تيران وصنافير: ضربة قضائية للسيسي واحتمال اللجوء للتحكيم

تيران وصنافير: ضربة قضائية للسيسي واحتمال اللجوء للتحكيم

17 يناير 2017
يعمّق الحكم من أزمة النظام المصري (العربي الجديد)
+ الخط -
تلقى نظام الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، ضربة قضائية موجعة بإصدار المحكمة الإدارية العليا، أمس، حكماً نهائياً باتاً غير قابل للطعن ببطلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية الموقعة في القاهرة أبريل/نيسان الماضي، وما يترتب عليها من تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة.

ضربة قضائية للسيسي
وعقب صدور الحكم عقد رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، جلسة مغلقة مع وزراء الخارجية والعدل والشؤون النيابية لمناقشة الموقف الحالي للاتفاقية، لا سيما بعدما أبلغت مصر بها الولايات المتحدة وإسرائيل رسمياً وتم الانتهاء من الترتيبات الأمنية لانتشار القوات الشرطية المصرية والسعودية والإسرائيلية في منطقة خليج العقبة وإيفاد مجموعات إضافية من قوات حفظ السلام لجزيرتي تيران وصنافير تأكيداً على نزع السلاح بهما، في ظل عدم توقيع معاهدات سلام بين إسرائيل والسعودية.
وقالت مصادر حكومية مطلعة، إن الحكومة اتخذت قرارات عدة للتعامل مع حكم الإدارية العليا، أولها أن تقيم هيئة قضايا الدولة (محامي الحكومة) دعوى تناقض جديدة أمام المحكمة الدستورية العليا بين أحكام القضاء الإداري والإدارية العليا من ناحية وبين محكمة الأمور المستعجلة من ناحية أخرى، مما يترتب عليه إحالة الحكم الصادر أمس ببطلان الاتفاقية إلى المحكمة الدستورية بدعوى وجود تناقض بينه وبين حكم محكمة مستأنف الأمور المستعجلة الصادر الشهر الماضي بوقف تنفيذ حكم القضاء الإداري وببطلان تعرض القضاء لأعمال السيادة.
وبذلك ستكون أمام المحكمة الدستورية دعويان لتناقض الأحكام في هذه القضية، فهي لا تزال تنظر دعوى تناقض سابقة أقامتها الحكومة بشأن حكم أول درجة، بعدما صدر حكمان متناقضان من القضاء الإداري والأمور المستعجلة؛ الأول يلزم الحكومة بالاستمرار في تنفيذ الحكم، والثاني يوقف تنفيذ الحكم ويعتبره منعدماً.


وأضافت المصادر، أن هناك طرحاً آخر أمام هيئة قضايا الدولة هو اللجوء لمحكمة الأمور المستعجلة المعروفة بإصدارها أحكاماً لصالح الحكومة، وأن تطلب منها (أو أن يطلب ذلك أحد المواطنين المدفوعين من الحكومة) وقف تنفيذ حكم الإدارية العليا، وهو أسلوب كانت الحكومة تتبعه لوقف أحكام الإدارية العليا خلال فترات الانتخابات البرلمانية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
وأوضحت المصادر أن الحكم لن يؤثر على سلطة البرلمان في إقرار الاتفاقية أو عدم إقرارها، لأن رئيس مجلس النواب ليس مختصماً في القضية، وبالتالي فإن الحكم ببطلان الاتفاقية لن يكون له محل من التنفيذ، وستصبح الكلمة الأخيرة للبرلمان، ولن يتمكن أحد من الطعن على ما يصدر منه إلاّ أمام المحكمة الدستورية العليا.
وذكرت المصادر، أن البرلمان يملك الاستمرار في مناقشة الاتفاقية، وإذا وافق عليها فسوف يكون محظوراً على محكمة القضاء الإداري أو الإدارية العليا المضي قدماً في نظر القضية، سواء في صورة الطعن المتداول حالياً أو أي دعاوى جديدة، لأن الهيئة القضائية المختصة بمراقبة القوانين هي المحكمة الدستورية العليا، والمعروفة ببطء نظر الدعاوى، ما قد يؤدي لتعطيل القضية لشهور أو سنوات.
وأكدت المصادر أن "أصعب ما يواجه الحكومة هو أن الحكم تضمن شأنه شأن حكم أول درجة مجموعة من العبارات التي يمكن أن تتخذ ذريعة لملاحقة السيسي والمسؤولين الحكوميين الآخرين باتهامات كالخيانة أو مخالفة الدستور". وأشارت إلى أن الخوف ليس من تأكيد ذلك قضائياً "لأن هذا الأمر لن يحدث"، لكن بسبب ما يتداول على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المقالات الصحافية ما يفقد السيسي ما تبقى له من شعبية، كما يضرب جذور شرعية نظامه.
وشددت المصادر على أن الحكومة، لهذا السبب، مصرة بشدة على إلغاء هذا الحكم بأي وسيلة، حتى إذا اقتضى ذلك رفع دعوى بطلان أصلية أمام المحكمة الإدارية العليا لإلغاء الحكم لأسباب ليست موضوعية، بل لأسباب تتعلق بمدى صلاحية المحكمة لنظر القضية.
وشرحت المصادر هذا السياق قائلة، إنه "يوجد رأي قانوني بعدم صلاحية دائرة فحص الطعون التي أصدرت الحكم لإصداره، لأنه يتعلق بمبدأ قضائي جديد، وكان يجب على هذه الدائرة إحالة القضية إلى دائرة الموضوع المكونة من أعضاء الدائرة ذاتها بالإضافة لرئيس مجلس الدولة لحسم القضية نهائياً، وهو ما لم يحدث". ولفتت إلى أن هيئة قضايا الدولة تبحث الإجراءات القانونية لهذه الخطوة. وأشارت المصادر إلى أن "هناك تخوفاً مصرياً من لجوء السعودية الآن أو في أي وقت للتحكيم الدولي، لا سيما أن الحكومة المصرية وافقت فعلياً على الاتفاقية ونقل ملكية الجزيرتين، وبالتالي فلن تكون هناك حجية لأي قرارات محلية مصرية سواء من البرلمان أو القضاء". من جهتها قللت المصادر الحكومية المصرية من شأن ما ذكرته حيثيات الحكم الصادر أمس رداً على احتمالات اللجوء للتحكيم. ولم يكد يصدر حكم المحكمة الإدارية أمس حتى برزت دعوات من عدد من المسؤولين والسياسيين السعوديين إلى طرح أزمة جزيرتي تيران وصنافير إلى التحكيم الدولي. 

حيثيات الحكم
وتمثل حيثيات الحكم، التي جاءت في 59 صفحة، تحدياً للحكومة وطعناً في كفاءتها ووطنيتها ونزاهتها. من ضمن ما قالته المحكمة: "ولا ريب أن الجزيرتين وما حولهما من المياه الإقليمية تملك مصر عليهما حقي الملكية والسيادة، وما ترى من تفاوت في ممارسة مصر سيادتها المذكورة، فإذا أرجعت الحكومة الطاعنة البصر لتقرأ التاريخ، فلن ترى من فطور أو إخلال أو تصدع أو شقوق، ثم إذا أرجعت البصر كرتين في جميع حقب تاريخ مصر للقول بإنكار سيادتها على الجزيرتين ينقلب إليها البصر خاسئاً وهو حسير".
ورداً على ما ذكرته الحكومة من أن الجيش المصري احتل الجزيرتين عقب حرب فلسطين، قالت المحكمة: "إنه احتلال بالمفهوم الميداني للجيوش على جزء من إقليمها وليس استيلاءً على أرض غير مملوكة له، وظاهر العبارة – كما أرادته الحكومة – تحمل سوءاً في القصد أو معنى غير مقصود فنياً، ذلك أن لفظ احتلال في عرف الجيوش هو الانتشار أو السيطرة وهو لفظ – كما سلف البيان – يطلقه الجيش على عملياته العسكرية داخل أرضه ويختلف اختلافاً جوهرياً عن احتلال الأرض والأوطان للغاصب الذي عانى منه الشعب المصري عقوداً ودفع جيشه وشعبه ثمناً غالياً من دمه الذي ارتوى بأرضه في حروب انهزم وانتصر ليبقى على حدوده ويرد عنها كل عدوان ولا يسوغ لنعت تصرفه بالاحتلال بمجرد إخطار دولة مجاورة بأنه يتم السيطرة على الجزيرتين بحسبان ذلك لا يخرج عن كونه إخطاراً، وهو أمر متعارف عليه بين جيوش الدول حال إجراء مناورتها أو القيام بأعمال مشابهة، خصوصاً أن مستندات الطعن قد أفصحت دوماً على أن مصر تستحوذ على الجزيرتين من تاريخ سابق، أخذاً في الاعتبار أن مستندات الطعن خلت من أية وثيقة مكتوبة باتفاق دولي بالمعنى السالف الإشارة له بين دولتي مصر والمملكة العربية السعودية يُنبئ على أن الجزيرتين كانتا ضمن الحدود السياسية أو الجغرافية للدولة الأخيرة، ولا يسوغ بناءً على محض افتراض أن تُتخذ إجراءات تتصل بالتنازل عن الأراضي المصرية أو عن السيادة عليها إلى دولة أخرى، ولا يكفي لتبرير هذا الأمر واقعة صدور خطاب من حكومة مصر للسعودية يشير فيه إلى أنها سوف "تحتل" الجزيرتين، فالأمر في عقيدة المحكمة لا يخرج عن كونه تصرفاً نبيلاً من مصر يتمثل في إخطار أقرب دولة عربية جارة لها بإجراء عسكري ستقدم عليه لبث الطمأنينة لديها في ظل أن سواحل تلك الدولة مهددة من أي هجوم محتمل من اللنشات والقطع البحرية الإسرائيلية".
وبتطبيق ثبوت دخول الجزيرتين ضمن الأراضي المصرية على مواد الدستور، أوضحت المحكمة أن "الدستور المصري رسخ مبدأ سيادة الشعب في أعلى صورة فحظر أي التزام دولي على الدولة في ما يتعلق بهذه الأنواع من المعاهدات إلا بعد أخذ موافقة الشعب صاحب السيادة ومصدرها، فالتصديق وهو من سلطة رئيس الجمهورية مشروط بموافقة الشعب عبر استفتاء واجب، وفيه يحل الشعب محل السلطة التي تقوم مقامه بالتشريع والرقابة. وعلى رئيس الجمهورية أن يخاطب الشعب مباشرة طالباً رأيه الفاصل والملزم في أية معاهدة محلها الصلح أو التحالف أو تتعلق بحقوق السيادة". وبحسب المحكمة فإن "الترتيب المنطقي للأمور أن يتوجه رئيس الجمهورية إلى الشعب طالباً رأيه، فإن أجاب طلبه بالموافقة استكملت إجراءات الاتفاق الدولي، وإن كان له رأي آخر زال أي اتفاق أو إجراء سابق تم اتخاذه".
وأضافت أن "التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة أو إبرام معاهدة تخالف أحكام الدستور المصري، فرادى أو مجتمعة، تعد من الأمور المحظور إبرام أي اتفاق دولي بشأنها ولا تعرض على الشعب الذي أعلن إرادته عبر دستوره، وحاصله إنه لا يقبل التنازل عن أي جزء من الأرض أو مخالفة أي حكم من أحكام الدستور الذي يمثل الوعاء الأصيل للنظام القانوني الحاكم من ناحية والضمان الوحيد لاستقرار نظام الحكم من ناحية أخرى".
واستطردت المحكمة: "لا مرية إنه بموجب الحظر الدستوري المذكور يمتنع على كافة سلطات الدولة التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة وتلحق ذات الصفة بأي إجراء سابق لم يراع الحدود الدستورية السارية حال إصداره، وبهذه المثابة يكون توقيع رئيس الوزراء على الاتفاق المبدئي - حسب التعبير الجهة الإدارية الطاعنة – بتعيين الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية متلحفاً برداء غير مشروع في اتفاقية تبدو كأعجاز نخل خاوية، فليس لها في الحق من باقية. وبنص المادة (197) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب سالفة البيان تحدد الاختصاص واستقام تخومه وهو يؤكد بقطع القول، إن تغييراً في الاختصاص لسلطات الدولة قد ولد من رحم الدستور الساري، وأضحت يد مجلس النواب هي الأخرى بنص الدستور والقانون معاً مغلولة ومحظورة عليه مناقشة أية معاهدة تتضمن تنازلاً عن جزء من إقليم الدولة ومنها الجزيرتان محل الطعن الماثل، وما يخالف ذلك من جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية هو والعدم سواء".
وانتهت المحكمة إلى أنه قد وقر في يقينها أن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع به بأدلة دامغة استقتها المحكمة من مصادر عدة وممارسات داخلية ودولية شتى قطعت الشك باليقين بأنهما خاضعتان لسيادتها – وحدها دون غيرها – على مدار حقبٍ من التاريخ طالت، وأن دخول الجزيرتين ضمن الإقليم المصري ما انفك راجحاً يسمو لليقين من وجهين؛ أولهما أن سيادة مصر عليهما مقطوع بها على ما سلف بيانه، وثانيهما ما وقع تحت بصر المحكمة من مستندات وبراهين وأدلة وخرائط تنطق بإفصاح جهير بوقوعهما ضمن الإقليم المصري على نحو ما سطرته المحكمة في أسباب حكمها، الأمر الذي يحظر معه، على كافة سلطات الدولة، بل والشعب ذاته بأمر الدستور، إبرام ثمة معاهدة أو اتخاذ إجراء يؤدي إلى ضم الإقليم المصري على نحو ما إبرامها ويكون سبيلاً للتنازل عنهما.

المساهمون