بريطانيا بعد "بريكست": استقلالية عن أوروبا بمملكة موحّدة

بريطانيا بعد "بريكست": استقلالية عن أوروبا بمملكة موحّدة

18 يناير 2017
ماي: الاتفاق النهائي للانفصال عن الاتحاد سيعرض للتصويت بالبرلمان(Getty)
+ الخط -



حمل خطاب رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، أمس الثلاثاء حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أكثر من رسالة سياسية واقتصادية، مع تأكيدها أنها تريد النجاح للاتحاد واستمرار التعاون معه ولا تسعى إلى قطيعة كلية معه، وهو ما لاقى ترحيباً ألمانياً بسبب "الوضوح" في هذا الخطاب. كذلك وجّهت ماي رسالة مهمة لدول المملكة المتحدة، مع تشديدها على ضرورة بقاء هذه الوحدة، في ظل دعوات للانفصال عن المملكة.
وأعلنت ماي أن المملكة المتحدة تسعى إلى اتفاق بنّاء مع الاتحاد الأوروبي يكون لمصلحة الطرفين بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد، لافتة إلى أنها ستطرح الاتفاق النهائي للانفصال عن الاتحاد للتصويت في البرلمان. وقالت صباح أمس في لانكستر هاوس، وسط لندن، إن "بريطانيا المستقبل ستكون أقوى، وأكثر عدلاً، وأكثر اتحاداً"، لأن قرار الشعب البريطاني في استفتاء "بريكست" في يونيو/حزيران الماضي، "لم يكن بهدف الانطواء على الذات، بل كان رغبة في الانفتاح على العالم".
خطاب ماي لم يتوقف عند حدود العلاقات التجارية والاقتصادية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، بل شمل مضامين ورسائل سياسية وزعتها ماي في اتجاهات عدة. أولى هذه الرسائل كانت نحو الأقاليم المُكوّنة لاتحاد المملكة المتحدة، إذ توجهت بالحديث إلى أقاليم ويلز، واسكتلندا، وأيرلندا الشمالية، للتأكيد على أهمية الاتحاد في ما بينها مع إنكلترا تحت راية المملكة المتحدة، وأهمية بقاء هذا الاتحاد قوياً بعد خروج المملكة من الاتحاد الأوروبي. وكأن ماي التي بشّرت باتحاد بريطاني "أكثر اتحاداً وأكثر قوة" تتلمس مخاطر التفكك التي تحيط بالمملكة المتحدة بعد الدعوات لاستفتاء جديد في اسكتلندا، وتململات مماثلة في أيرلندا الشمالية، تزايدت حدتها بعد استفتاء "بريكست".
وفي أول ترجمة لصورة "بريطانيا الأقوى"، وجّهت ماي رسائل تحذير قوية لبعض دول الاتحاد الأوروبي التي توعّدت لندن بمفاوضات شاقة وإجراءات عقابية بسبب خروجها من الاتحاد الأوروبي، وقالت إن ذلك سيكون "عملاً كارثياً يلحق الأذى بالذات". وأضافت أن "عدم حصول بريطانيا على اتفاق هو أفضل من حصولها على اتفاق سيىء". في المقابل وفي خطاب كشف النقاب عن استراتيجية بريطانيا حول "بريكست"، وطبيعة العلاقة المستقبلية مع الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أعلنت ماي أنها لا تسعى إلى قطيعة كلية مع أوروبا، بل شددت على ضرورة استمرار التعاون والتنسيق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي في مجالات مكافحة الجريمة ومحاربة الإرهاب، وتنسيق السياسات الخارجية والتعاون في مجالي الدفاع والأمن.
وحاولت تطمين الاتحاد بالتأكيد على أنها ترغب في تجنّب وقوع "نقلة عنيفة" للشركات حين تخرج بريطانيا من الاتحاد، قائلة: "ليس من مصلحة أحد أن تحدث نقلة عنيفة للشركات أو تهديد للاستقرار في الوقت الذي نغير فيه علاقتنا القائمة إلى شراكة جديدة مع الاتحاد الأوروبي". وأضافت: "لكنني بهذا لا أعني أننا سنسعى إلى شكل ما من أشكال الوضع الانتقالي غير المحدود والذي سنجد فيه أنفسنا عالقين إلى الأبد في أزمة سياسية دائمة".
مقابل ذلك، قالت رئيسة الوزراء البريطانية إن بلادها ستخرج من السوق الأوروبية الموحدة لكي تتمكن من فرض ضوابط على وصول المهاجرين من الاتحاد الأوروبي إلى بلادها. كما أعلنت أنه لا يمكن لبريطانيا البقاء كعضو كامل العضوية في الاتحاد الجمركي بالاتحاد الأوروبي لكنها ستسعى لتجارة معفاة من التعريفة الجمركية مع الاتحاد بعد الانفصال عنه. وقالت ماي إن العضوية الكاملة حالت دون أن تبرم بريطانيا اتفاقيات تجارية خاصة بها، لكنها أشارت إلى أنها تريد اتفاقاً جمركياً مع الاتحاد الأوروبي لضمان تدفق التجارة عبر الحدود مع أوروبا "بسلاسة قدر المستطاع". أضافت "أريد أن أزيل الحدود أمام التجارة قدر المستطاع وأريد لبريطانيا أن تكون حرة لتحديد جداول رسومها الجمركية في منظمة التجارة العالمية وهو ما يعني أن بإمكاننا التوصل إلى اتفاقات تجارة جديدة ليس فقط مع الاتحاد الأوروبي ولكن أيضاً مع أصدقاء قدامى وحلفاء جدد من خارج أوروبا".
هذا الكلام حمل رسالة بالتأكيد على أن "بريطانيا ما بعد بريكست" ستكون أكثر انفتاحاً على العالم بعد أن تخلصت من قيود الاتحاد الأوروبي، وباتت أكثر حرية لعقد اتفاقات تجارية عابرة للحدود من أستراليا إلى الولايات المتحدة، ومن الصين إلى الهند وكندا، كما قالت ماي، في خطاب "بريكست"، الذي تتطلع إلى أن يكون خروجاً سلساً.



والى الجانب الآخر من الأطلسي، وجّهت ماي رسائل مباشرة إلى الرئيس الأميركي المُنتخب، دونالد ترامب، رداً على تصريحاته لصحيفة "التايمز" قبل أيام، عندما قال إن خروج بريطانيا من الاتحاد قد يفتح الباب لخروج دول أخرى، وبالتالي انهيار الاتحاد، وهو الأمر الذي لا يشغل الولايات المتحدة، حسب تعبير ترامب. وقالت ماي، إن "بريطانيا تريد نجاح الاتحاد الأوروبي، ولا ترغب في تفككه". وفي رسالة أخرى للرئيس الأميركي المُنتخب، الذي قال إن هناك إمكانية لرفع العقوبات التي فرضتها واشنطن على موسكو في حال توصل البلدين إلى اتفاق حول تقليص الأسلحة النووية، شددت رئيسة الحكومة البريطانية على ضرورة استمرار التعاون بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في ما يخص فرض العقوبات على روسيا بسبب سياساتها في أوكرانيا.
وفي ثنايا الحديث عن أهمية استمرار التعاون الأمني والدفاعي بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وجّهت ماي رسالة مُبطنة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مفادها بأن بريطانيا "التي ستكون أقوى"، لن تتراجع عن موقفها تجاه روسيا وتصرفاتها في أوكرانيا، وأنها ستعمل مع أصدقائها الأوروبيين على استمرار فرض العقوبات على موسكو، لأن "بريطانيا تغادر الاتحاد الأوروبي، ولا تخرج من أوروبا"، على حد تعبير ماي. وتمر علاقات لندن وموسكو بتوتر فاتر منذ توجيه لندن اللوم إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوصفه من أعطى الأوامر لاغتيال المعارض الروسي، ألكسندر ليتفينينكو، في لندن في العام 2006. وتصاعدت حدة التوتر "السياسي" بين البلدين بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ومشاركتها في القتال في أوكرانيا، ومشاركة بريطانيا في فرض العقوبات الغربية ضد روسيا، وأخيراً بعد دعم روسيا للنظام السوري. كما اعتبرت وثيقة "مراجعات الدفاع الاستراتيجي والأمن 2015 " البريطانية أن "روسيا أصبحت أكثر عدوانية، وأكثر استعداداً لتقويض المعايير الدولية... وبات النظام القومي السلطوي القائم في موسكو تحدياً لقواعد الأمن الأوروبي والدولي". غير أن "الغضب" البريطاني، لم يصل إلى حد تعليق الحوار الاستراتيجي بين البلدين، والذي يشارك فيه وزراء الخارجية والدفاع، ويشمل مجالات التعاون الثنائي في قطاعات الطاقة، والتجارة والاستثمار، والعلوم والتكنولوجيا.
أولى ردود الفعل على هذا الخطاب جاء من ألمانيا، إذ رحب وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير "بالوضوح الأكبر نوعاً ما"، الذي قدّمته رئيسة الوزراء البريطانية بشأن الشكل الذي تريده لخروج بريطانيا. ولفت في بيان إلى أن ماي "أكدت أن بريطانيا العظمى تسعى إلى شراكة إيجابية وبناءة وصداقة مع اتحاد أوروبي قوي... وهذا شيء جيد". وأعلن أن ألمانيا تريد أيضاً أن تكون هناك علاقات أوثق وأكثر ثقة مع بريطانيا، لكنه كرر أن المفاوضات لا يمكن أن تبدأ إلا عندما تفعّل الحكومة البريطانية المادة 50 لبدء محادثات الخروج من الاتحاد.

المساهمون