وإيران ومندوب الأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية. ثم تبدأ المباحثات على أن يقوم بدور الوسيط بينهما ممثل الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، وقد تنضم إليه وفود أخرى في الوساطة. وأضافت وسائل الإعلام أن فترة ما بعد الظهر تتضمن مشاورات ثنائية، على أن تبدأ الجلسة العامة الثانية من المباحثات عند الساعة السابعة بالتوقيت المحلي لـ"تلخيص النتائج الأولية التي تم التوصل إليها خلال اليوم الأول من المباحثات". ومن المقرر أن تعقد الثلاثاء محادثات ثنائية ومتعددة الأطراف، وعند الساعة الثانية من بعد الظهر سيتم استكمال الجولة الأولى من الاجتماعات، لاستخلاص النتائج، ومناقشتها واعتماد بيان مشترك من قبل المشاركين في الاجتماع، ليتم بعدها عقد مؤتمر صحافي مشترك لرؤساء الوفود.

وأجرى وفد المعارضة السورية المسلحة، أمس الأحد، اجتماعاً وصفته مصادر بـ"التنسيقي" مع الجانب التركي قبل يوم واحد من المباحثات، مشيرة لـ"العربي الجديد" إلى أن المعارضة ترفض اعتبار إيران أحد رعاة المؤتمر كونها المتحكمة بقرار النظام، ومؤكدة عدم رغبة المعارضة في إجراء مفاوضات "وجهاً لوجه" مع وفد النظام.

ويضم وفد المعارضة 50 شخصاً من بينهم 14 مفاوضاً يمثلون أبرز فصائل المعارضة المسلحة التي وافقت على الذهاب إلى مباحثات أستانة في مسعى لتبيث اتفاق وقف إطلاق النار. ودخل الاتفاق حيّز التطبيق في الثلاثين من الشهر الماضي، وصدر قرار من مجلس الأمن الدولي بدعمه، لكن قوات النظام السوري ومليشيات إيران الداعمة له لم تلتزم بالاتفاق، كما لم تلتزم باتفاقات تهدئة سابقة.

ويضم وفد المعارضة العديد من المستشارين السياسيين والعسكريين والقانونيين والإعلاميين الذين أرسلت عدداً منهم "الهيئة العليا للمفاوضات" التابعة للمعارضة السورية. وكانت أكدت مصادر في "الائتلاف الوطني السوري" أن استبعاد مرجعيات الثورة والمعارضة السياسية لا يعني أنها "بعيدة عنها"، مشيرة إلى وجود تنسيق كامل مع الوفد المفاوض. ويرأس وفد المعارضة رئيس المكتب السياسي لفصيل "جيش الإسلام"، أكبر فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية لدمشق، محمد علوش. وسبق له أن كان رئيس وفد المعارضة إلى مفاوضات جنيف، وهو ما أثار حفيظة النظام في حينه.

ويضم الوفد ممثلين عن فصائل: "جيش الإسلام"، "فيلق الشام"، "صقور الشام"، "جيش النصر"، "جيش العزة"، "لواء شهداء الإسلام"، "الجبهة الشامية"، "جيش إدلب"، "جيش المجاهدين"، "الفرقة الساحلية الأولى"، "أجناد الشام"، "تجمع فاستقم كما أمرت"، "الجبهة الجنوبية"، "فرقة السلطان مراد". ويضم الوفد الاستشاري عدداً من العسكريين، منهم: رئيس أركان "الجيش السوري الحر"، العميد أحمد بري، وقائد الفرقة "13 في "الجيش الحر"، المقدم أحمد سعود، ممثل غرفة عمليات حلب، الرائد ياسر عبدالرحيم. كما يضم عدداً من المستشارين السياسيين والقانونيين والإعلاميين، منهم: عضو "الائتلاف السوري"، نصر الحريري، نائب رئيس "الائتلاف"، عبدالحكيم بشار، المستشار الإعلامي للهيئة العليا للمفاوضات، يحيى العريضي، فيما يتولى المستشار القانوني لـ"الجيش الحر"، أسامة أبو زيد، مهمة المتحدث الرسمي للوفد.

ويدخل وفد المعارضة السورية المسلحة مباحثات أستانة إثر تطورات عسكرية أثقلت كاهلها، بعد اضطرارها للخروج من الأحياء التي كانت تحت سيطرتها في مدينة حلب، ومن مدن وبلدات في محيط العاصمة دمشق. وخسرت أهم معاقلها بعد ضغط عسكري غير مسبوق من قبل الروس والإيرانيين. وجهدت المعارضة السورية المسلحة كثيراً من أجل توحيد كلمتها وتشكيل وفد متوازن ومنسجم. وكان استغل النظام وحلفاؤه على مدى سنوات تشرذم هذه المعارضة وتعدد فصائلها وراياتها وأهدافها، ما مكّنه من الصمود، معتمداً على عشرات المليشيات الطائفية الإيرانية، والمحلية التي تضم الشبيحة (الفئة الأكثر تطرفاً ودموية من بين الموالين للنظام)، والتي اعتمد عليها النظام في ترويع السوريين لوأد ثورتهم.

وقال دبلوماسي سوري معارض إن معظم أعضاء وفد النظام دبلوماسيون، وخبراء في فن التفاوض، ولهم تجربة عملية فيه. وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن وفد المعارضة "ليس فيه دبلوماسي خبير"، معتبراً هذا الأمر "نقطة ضعف كبيرة". وأضاف أن "اصطلاحات الاتفاقيات كلها سياسية". ولكن مصادر في "الائتلاف الوطني" ذكرت لـ"العربي الجديد" أن الوفد التقني والاستشاري "يضم خبراء لهم تجربة مهمة في التفاوض"، مشيرة إلى وجود ثوابت لدى السوريين لا يستطيع أحد التنازل عنها تحت كل الظروف.

وجددت المصادر التأكيد على أن هدف المرحلة من مفاوضات أستانة "تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار"، مشيرة إلى أن وفد المعارضة "استعد جيداً"، للمباحثات ويدرك جيداً ما يريد، ولن يسمح لوفد النظام بـ"إغراق المباحثات" بتفاصيل غايتها تفخيخ أي مخرجات لنسفها في أقرب فرصة، كما فعل في اتفاقات سابقة.

ولم تستطع روسيا ردم هوّة عدم الثقة بينها وبين المعارضة. ولا تزال الأخيرة تتوجس من محاولات موسكو ممارسة ضغوط كبرى عليها من أجل التوصل لاتفاق يتضمن تنازلات مؤلمة، مستفيدة من تغيّر موازين القوى لصالح النظام، ومن تردد المجتمع الدولي في تقديم يد العون والمساعدة للمعارضة السورية. وتبدو المعارضة من دون ظهير حقيقي إثر استبعاد السعودية وقطر والاتحاد الأوروبي من حضور مباحثات أستانة بناءً على رغبة طهران التي تحاول فرض إيقاعها في هذه المباحثات للخروج بمكاسب تعزز وتكرس وجودها في الجغرافيا السورية. كما لم تتلمس الإدارة الأميركية الجديدة طريقها بعد إزاء القضايا الأكثر إلحاحاً في العالم، وفي مقدمتها الملف السوري، وهي اكتفت بتكليف السفير الأميركي في أستانة بحضور المباحثات بصفة مراقب في رسالة "استخفاف" واضحة بالمؤتمر.

ورأى الناشط السياسي المعارض، رديف مصطفى، أن تجربة المعارضة السورية مع روسيا "مريرة"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى دورها البارز في دعم النظام، والعدوان المباشر، واحتلال حلب. وأضاف: "لا نثق بالروس". وأشار إلى أن روسيا لم تعمل على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في سياق "بوادر حسن النية" تمهيداً لمفاوضات أستانة، معرباً عن قناعته بأن النظام "يحاول اعتماد استراتيجية هجومية" في المباحثات مرتكزاً على ما يراه نصراً في حلب على المعارضة.

واعتبر مصطفى أن وجود بشار الجعفري والذي وصفه بـ"الاستفزازي" على رأس وفد النظام "سيدفع المعارضة إلى اتباع استراتيجية الدفاع"، مشيراً إلى أن الغموض الذي لف مفاوضات أستانة مبعث قلق". وأمل في أن ينجح وفد المعارضة بتثبيت وقف إطلاق النار، ومنع خسارة أراض جديدة، وإدخال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة. وتابع أن أستانة مجرد محطة جديدة من محطات الثورة، والمطلوب من وفدها الالتزام بثوابتها وعدم التنازل عنها، وفق قوله.

ويدخل النظام مباحثات أستانة وهو لا يسيطر فعلياً إلا على نحو ربع الجغرافيا السورية. وخرجت محافظات كاملة عن نفوذه المباشر، أبرزها محافظة إدلب شمال غربي سورية التي تسيطر عليها المعارضة. كما لا تزال تسيطر المعارضة على مجمل ريف حلب الغربي، ومناطق في ريف حلب الشمالي، والجنوبي، وريف حماة الشمالي، ومناطق في ريف اللاذقية الشمالي. كما تحتفظ المعارضة بوجود قوي في ريف حمص الشمالي، حيث لا تزال مدينتا الرستن وتلبيسة تحت سيطرتها إضافة إلى منطقة الحولة شمال غربي حمص وحي الوعر داخل المدينة. وباءت محاولات قوات النظام وحزب الله اللبناني إخضاع كامل منطقة وادي بردى شمال غربي دمشق بالفشل، على الرغم من مرور أكثر من شهر على حملة عسكرية واسعة النطاق. ولا تزال المعارضة حاضرة بقوة في جنوب سورية (درعا)، على الرغم من وجود "تهدئة" منذ عدة أشهر نتيجة تفاهمات إقليمية.

ويسيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على محافظة الرقة، وأغلب محافظة دير الزور، والبادية السورية وفي قلبها مدينة تدمر التاريخية، إضافة إلى وجوده في جنوب دمشق، وفي أجزاء من ريف درعا، وفي ريف حلب الشرقي. وتسيطر مليشيات "وحدات حماية الشعب" الكردية على أغلب محافظة الحسكة، وأجزاء من ريفي الرقة الشمالي والغربي، ومناطق في شمال شرقي حلب وفي شمالها الغربي. ومن المتوقع، أن يستغل وفد النظام مسألة "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً) لتبرير استثناء مناطق من اتفاق وقف إطلاق النار، ما يعني توفّر الذريعة لضرب المعارضة السورية، كون مناطق السيطرة بينها وبين "الجبهة" متداخلة إلى حد بعيد، ومن الصعب التفريق بينها.

وسوف تصر المعارضة على أن الاتفاق يشمل كامل الأراضي السورية باستثناء مقرات تنظيم "داعش"، وهو ما قد يقف حائلاً دون التوصل لاتفاق، خاصة أن النظام لا يزال يعتبر المعارضين السوريين "إرهابيين"، وجل ما يمكن أن يعطيهم "عفواً"، والدخول في ما يسمّيه بـ"مصالحات" أفضت إلى تهجير عدد كبير من السوريين خلال العام الماضي.

ذات صلة

الصورة

سياسة

قُتل 40 شخصاً على الأقل، وجُرح العشرات، في إطلاق نار أعقبه اندلاع حريق، مساء اليوم الجمعة، في صالة للحفلات الموسيقية في ضاحية موسكو.
الصورة
تظاهرة ضد هيئة تحرير الشام-العربي الجديد

سياسة

تظاهر آلاف السوريين، اليوم الجمعة، مناهضة لسياسة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، ومطالبة بإسقاط قائدها أبو محمد الجولاني.
الصورة
تظاهرات في ذكرى الثورة السورية (العربي الجديد)

سياسة

خرجت تظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سورية اليوم الجمعة، إحياءً للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية.
الصورة

منوعات

دفعت الحالة المعيشية المتردية وسوء الأوضاع في سورية أصحاب التحف والمقتنيات النادرة إلى بيعها، رغم ما تحمله من معانٍ اجتماعية ومعنوية وعائلية بالنسبة إليهم.

المساهمون