تقرير أميركي: تباين أجندات الحلفاء أحبط التخلص من الأسد

تقرير أميركي: تباين أجندات الحلفاء أحبط التخلص من الأسد

22 يناير 2017
في حلب المنكوبة (جورج أورفاليان/فرانس برس)
+ الخط -
يحاول تقرير صدر بعنوان "منع انهيار الدولة في سورية"، عن مؤسسة "راند" الأميركية مطلع الشهر الحالي، تفكيك أسباب فشل دول غربية وإقليمية في إسقاط نظام بشار الأسد في سورية، ليخلص إلى أن العامل الأبرز كان تعارض أولويات الدول المعنية بشكل رئيسي. ويرى التقرير، الذي أعده الباحثون آندرو باراسليتي، وكاثلين ريدي، وبيكا واسر، أن "رحيل الأسد عن الحكم، تصدّر أولويات الإدارة الأميركية في سورية"، وبعد ذلك تأتي هزيمة تنظيمي "الدولة الإسلامية" (داعش) و"القاعدة" والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بهما في المرحلة التالية، على أن يليها وضع قواعد للمرحلة الانتقالية بعد انتهاء الصراع، بما في ذلك المحافظة على مؤسسات الدولة. غير أن هذه الرؤية طرحت على واشنطن تحديات معقدة، استدعت تعديل الأولويات لاحقاً، فتصدّر "التخلص من التنظيمات الإرهابية" الأجندة الأميركية، قبل تحضير الشروط الأفضل لمرحلة ما بعد الصراع مع المحافظة على مؤسسات الدولة.

في هذا السياق، ذكر التقرير أن "تنامي الجماعات المتطرفة في سورية، فرض على واشنطن تغيير أولوياتها، وبات التهديد الأكثر إلحاحاً لمصالح الولايات المتحدة هو الجماعات الإرهابية التي تتعزز قوتها وتعمل بحرية في الأراضي السورية. وهي المسؤولة بشكل مباشر، أو بالإلهام، عن الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة والدول الحليفة لها، بما فيها الهجمات التي وقعت في أفغانستان وليبيا وتونس وتركيا في عام 2015، والهجمات التي تبنتها تنظيمات مؤيدة لداعش والقاعدة في بنغلادش وبلجيكا وفرنسا وإندونيسيا وتركيا والولايات المتحدة واليمن في العام الماضي".

وأضاف التقرير أن "تقديرات الإدارة الأميركية خلصت إلى ضرورة اتباع سياسات تحافظ على مؤسسات الدولة السورية المركزية في مرحلة ما بعد الصراع. فالدروس المستفادة من الصراعات الأخيرة، بما في ذلك التدخلات الأميركية في العراق وأفغانستان، تشير إلى أن استعادة الأمن ما بعد الصراع، وتثبيت مؤسسات الدولة، وإعادة الإعمار في سورية سيتطلب بقاء سلطة الدولة المركزية، لأن انهيار الدولة أو تحطيم مؤسساتها، يُعزز عدم الاستقرار والتطرف في سورية وجوارها، والمنطقة على نطاق أوسع". ونوّه التقرير إلى أن "استمرار الحرب لفترة أطول، يزيد من احتمالات انهيار الدولة، وتقسيم سورية، وتحوّلها إلى دولة فاشلة. ما يعني ازدياد قوة وانتشار التنظيمات الإرهابية، التي تتخذ من الأراضي السورية قواعد لتعزيز قدراتها الإرهابية، إلى جانب تفاقم أزمة تدفق اللاجئين إلى دول العالم".

ولفت معدّو التقرير إلى أن "الإدارة الأميركية، رأت أن التركيز على هدفي تغيير النظام وهزيمة الجماعات الإرهابية معاً، أدى فقط إلى إطالة أمد الحرب. وهي أهداف لا يمكن التوفيق بينها، فتغيير النظام يمكن أن يؤدي إلى انهيار الدولة، وهذا، بدوره، يمكن أن يؤدي إلى توسع داعش في المناطق التي تخرج عن سيطرة الدولة المركزية، مما يعني تحقيق الجماعات الإرهابية للمزيد من القوة والنفوذ كما حدث في العراق وليبيا، وكما يحدث في بعض مناطق سورية".



وجاء في التقرير أن "غياب التوافق الإقليمي، هو أبرز المعضلات التي قوّضت الاستراتيجية الأميركية لمكافحة الإرهاب في سورية، وأعاق التوافق على إنهاء الصراع، ووضع خطط لمرحلة ما بعد الصراع. وعلى الرغم من انخراط الولايات المتحدة والعديد من الشركاء الإقليميين الرئيسيين في التحالف المناهض لداعش، وإجماع أعضاء هذا التحالف على معارضة نظام الأسد، إلا أن التباين في أولويات الأهداف من الحرب في سورية ظل سمة التحالف الدولي. فالسعودية ترى في سورية ساحة معركة في حربها الطائفية بالوكالة مع إيران، إذ تعتبر الرياض طهران أكبر دولة راعية للإرهاب، والتهديد الرئيسي في المنطقة. وقد زاد القلق السعودي من إيران بعد توقيع الاتفاق النووي في 2015. في المقابل، تتهم إيران التي تتوافق مع الولايات المتحدة في هدف القضاء على داعش، السعودية كونها المحرك الرئيسي للتطرف الوهابي، والداعم الرئيسي لتنظيم القاعدة، وفروعه، وحركة طالبان، وتتحرك لمواجهة السعودية عبر تعزيز نفوذها في العراق، ولبنان، وسورية".

أما بالنسبة لتركيا، فاعتبر التقرير أن "أولويتها القصوى في سورية هي المسألة الكردية، إذ يعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وجناحه المسلح في سورية، وحدات حماية الشعب الكردية، وكل من لهم صلة بحزب العمال الكردستاني، منظمات إرهابية. ومهما حاولت الولايات المتحدة وتركيا لإخفاء خلافاتهما في سورية، إلا أن الموقف من الجماعات الكردية يكشف هذه الخلافات، فبينما تعتبر الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب الكردية، بين شركائها الأكثر فاعلية في محاربة داعش، تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية، العدو الأول لها، والهدف الرئيسي للعمليات العسكرية التركية في سورية. وقد لخص نائب الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، إحباط الولايات المتحدة من غياب إجماع إقليمي، لوقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سورية، بالقول: حلفاؤنا أكبر مشكلة لدينا".

ورأى معدّو التقرير أن "الموقف الروسي حول سورية كان الأوضح، وكان ثابتاً منذ البداية، عندما أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تدمير الحكومة الشرعية في سورية من شأنه أن يؤدي إلى الفوضى وعدم الاستقرار، كما حدث في العراق وليبيا، مشيراً إلى أن الحل الوحيد لتسوية الصراع السوري يأتي من خلال تعزيز مؤسسات الحكومة الشرعية القائمة، وتقديم الدعم لها في معركتها ضد الإرهاب، وبالتوازي مع ذلك، تشجيع الدولة السورية على بدء حوار إيجابي مع الجزء "الصحي" من المعارضة، وإطلاق التحولات السياسية. بالتالي يمكن القول بأن نهج بوتين في سورية، اتسم بالدفاعية والانتهازية، على حد سواء، ولكنه كان ثابتاً في دعم الحكومة السورية. كما أولت موسكو أهمية قصوى لمحاربة الجماعات الإرهابية، لاسيما مع انكشاف علاقة الإرهابيين في سورية بالجماعات الشيشانية المتطرفة".



واعتبر التقرير أن "أطرافاً إقليمية ودولية دفعت الولايات المتحدة لتبني خطة بديلة، أو ما يسمى بالخطة (ب)، تقوم على نهج مختلف، أساسه الضغط على روسيا وإيران، وإجبارهما على التفاوض لإطاحة الأسد، من خلال زيادة الدعم العسكري لقوات المعارضة المعتدلة السورية، وإنشاء منطقة حظر الطيران أو منطقة آمنة في شمال سورية، أو ربما توجيه ضربات عسكرية للقوات الحكومية السورية، أي تدفيع روسيا ثمن سلوكها المُزعزع للاستقرار في المنطقة، ومواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة، بدلاً من الرضوخ لهما. غير أن الولايات المتحدة رأت أن الخطة البديلة محفوفة بالمخاطر، لأنها تزيد من مخاطر انهيار مؤسسات الدولة، وتقوض الشراكة بين الولايات المتحدة وروسيا، وقد تدفع الأسد ومؤيديه إلى تصليب مواقفهم، إلى جانب تشتيت التركيز على الجماعات الإرهابية. كما أن الخطة (ب) لم تقدم إجابات لمعالجة العلاقة بين بعض قوى المعارضة السورية وتنظيم جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً)، فضلاً عن تحفظات تركيا بشأن وضع القوى الكردية السورية المدعومة من الولايات المتحدة".

وأفاد التقرير بأن "موقف الولايات المتحدة من دور الأسد في المرحلة الانتقالية، اتسم بالمرونة والغموض، على حدّ سواء، مع التأكيد على أنه لا ينبغي أن يكون الأسد جزءاً من حكومة ما بعد المرحلة الانتقالية. أما إيران وروسيا، فرغم موقفهما الداعم بقوة للأسد، إلا أنه لم يكن نهائياً. وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالقول: لا أقول بأن الأسد يجب أن يذهب أو أن الأسد يجب أن يبقى، بل أقول أن مصير الأسد يجب أن يقرره الشعب السوري".

ورأى التقرير أن "عقد صفقة مع الأسد، يتطلب من الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط التوصل إلى شكل من أشكال التفاهم مع روسيا وإيران. فرحيل الأسد قد يسهل الاستقرار في مرحلة ما بعد الصراع، لكن سيكون من الأفضل أن يحدث ذلك عندما تكون مؤسسات الدولة مستقرة نسبياً، ونتيجة للمفاوضات، لا تصعيد الصراع". واعتبر التقرير أن "قبول الأسد في المرحلة الإنتقالية، هو الثمن الذي يجب أن تدفعه واشنطن لتحقيق إجماع إقليمي، وقيادة جهود تحقيق الاستقرار في سورية، ومنع انهيار الدولة السورية، وهي الأهداف التي تصب في مصلحة جميع الأطراف. على الرغم من أن الولايات المتحدة قد تكون مستعدة لتأجيل مسألة مصير الأسد، لتعزيز التعاون مع روسيا في المعركة ضد الجماعات الإرهابية والسعي إلى إنهاء الحرب، غير أنها لن ترعى أي مجهود دولي لتحقيق الاستقرار بعد إنهاء الصراع مع بقاء الأسد في السلطة".

وعلى الرغم من أن التقرير خلص إلى أن "النزاع سينتهي إلى دولة سورية ضعيفة في منطقة مضطربة"، غير أنه استبعد "إمكانية تحقيق الاستقرار بعد انتهاء النزاع في سورية، إذا تم تقسيم سورية وتجزئة أراضيها. فالحفاظ على الهوية الوطنية وتماسك السلطة المركزية يعززان آفاق دولة موحدة. والاستقرار في مرحلة ما بعد النزاع يتوقف على تعزيز الدولة السورية ومؤسساتها". واعتبر أن "تمكين أي هياكل إدارية أخرى تحت ستار الحكم المحلي أو اللامركزية، على حساب الدولة المركزية، سيكون مضللاً، ومخالفاً للثقافة السياسية السورية، ومُناقضاً للهوية الوطنية السورية، التي تتمحور تاريخياً حول الدولة المركزية".