"اللعنة الروسية" تلاحق رئاسة ترامب: جنس وتجارة وتبادل معلومات

"اللعنة الروسية" تلاحق رئاسة ترامب: جنس وتجارة وتبادل معلومات

12 يناير 2017
شبه ترامب ما يحدث له بأساليب الاستخبارات النازية(سبنسر بلات/Getty)
+ الخط -
هي "اللعنة الروسية" كأنها تلاحق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، عشية تسلمه مفاتيح البيت الأبيض. "ترامب ليكس"، أو الوثائق المسربة حول فضائح ترامب وفريقه في ما يتعلّق بروسيا، تجارياً وجنسياً واستخباراتياً، أصبحت تجعل من احتمال عدم تمكن من يحلو لكثيرين تسميته بـ"الرئيس ــ الفضيحة" من الحكم في 20 يناير/كانون الثاني الحالي، فرضية محتملة أكثر من أي يوم مضى، خصوصاً أن الملف صار بعهدة تحقيقات وكالة الاستخبارات الفدرالية (أف بي آيه)، وكأن الموضوع صار يتعلق بالأمن القومي الأميركي، لا بمجرد مخالفات قام بها الرئيس المنتخب، منذ سنوات، ولا قضية فانتازمات جنسية صارت معروفة في شخصية الرجل. فهل تصدق نبوءة المخرج الأميركي المثير للجدل، مايكل مور، والذي سبق أن "تنبّأ" بفوز ترامب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، واليوم يتوقّع عدم تمكن ترامب من تسلم السلطة؟

وكشفت يوم أمس، معلومات جديدة وتفصيلية عن الدعم الروسي لترامب. المعلومات التي ألحقت مختصرة بتقرير استخباراتي أميركي سلم للرئيس الأميركي، باراك أوباما، ولترامب نفسه، الأسبوع الماضي، تضمنت تورط "رجال ترامب" بالتنسيق المباشر مع الروس في حملتهم ضد المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، إضافة إلى عروض استثمارية قدمها الروس إلى ترامب، وفضائح جنسية، يُعتقد أن الروس قد يستخدمونها ضده، في حال عدم الإيفاء بوعود رفع العقوبات الأميركية عن موسكو. ومن ينتبه لطبيعة الهستيريا التي طبعت ردود ترامب على "الفضيحة"، وعصبيته في تكذيب محتواها، يدرك أن الرجل يشعر بفداحة الأمر، وبخطورته، واحتمال تأثيره على مستقبله السياسي الذي سيبدأ، أو يفترض أن يبدأ، في العشرين من الشهر الحالي، خصوصاً بعدما قدم السيناتور الجمهوري، جون ماكين، الملف إلى مكتب التحقيقات الفدرالية.

وقد نفى ترامب وجود أي علاقة بينه وبين الروس. وقال يوم أمس "كان على أجهزة الاستخبارات عدم السماح بتسريب هذه الأخبار المزورة". وشبّه ما يحدث له بأساليب الاستخبارات الألمانية، متسائلاً: "هل نعيش في ألمانيا النازية؟"، مضيفاً "لا علاقة لي بروسيا. لا صفقات، ولا ديون، ولا شيء".


وتضمن التقرير الاستخباراتي المسرب يوم أمس معلومات عن "خدمات" متبادلة بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين وترامب، إذ قام الأخير بتسريب معلومات عن استثمارات وأملاك كبار رجال الأعمال الروس في الولايات المتحدة إلى موسكو، إضافة إلى وعود برفع العقوبات عن روسيا حال انتخابه رئيساً للولايات المتحدة. وأشار أحد مصادر التقرير الاستخباراتي إلى أنه "يخشى أن يكون ترامب قام بتسريب معلومات عن نشاطات رجال أعمال روس وعائلاتهم وأملاكهم في الولايات المتحدة. المعلومات التي يُعتقد أن بوتين قد حصل عليها فعلاً". كما أن ترامب قام عن عمد بتهميش "المسألة الأوكرانية" خلال حملته الانتخابية، في مقابل تشكيكه بحلف شمال الأطلسي، الخطوة التي يُعتقد أنها كانت لصالح بوتين، وبطلب من الكرملين. وجنّدت الاستخبارات الروسية مواطنين أميركيين من أصول روسية، أو من لهم أقارب في روسيا. كذلك قامت بـ"الابتزاز" و"الإغراء المادي" لتحقيق أهدافها. وإضافة إلى استخدام هجمات "السايبر" وتسريب الوثائق التي اعتمدتها روسيا لضرب حملة كلينتون، استخدم الروس الطرق التقليدية لتجنيد العملاء، باعتماد الإغواء الجنسي والمالي، إضافة إلى الإكراه والتهديد. وعمدت الاستخبارات الروسية، بحسب التقرير، إلى استهداف أربع فئات بعمليات "السايبر"، هي "استهداف الأجانب، خصوصاً الحكومات الغربية، واختراق معلومات ذات علاقة بالشركات الأجنبية واستثماراتها، والتجسس على النخب المحلية الروسية، ومهاجمة المعارضين الروس في الداخل وعبر الحدود".

رعاية "قديمة" لترامب

ويكشف التقرير، والذي جمع معلوماته "عنصر استخباراتي بريطاني موثوق" بحسب أجهزة استخبارات أميركية، عن رعاية كاملة وقديمة لترامب من "خدمة الأمن الاتحادية" في روسيا (FSB)، في علاقة امتدت لأكثر من خمس سنوات. بل حمل التقرير تلميحات إلى احتمال أن يكون ترامب "صناعة" روسية خالصة، لبث الانقسام في "المعسكر الغربي". وكشف التقرير أن النظام الروسي "رعى ودعم وساعد ترامب لخمس سنوات على أقل تقدير. وتبنى بوتين ترامب وشجعه بهدف تقسيم المعسكر الغربي". لكن هذا الدعم لم يكن مجرداً من المخاطر بالنسبة إلى ترامب نفسه، إذ إنه بقدر ما امتلكت أجهزة الاستخبارات الروسية ملفات عن هيلاري كلينتون، فهي تمتلك عن ترامب، وتستطيع ابتزازه في أي وقت، الأمر الذي ألمح إليه مسؤولون روس خلال اجتماعهم مع "رجال ترامب".

استثمارات وابتزاز جنسي

ويفيد التقرير بأن الكرملين عرض على ترامب فرصاً استثمارية في روسيا، موضحاً أنه "عُرضت على ترامب استثمارات عدة عقارية مربحة في روسيا، تتعلق بعقود تطوير عقاري، خصوصاً تلك التي ترتبط بتنظيم كأس العالم في 2018"، لكن التقرير يضيف أن ترامب لم يقدم على الاستفادة من هذه الفرص، وقد "رغب ترامب بجعل استثماراته في روسيا بحدها الأدنى". ويرجح أن يكون هذا بسبب رغبته في استمرار الدعم الاستخباراتي الروسي له، من وراء الستار، من دون أن تضخم علاقته الاستثمارية العلنية بموسكو، على الرغم من دراسته الجادة لفرص الاستثمار العقاري في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية. لكن تحفظ ترامب "الاستثماري" لم يمنعه من الإقدام على "مغامرات جنسية"، إذ يفيد التقرير بأن "خدمة الأمن الاتحادية" الروسي قامت بتنظيمها ومراقبتها. ويذكر أن ترامب طلب الإقامة في الجناح الذي سكن فيه الرئيس الأميركي، باراك أوباما وزوجته في فندق "ريتز كارلتون" في موسكو، وقام بمشاهدة "عرض جنسي شاذ"، قامت به مجموعة من الفتيات، على السرير الذي يعتقد أن أوباما وزوجته ناما عليه خلال رحلتهما إلى موسكو.

رجال ترامب... رجال روسيا

أخطر ما يذكره التقرير بالتفاصيل أسماء المقربين من دونالد ترامب وحملته الانتخابية، وكانوا حلقة الاتصال المباشرة بينه وبين الروس. وتضمّنت هذه الأسماء الجنرال مايكل فلين، والذي رشّحه ترامب ليكون مستشار الأمن القومي، إضافة إلى بول مانافورت، والذي كان يدير حملة ترامب الانتخابية حتى أغسطس/آب 2016، إذ استقال آنذاك عندما كشفت تقارير استخباراتية تورطه في قضايا فساد في أوكرانيا لها علاقة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، بالإضافة إلى تاريخه المعروف بعمله في جماعات ضغط لصالح موسكو. ومن الأشخاص الذين كانوا حلقة وصل بين ترامب والروس أيضاً، مستشاره للسياسة الخارجية خلال الحملة الانتخابية، كارتر بيج، والذي عمل سابقاً في الاستشارات لشركات النفط، ومحامي ترامب، مايكل كوهين، والذي التقى بشكل متكرر بمسؤولين روس. وهنا الحديث عن مستويات متقدمة من التنسيق، تتضمن لقاءات مباشرة مع مسؤولين روس، ومناقشة سياسات أميركا المستقبلية، إضافة إلى القصة الرئيسية، كيفية الإطاحة بهيلاري كلينتون. وتفيد مصادر رجل الاستخبارات البريطاني بوجود "مؤامرة" طورت بالتدريج بين "رجال ترامب" والإدارة الروسية، تولّى إدارتها مدير حملة الرئيس الأميركي الانتخابية، بول مانافورت، والتي كشف بيج عن بعض تفاصيلها بقوله إن "لدى الطرفين مصلحة متبادلة في هزيمة مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون التي يخشاها ويكرهها كل من بوتين وترامب".

وتضمنت علاقات "رجال ترامب" بالروس، زيارات إلى موسكو، إذ زار بيج موسكو والتقى بالسياسي الروسي المقرب من بوتين، إيغور سيتشين. ويشير التقرير إلى نقاشات دارت بين سيتشين وبيج تتعلق بالسياسات الأميركية المستقبلية تجاه روسيا في حال فوز ترامب. وتضمّنت هذه النقاشات مواضيع تتعلق بـ"رفع العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا بسبب المسألة الأوكرانية"، بالإضافة إلى التعاون في مجال صناعات الطاقة. وخلال هذه اللقاءات، بحسب ما يشير التقرير، قام المسؤول في الاستخبارات الروسية، إيغور ديفيكن، بعقد لقاء مع بيج في يوليو/تموز 2016 تحدث خلاله عن "ملفات الفضائح المتعلقة بهيلاري كلينتون"، كما أنه "ألمح" إلى أن "القيادة الروسية تملك ملفات فضائحية ضد ترامب، الرسالة التي يجب أن تستحضر عند عقد أي اتفاق". وأشار التقرير إلى أن محامي ترامب، مايكل كوهين، زار العاصمة التشيكية براغ، في أغسطس/آب 2016، والتقى بالمسؤول المقرب من الرئيس الروسي، كونستانتين كوساتشيف. وكان هدف لقاء براغ "احتواء تداعيات انكشاف علاقة رئيس حملة ترامب الانتخابية بول مانافورت بالروس". وكان مانافورت قد تورط في فضيحة تمويل روسيا غير المباشر لترامب، عن طريق أموال استلمها مانافورت من رئيس أوكرانيا، فيكتور يانوكوفيتش، والذي أكد مراراً لبوتين عدم وجود دليل على دفعه الأموال لمانافورت، إلا أن بوتين لم يثق به تماماً.
أما الفضيحة الجنسية المفترضة التي تورّط بها ترامب، فيشير التقرير إلى أن تفاصيلها لدى رجل الأعمال الروسي آراز أغالاروف، المقرب من ترامب، والذي يعرف تفاصيل رحلات الرئيس الأميركي الجديد المتكررة إلى سانت بطرسبرغ. ويشير التقرير إلى أن الشهود في فضائح ترامب الجنسية في بطرسبرغ "تم إسكاتهم بالرشوة أو إرغامهم على الاختفاء". وورد في التقرير اسم مايكل فلين باعتباره أحد السياسيين الأميركيين الذين موّلت روسيا كامل زياراتهم إلى موسكو، لاستمالتهم للعمل لصالحها. لكن المفاجأة هنا ورود أسماء سياسيين أميركيين من خارج دائرة ترامب، مثل رئيسة حزب الخضر، المعادية له، جيل ستاين، باعتبارها أحد السياسيين الأميركيين الذين تم تمويل زيارتهم إلى موسكو.

عملاء الكرملين في معسكر الديمقراطيين

ويفيد التقرير بأن الاستخبارات الروسية استعانت بثلاثة عناصر للإطاحة بكلينتون، تضمّنت الاستعانة بـ"موظفين وعملاء يعملون في الحزب الديمقراطي نفسه"، إضافة إلى "مهاجرين روس قاموا بشن هجمات سايبر من داخل الأراضي الأميركية"، وإلى "هجمات سايبر ممولة من الدولة، وتعمل من روسيا". كل هذه الوسائل استخدمت بالتوازي لحيازة وتسريب معلومات عن معسكر كلينتون، وتم إيصالها مبكراً إلى ترامب، ونشرها إعلامياً، من أجل تقليص حظوظها بالفوز في الانتخابات. ويشير التقرير إلى وجود معلومات إضافية لدى الروس، عن هيلاري كلينتون، لم يقوموا بتسريبها حتى الآن، خصوصاً تلك التي حصلوا عليها من خلال التنصت على كلينتون أثناء زيارتها روسيا، والتي تضمنت "إدلاءها بتصريحات تتناقض مع موقفها الحالي في العديد من المسائل"، في إشارة إلى موقفها المعادي لموسكو بشكل جذري، خصوصاً في المسألة الأوكرانية.

مصادر التقرير

بالتأكيد لم يحدّد التقرير المصادر التي استقى منها رجل الاستخبارات البريطاني معلوماته، إلا أن الإشارات التي تركت فيه تدل على شخصيات مهمة في المشهد، وقريبة من الكرملين، وحملة ترامب الانتخابية. وتم تعريف أحد المصادر باعتباره "موظفاً رئيسياً سابقاً في وزارة الخارجية الروسية"، وآخر على أنه "موظف رئيسي في الاستخبارات الروسية"، إضافة إلى "مساعد مقرب من ترامب وأحد منظمي زيارته إلى موسكو أخيراً". كذلك اعتمد التقرير على لقاءات مع "مسؤول في الكرملين"، إضافة إلى "أميركي من أصول روسية يعمل في الحزب الجمهوري ومقرب من ترامب". الحديث بالتفصيل عن تنسيق حملة ترامب مع الروس في مواجهة كلينتون يعيد إلى الأذهان بصورة مباشرة طلب ترامب من الروس أثناء حملته الانتخابية "تسريب الوثائق" التي تم الاستيلاء عليها من البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون. واعتبر خطابه آنذاك استدعاء لتدخل أجنبي في الانتخابات الأميركية، بينما اعتبره معسكر ترامب "زلة لسان" يبدو أنها اليوم، بعد كشف تفاصيل علاقة ترامب بالروس، كانت "رأس جبل الجليد".

المساهمون