أسبوع القوانين المشبوهة في مصر يبدأ بعد 25 يناير

أسبوع القوانين المشبوهة في مصر يبدأ بعد 25 يناير

22 يناير 2017
نظام السيسي يخشى حصول احتجاجات شعبية (محمد الراعي/الأناضول)
+ الخط -
تخشى مصادر برلمانية مصرية استغلال السلطات التنفيذية حالة الغضب الشعبي التي تركز في الفترة الأخيرة على قضية جزيرتي تيران وصنافير، لتمرير مجموعة تشريعات تمس حياة المصريين، لا سيما الطبقات معدومة الدخل والفقيرة، وذلك تحت ذريعة تلبية شروط صندوق النقد الدولي. وتفيد المعطيات بأن الأيام المقبلة ستشهد إقرار قوانين وقرارات، يصفها البعض بالكارثية. ومن المتوقع أن تندرج جميعها تحت العنوان العريض لتعزيز القطاع الخاص في مرافق حيوية بالنسبة للمواطنين، على حساب المؤسسات الحكومية وما تبقى لها من دعم ومن إدارة للقطاعات العامة الأكثر التصاقاً بمصالح محدودي الدخل.

ورأى برلماني مصري ينتمي لـ"ائتلاف 25/ 30" الذي يقوم بدور المعارضة من داخل النظام، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما وصفه بـ"لعنة رفض المحكمة الإدارية العليا لطعن الحكومة على حكم التنازل عن تيران وصنافير، قد يصيب ملايين الفقراء في مصر الذين ينتظرهم أسبوع برلماني شديد القسوة، عقب مرور ذكرى ثورة يناير" على حد تعبيره.

وكشفت مصادر أن الدائرة المحيطة برئيس النظام المصري، عبدالفتاح السيسي، تعتبر أن هذه هي أكثر فترة مناسبة لتمرير "حزمة القوانين القاسية" عن طريق حكومة شريف إسماعيل. وأضافت أن هذه الدائرة تنصح بأن يتم الاحتفاظ بشخص رئيس الوزراء لأطول فترة ممكنة حتى تتم الموافقة على التشريعات ثم التضحية به كـ"كبش فداء" إذا لزم الأمر، من أجل امتصاص الغضب الشعبي، بحسب ما كشفت المصادر عن معلومات تتعلق بما تخطط له دوائر صنع القرار في النظام المصري. ويشار إلى أن نظام السيسي يخشى من حصول احتجاجات شعبية في أية لحظة، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية ومعاناة الطبقات الكادحة التي تتفاقم بصورة شبه يومية.

وتابعت المصادر أن "مؤسسة الرئاسة تنتظر مرور الأسبوع الحالي الذي يواكب الاحتفال بالذكرى السادسة لثورة "25 يناير/كانون الثاني"، خوفاً من استغلال حالة الغليان في الشارع، ثم تقوم بتمرير سلسلة من القوانين والتشريعات، التي يفرضها صندوق النقد الدولي، كشرط للمضي بتسليم الحكومة المصرية بقية دفعات القرض وفقاً للبرنامج الزمني المعد سلفاً".

وفي هذا السياق، تتجه لجنة الإسكان والمرافق بمجلس النواب المصري إلى إقرار مشروع قانون تنظيم مياه الشرب والصرف الصحي، خلال اجتماعات مشتركة لها مع لجان الصحة والإدارة المحلية والخطة والموازنة، الأسبوع المقبل. ويتعلق الأمر بالقانون الذي قدمته الحكومة بهدف خصخصة قطاع المياه في إطار خطة السيسي لتحرير الدعم عن المرافق العامة للدولة. ويفتح القانون المجال لشركات القطاع الخاص للاستثمار بمشاريع وشبكات مياه الشرب والصرف الصحي، لتحل بديلاً عن الشركات الحكومية المسؤولة عن تشغيل وصيانة تلك المرافق. لكن هذا التحول من القطاع العام إلى القطاع الخاص سيتم بشكل تدريجي، من خلال إنشاء جهاز تنظيمي يُشرف على ضوابط التراخيص للشركات الخاصة، ويدقق في مدى التزامها بالشروط التي يحددها القانون ولائحته التنفيذية.


وذكر رئيس لجنة الإسكان، النائب علاء والي، أن القانون وضع عقوبات لمخالفي شروط الترخيص، ومنح الجهاز التنظيمي حق إلغاء الترخيص بعد الإنذار، وذلك إذا تبين أن المُرخص له خالف الشروط. لكن من حق الأخير أن يسترد مبلغ التأمين بعد فسخ العقد معه، بحسب والي الذي اعتبر أن "قطاع مياه الشرب والصرف الصحي يواجه العديد من التحديات، نتيجة عدم التوازن المالي، وتعريفة المياه المدعومة من الدولة لسنوات طويلة"، وفق قوله. وتابع في بيان صادر عن لجنة الإسكان، أن "القانون المعروض يتضمن فرض غرامات على المواطنين لا تقل عن ألف جنيه، ولا تزيد على 20 ألفاً، لكل من استخدم مياه الشرب في غير الأغراض المخصصة لها، وفي حالة تكرار المخالفة خلال ستة أشهر تُضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى"، وفق البيان.

ونص القانون المقترح على عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ستة أشهر، مع غرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 50 ألف جنيه، لكل من عطل دون سند قانوني، إنشاء أو تنفيذ أو توصيل أي من مرافق مياه الشرب أو الصرف الصحي، على حد قول والي. كما نص القانون على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وعلى غرامة لا تتجاوز 100 ألف جنيه، بحق كل مُرخص له خالف تعريفة الخدمات المعتمدة. ويحق للمحكمة أن تلزم المرخص له برد المبالغ التي حصّلها من متلقي الخدمة، دون وجه حق ونتيجة مخالفة التعريفة، بحسب القانون المقترح.

في سياق مُتصل، تواصل لجنة الطاقة والبيئة بالبرلمان، غداً الاثنين، مناقشات مشروع قانون الحكومة لتنظيم أنشطة سوق الغاز الطبيعي والتوسع في الاستثمار بمجالاته وإشراك القطاع الخاص في تسويقه. ويأتي ذلك بعدما سبق أن وافقت اللجنة على القانون من حيث المبدأ، والذي ينص على إنشاء هيئة عامة لمنح التراخيص لشركات القطاع الخاص بسوق الغاز. وعدلت اللجنة في القانون المقترح لينص على تبعية الهيئة السابقة إلى مجلس الوزراء بدلاً من وزارة البترول. وتكون الهيئة معنية بتنظيم أنشطة سوق الغاز والمتمثلة في شحن ونقل وتخزين وتوزيع وتوريد وبيع وتسويق وتجارة الغاز، وجذب وتشجيع الاستثمارات وتوفير المعلومات للمستهلكين والتأكد من الاستخدام الأمثل للبنية الأساسية للشبكات والتسهيلات.

وفرضت نصوص القانون غرامة لا تقل عن قيمة إصدار الترخيص، لكل مُرخص له خالف أي شرط من شروط الترخيص أو يخالف ضوابط الجودة الفنية أو القياسية المعيارية. وهناك غرامة مالية تُعادل 3 أضعاف قيمة إصدار الترخيص المناسب، لكل من يزاول أنشطة بسوق الغاز، دون الحصول على ترخيص. وتضاعف العقوبة في حالة العودة إلى ممارسة الأنشطة. ويعد القانون جزءاً من خطة تحرير الدعم عن سوق الغاز، تحت ذريعة تشجيع شركات الغاز الأجنبية العاملة في مصر على توجيه مبيعاتها إلى السوق المحلية. وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة البترول رسمياً عن سماح الحكومة لأي طرف داخل مصر باستيراد الغاز من الخارج، بعدما أنشأت وحدة خاصة للإشراف على بيع وتوزيع الغاز الطبيعي بواسطة الشركات الخاصة.

تحرير الدعم
ويهدف القانونان المقدمان من الحكومة إلى تقليص دور الدولة إلى الحد الأدنى بقطاعات المرافق العامة، وترك المواطن دون غطاء أمام آليات العرض والطلب لشركات القطاع الخاص. ويندرج هذا التوجه في إطار خطة خفض الدعم تدريجياً عن قطاعات الكهرباء والمياه والغاز الطبيعي. وهو توجه بدأ يتكرس مع وصول السيسي إلى السلطة عام 2014، تمهيداً لتحرير الدعم كلياً بحلول عام 2019.

وصدّق البرلمان الموالي للسيسي على قانون أصدره فور انعقاده في يناير/كانون الثاني 2016، يسمح للقطاع الخاص بالاستثمار في توزيع الكهرباء على العملاء. وهذه المهمة كانت تقتصر سابقاً على الشركة القابضة للكهرباء التي تمتلكها الدولة. والقانون يمنح الهيئة العامة للكهرباء مسؤولية إصدار التراخيص للشركات العاملة في توليد وتوزيع الكهرباء. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كتبت وزيرة التعاون الدولي، سحر نصر، في مقال بصحيفة "وول ستريت جورنال"، إن "مصر سوف تنسحب جزئياً من عدة مشاريع وبنوك تملكها الدولة، على أن تشمل عمليات الاكتتاب للمرة الأولى، شركات المرافق العامة التي تم استثناؤها تاريخياً باعتبارها قطاعاً استراتيجياً".

بيع الأرض
وانتهت الحكومة أخيراً من إعداد المسودة النهائية لقانون الاستثمار، المنتظر عرضه على البرلمان خلال أيام قليلة. ومنحت من خلال نصوصه امتيازات وحوافز واسعة للمستثمرين المحليين والأجانب، من أهمها: تحمل الدولة لتكاليف توصيل المرافق ومنح الأرض دون مقابل للمشاريع الاستراتيجية، فضلاً عن تملك الأراضي بالمناطق الاستثمارية بسيناء وقناة السويس. وتُعول إدارة السيسي على جذب المستثمرين بأي طريقة، أملاً في إنعاش الوضع الاقتصاد المتردي من جراء تبعات تحرير سعر صرف العملة المحلية والعجز المتصاعد في عجز الموازنة.

ضريبة الفقراء
وقال البرلماني المستقل، فوزي الشرباصي، إن موافقة مجلس النواب على مشروعي الحكومة لخصخصة قطاعات مياه الشرب والصرف الصحي والغاز "تمثل خطورة على الأمن القومي المصري، وتُفسح المجال للشركات الخاصة في التحكم في أهم نواحي الحياة، ليدفع ضريبتها في النهاية البسطاء ومحدودو الدخل من المصريين". وحذر في تصريحات سابقة له أمام لجنة الإسكان، من المضي قُدماً في ملف الخصخصة مجدداً، بعد الخسائر الكارثية التي تعرضت لها البلاد خلال فترة حكم الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وأدت إلى تدهور أوضاع الكثير من الصناعات، فضلاً عن تشريد الآلاف من العمال. واستنكر لجوء الحكومة إلى الخصخصة كبديل وحيد في مواجهة الأزمة الاقتصادية.

تجارب "سيئة"
وذكر النائب عن حزب مستقبل وطن، أحمد بدران، أن توجه الحكومة نحو الخصخصة يعد الطريق الأسهل في إطار سياساتها بتبني الحلول المؤقتة للأزمات. وأضاف أن الحكومة تمتنع عن البحث في كيفية معالجة فشل إدارة الشركات الحكومية وشركات قطاع الأعمال، معتبراً أن هذا ما يجب عليها أن تقوم به بدلاً من الاتجاه نحو الخصخصة في قطاعات حيوية وهامة مثل المرافق العامة. وأشار إلى أن القطاع الخاص لن ينظر إلى أحوال المواطنين، لأن هدفه سينصب نحو تحقيق المكاسب المالية وفق آليات السوق، لافتاً إلى أن تجارب مصر مع الخصخصة كانت سيئة وأنه يجب على النواب عدم الانصياع لقوانين الحكومة وتمريرها، بحسب قوله.

المساهمون