أفكار أوروبية لأزمة المهاجرين: "مارشال" أفريقية واستنساخ للاتفاق التركي

أفكار أوروبية لأزمة المهاجرين: "مارشال" أفريقية واستنساخ للاتفاق التركي

22 يناير 2017
استقبلت ألمانيا العدد الأكبر من المهاجرين (شون غالوب/Getty)
+ الخط -
تدور في أروقة القرار الأوروبي، بشكل جماعي أو وطني، أفكار عديدة، وأحياناً متناقضة، لتفادي موجات لجوء جديدة تأتي من القارة الأفريقية في عام 2017. أفكار "سلمية" تسير بموازاة الاستراتيجيات العسكرية ضد مهربي البشر في مياه البحر المتوسط، أكانت "ناف فور ميد" أو "صوفيا"، وتبدأ من مشاريع تنمية اقتصادية في دول أفريقية لكي لا تبقى "مصدرة" للمهاجرين، وتصل إلى دراسة إمكانية استنساخ تجربة الاتفاق الأوروبي مع تركيا، لكن هذه المرة في ليبيا.

وسبق للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أن أكدت، في مؤتمر صحافي عقدته في برلين الأربعاء الماضي، مع رئيس الوزراء الإيطالي باولو جينتيلوني، أن "ألمانيا تبذل جهوداً للتوصل إلى إقامة شراكات مع الدول الأفريقية، بشأن المهاجرين، وعلى رأسها النيجر". بالنسبة لميركل، التي قادت سياسة بلادها الأكثر انفتاحاً في أوروبا حول استقبال اللاجئين والمهاجرين، فإن "مشكلة المهاجرين ليست فقط مشكلة دول عدة، وإنما تشكل امتحاناً بالنسبة للاتحاد الأوروبي كله". توصيف ميركل لقضية اللاجئين على هذا النحو قد يكون المدخل لفهم المشاورات المكثفة التي تجريها الدول الأوروبية حول هذه القضية، سواء في ما بينها، أو تلك التي تتم مع دول أفريقية عدة، تُعَدّ مصدراً لتدفق اللاجئين أو بلدان عبور لهم.

تدفق أفريقي مرتقب
تتكثف حركة المشاورات منذ أيام نظراً لوجود قناعة لدى الدول الأوروبية بأن التدفق الأكبر للمهاجرين السريين واللاجئين في عام 2017 لن يكون من الشرق الأوسط، على اعتبار أن عامي 2015 و2016 شهدا ما يمكن وصفه بالموجة الكبرى خصوصاً من سورية والعراق. ووفقاً لهذا الاعتقاد، فإن الموجة الجديدة سيكون مصدرها دولاً أفريقية عدة. أما المسار المتوقع فينطلق من السواحل الليبية باتجاه إيطاليا كونها أسهل الممرات المتاحة حالياً للوصول إلى أوروبا، لا سيما بعدما أدت الإجراءات الأوروبية سواء المشتركة أو التي اتخذتها دول بشكل منفرد خلال عام 2016، خصوصاً، إلى إغلاق الممرات الأساسية التي كان يسلكها المهاجرون واللاجئون وفي مقدمتها طريق البلقان (ينطلق المهاجرون/اللاجئون من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحتى أفغانستان عبر اليونان إلى مقدونيا ومن ثم صربيا والمجر، بعد ذلك يبدأون المرحلة الثانية من رحلتهم محاولين الوصول إلى إحدى دول غرب أوروبا غالباً ألمانيا وفرنسا وبريطانيا).

وتعزز الأرقام التي ترصدها روما بشكل يومي هذه المخاوف، بعدما كشفت وزارة الداخلية الإيطالية، يوم الثلاثاء الماضي، أنه "منذ مطلع العام الحالي وحتى 17 يناير/ كانون الثاني، بلغ عدد المهاجرين السريين الوافدين ألفين و397 شخصاً، في حين أن الفترة نفسها من 2016 سجلت وصول ألف و73 مهاجراً فقط". ولفت التقرير إلى أن جنسيات الواصلين كانت على الترتيب وفقاً لعدد الوافدين: غينيا، ساحل العاج، نيجيريا، السنغال، مالي، إريتريا، غامبيا، السودان، بنغلادش، والصومال. إزاء هذه المعطيات تبدو قائمة الخيارات الأوروبية المطروحة محدودة ولكل منها كلفتها السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية، لا سيما في ظل الهاجس الأمني الذي تعيش تحت وطأته العديد من الدول الأوروبية. لكن أبرزها ما بات يُطلق عليه أخيراً في وسائل الإعلام "خطة مارشال"، والذي يبدو أنه حتى الآن فكرة ألمانية بانتظار ما إذا كان سيتم تبنيها من دول أوروبية أخرى.
موقع "دوتشيه فيليه" الألماني تطرق إلى "خطة مارشال"، إذ نقل تصريحات لوزير التنمية الألماني غيرد مولر، الذي أعلن يوم الأربعاء الماضي، إنها "خطة مارشال تنمية أفريقيا". ويهدف المشروع إلى مساعدة القارة السمراء، على مواجهة مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية. ويبدو المشروع كأسلوب وقائي لمكافحة الفقر، والآفات التي تتسبب في الهجرة نحو أوروبا، في محاولة على ما يبدو لمنع تدفق المهاجرين. وترافق طرح هذه الخطة مع مساعٍ لاحتواء التوتر بين ألمانيا والدول الأفريقية، تحديداً دول المغرب العربي، بعدما صدرت تصريحات لسياسيين لوحت بوقف ألمانيا مساعداتها الاقتصادية للدول التي ترفض التعاون في ملفي الهجرة والأمن، وهو ما أثار انقساماً داخل المانيا وسجالاً داخل الدول المعنية التي رفضت سياسة التهديد.


قنوات اتصال متعددة
لكن يبدو أن القارة العجوز عادت للتفكير بالأمر من زاوية أخرى، وخففت من حدة انتقاداتها لدول شمال أفريقيا، وفتحت قنوات تواصل عدة مع أطراف أفريقية، بما فيها الدول المغاربية. وبينما استقبلت الدول الأوروبية مسؤولين أفارقة، أرسلت هذه الدول وزراء ومبعوثين إلى القارة الأفريقية.

وفي هذا السياق، تبدو لافتة التحركات الإيطالية، وسط مخاوف بدأت تتردد أصداؤها داخل الاتحاد الأوروبي من لجوء روما إلى خيار عقد صفقات منفردة، خصوصاً في ليبيا، كونها ترى نفسها الطرف "الأكثر عرضة للتهديد" خلال الفترة المقبلة. وهو ما لمّح إليه رئيس الوزراء المالطي، جوزيف موسكات، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، إذ أعرب عن قناعته بضرورة عدم ترك إيطاليا وحدها في مواجهة أزمة المهاجرين، واصفاً اتفاق إيطاليا مع ليبيا بـ"الصعب والشديد التعقيد". ويعاني الاتحاد الأوروبي حالة تشرذم وانقسام بسبب عدم رغبة العديد من الدول في تنفيذ الاستراتيجية الأوروبية للهجرة والتي تنص على تقاسم الأعباء ومساعدة الدول التي تواجه تدفق المهاجرين في دول جنوب المتوسط مثل اليونان وإيطاليا.

وقادت تحركات روما وزير الخارجية الإيطالي، أنجيلينو ألفانو، يوم الخميس الماضي إلى تونس. وحرص خلال زيارته على إعطاء أكثر من إشارة أولها تأكيده أن بلاده "تدعم كل الجهود التي تهدف إلى وقف الهجرة غير الشرعية من تونس، خصوصاً ليبيا، بما في ذلك دعم توقيع اتفاق مع ليبيا لمكافحة الهجرة غير شرعية على غرار اتفاق تركيا"، مشيراً إلى أن الاتفاق يدخل حيز التنفيذ حال استقرار الوضع الأمني. ويبدو السيناريو التركي مغرياً لإيطاليا والعديد من الدول الأوروبية نظراً لنتائجه بعد قرابة عام على بدء تطبيقه. وهو ما أشار إليه صراحة موسكات، بتأكيده أن اتفاق الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، حقق نجاحاً، داعياً إلى عقد اتفاقية مماثلة مع دول شمال أفريقيا. وكانت تركيا والاتحاد الأوروبي توصلا في 18 مارس/آذار 2016، في العاصمة البلجيكية بروكسل، إلى اتفاق يهدف إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر. وتقوم تركيا بموجب الاتفاق، الذي بدأ تطبيقه في 4 أبريل/نيسان الماضي، باستقبال المهاجرين الواصلين إلى جزر يونانية ممن تأكد انطلاقهم من تركيا.
وبموجب الاتفاق تتُخذ الإجراءات اللازمة من أجل إعادة المهاجرين غير السوريين إلى بلدانهم، بينما سيتم إيواء السوريين المعادين في مخيمات داخل تركيا، التي سترسل لاجئاً سورياً مسجلاً لديها إلى بلدان الاتحاد الأوروبي مقابل كل سوري معاد إليها. ويتكفل الاتحاد الأوروبي بمصاريف عملية التبادل وإعادة القبول.

لكن سياسة "توطين" اللاجئين تبدو عنواناً إضافياً للخلاف في ليبيا التي تعاني من انقسام أبرز مؤسسات الدولة، وتوجد فيها ثلاث حكومات تتنازع على السلطة، اثنتان منها في طرابلس، وهما حكومة الوفاق الوطني المدعومة من المجتمع الدولي، وحكومة الإنقاذ، إضافة إلى حكومة ثالثة، وهي الحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء، والتي انبثقت عن مجلس النواب في مدينة طبرق (شرق). أولى إشارات الرفض صدرت عن نائب رئيس الوزراء لشؤون الأمن في الحكومة الليبية المؤقتة (المنبثقة عن برلمان طبرق)، المهدي اللباد، الذي نُقل عنه قبل أيام قوله إنه يرفض ما سمّاه "محاولات لتوطين المهاجرين الذين يحاولون الانتقال إلى أوروبا عبر ليبيا". وبرر موقفه بالقول إن "دولة على غرار ليبيا ذات معدل نمو سكاني ضعيف نسبياً، تعد ما طالب به المبعوث الأممي لليبيا مارتن كوبلر من إلغاء لقانون تجريم الهجرة غير الشرعية ومشروعه لبناء مخيمات للمهاجرين في بلادنا إضراراً بدولتنا وتدخلاً في القانون الليبي في سبيل حل مشاكل الدول الأوروبية، ليتبع هذا التصريح محاولات الاتحاد الأوروبي لتوريط ليبيا بالتوقيع على معاهدة اللجوء الإنساني"، على حد قوله. هذا الموقف من حكومة طبرق قد يفسر الإشارة الإيطالية الثانية، التي صدرت عن ألفانو في إطار تعليقه على التعاون بين روسيا واللواء المتقاعد خليفة حفتر. ولفت إلى أن "التقدّم الروسي في الساحة الليبية بعد سورية، يدفعنا إلى مزيد من العمل لكي يكون لنا دور قيادي في المشهد الليبي، حتى من خلال الحوار مع حفتر"، معلناً أن بلاده "سترسل لأول مرة مساعدات إنسانية" للمناطق التي يسيطر عليها حفتر، شرقي ليبيا. وبينما تبدو الأسابيع المقبلة حاسمة لجهة بلورة اتفاقات ثنائية أو جماعية، تتواصل مأساة اللاجئين والمهاجرين، إن بسبب تكرار تجارب غرق القوارب، على غرار ما حصل قبالة السواحل الليبية قبل أيام ما أدى إلى مقتل قرابة 100 مهاجر في أولى أسوأ الكوارث خلال العام الحالي، أو نتيجة معاناة اللاجئين من ظروف قاسية في البلدان التي وصلوا إليها، خصوصاً في ظل موجة البرد القارسة التي تضرب أوروبا.