السعودية 2016: تصعيد مع إيران وعلاقات "باردة" مع أميركا

السعودية 2016: تصعيد مع إيران وعلاقات "باردة" مع أميركا

01 يناير 2017
2016 سنة صاخبة في السعودية (بندر الجالود/الأناضول)
+ الخط -


كانت 2016 سنة صاخبة في السعودية منذ أول أيامها، عندما أعدمت الرياض 47 شخصاً بتهم تتعلّق بـ"الإرهاب"، الخطوة التي قادت لاحقاً إلى قطع العلاقات مع إيران.

كذلك شهدت 2016 كثافة للمناورات العسكرية والأمنية التي أجرتها السعودية، أو شاركت فيها لتعزيز حضورها العسكري في المنطقة، فضلاً عن "التأزم الحذر" للعلاقات السعودية – الأميركية على إيقاع إقرار قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" أو "جاستا" بعد الخلافات حول الموقف الأميركي من إيران. وشهدت المملكة أيضاً إقرار برامج تحولها الاقتصادي، تزامناً مع هبوط أسعار النفط، وذلك عبر خطط التحوّل الوطني 2020 و"رؤية 2030".


قطع العلاقات مع طهران

في الثاني من يناير/كانون الثاني 2016، نفذّت الرياض أحكاماً بإعدام 47 شخصاً بتهم تتعلّق بـ"الإرهاب" والمساس بالأمن. وكان أغلب من نفذّت بهم الأحكام من المنتمين إلى تنظيم "القاعدة"، باستثناء أربعة مواطنين شيعة على رأسهم رجل الدين نمر النمر، والذين اتهموا أيضاً بـ"الإرهاب"، بحسب وزارة الداخلية.

بعد تنفيذ الإعدامات، استنكرت إيران إعدام النمر، ووصف المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية حسين جابر أنصاري ما حصل بـ"السياسة اللامسؤولة للحكومة السعودية"، متوعّداً بأنّ المملكة "ستدفع بسببه ثمناً باهظاً". واستدعت إيران القائم بأعمال السفارة السعودية في طهران، للاحتجاج على عملية الإعدام.

خرجت تداعيات الشجب والاستنكار الإيراني عن السيطرة، فتم تنظيم مظاهرات أمام السفارة السعودية في طهران، وقنصليتها في مشهد، الخطوة التي نتج عنها اقتحام المتظاهرين للمقار الدبوماسية السعودية.

رفضت الرياض المواقف السياسية الإيرانية، واعتبرتها تدخلاً في شؤونها الداخلية، لكن اقتحام المقار الدبوماسية كان "خطاً أحمر" وفق الاتفاقيات الدبلوماسية الدولية، فقامت الرياض بإعلان قطع علاقتها مع طهران في يناير/كانون الثاني الماضي، الخطوة التي دعمتها دول الخليج (باستثناء عُمان) فقامت بتخفيض تمثيلها الدبلوماسي في إيران أو قطع علاقتها معها، كما فعلت البحرين. وتفاعلت مع هذه الخطوة دول عربية وإسلامية، في محاولة سعودية لعزل إيران في المنطقة، فتمت إدانة إيران خليجياً عبر مجلس التعاون، وإسلامياً عبر منظمة التعاون الإسلامي.

مناورات عسكرية

نظّمت السعودية وشاركت في العديد من المناورات العسكرية والأمنية، لرفع جهوزية قواتها المسلحة، وحرصت على إبراز هذه المناورات إعلامياً، تزامناً مع توتر علاقتها مع طهران.

فنظمت الرياض ما بين فبراير/ شباط، ومارس/ آذار الماضي، مناورات "رعد الشمال"، والتي وصفت بالأكبر في المنطقة بمشاركة 20 دولة. كذلك شاركت في المناورات الأمنية الخليجية التي نظمتها البحرين في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وقامت السعودية بإجراء مناورات مع تركيا والصين وباكستان ودول أخرى، إضافة إلى إجرائها منفردة مناورات بحرية في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز وبحر العرب، تحت مسمى "درع الخليج 1" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

مثلت هذه المناورات امتداداً لإبراز السعودية إمكاناتها وقدراتها العسكرية، منذ الإعلان عن عمليات "عاصفة الحزم" في مارس/آذار 2015. وقُرأت المناورات العسكرية التي نظمتها أو شاركت فيها السعودية لاحقاً، باعتبارها رسائل إلى المنظمات التي تستهدف السعودية، وعلى رأسها تنظيما "الدولة الإسلامية" (داعش) و"القاعدة"، إضافة إلى إيران.




علاقات "باردة" مع أميركا

شهد عام 2016 استمراراً في "التأزم الحذر" للعلاقات السعودية – الأميركية، في سياق إدارة الرئيس باراك أوباما، ورغبته في الانفتاح على طهران، من دون الالتزام بما تريده المملكة من الولايات المتحدة، وهو مواجهة التمدّد الإيراني في المنطقة العربية.

وإذا كان غياب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، عن محادثات كامب ديفيد في مايو/أيار 2015، والمخصصة للاتفاق الإيراني وانعكاساته على الخليج، هو ذروة العلاقة الباردة السعودية – الأميركية، فإنّ إقرار الكونغرس الأميركي قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" أو "جاستا"، والذي اعتبر استهدافاً للسعودية، كان ذروة تأزم العلاقة السعودية – الأميركية في 2016.

قانون "جاستا" الذي يمهّد الطريق لمحاكمة متورطين في استهداف الأراضي الأميركية أو المواطنين الأميركيين، بدءاً من أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، أثار الكثير من النقاشات باعتباره ينتهك القانون الدولي، حتى إنّ أوباما استخدم ضده حق النقض "الفيتو" إلا أنّ الكونغرس أعاد التصويت عليه، وتم تمريره بأغلبية الثلثين في مجلس النواب.

يسمح القانون للمحاكم الأميركية بالنظر في قضايا ضد دول من دون الالتزام بمبدأ "الحصانة السيادية". وتتوجّه الأنظار إلى السعودية بسبب رفع مواطنين أميركيين قضايا ضدّها تتعلق بهجمات سبتمبر/ أيلول، القضايا التي كسبتها السعودية بسبب "الحصانة السيادية".

ومع تأكيدات مسؤولين أميركيين، أبرزهم رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" جون برينان، عدم وجود علاقة بين أحداث سبتمبر والسعودية، ونشر أوباما 28 ورقة محجوبة من تقرير لجنة التحقيق في أحداث سبتمبر، والتي لم تأتي بجديد بخصوص المملكة، إلا أنّ الرياض، ودولاً أخرى، واصلت الاحتجاج على "جاستا".

ولوّحت السعودية على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير، بأنّها قد تقوم بسحب استثماراتها من الولايات المتحدة، باعتبارها دولة غير آمنة استثمارياً، كأحد تداعيات إقرار القانون.

ومن المتوقع أن يقوم الكونغرس بإعادة صياغة القانون خلال الفترة المقبلة، من دون أن يوضح حجم تلك التعديلات المتوقعة وأثرها، إلا أنّ التعديلات تأتي لتلافي أي مخاطر قد يسبّبها القانون للمصالح الأميركية.

التحوّل الاقتصادي

مع هبوط أسعار النفط ابتداء من 2014، بدأت دول الخليج العربي، والتي تعتمد النفط مصدراً أساسياً للدخل، إقرار خطط تقشفية، شملت رفع الدعم عن الطاقة، وبعض السلع، إضافة إلى إقرار بعض الرسوم والضرائب الإضافية.

السعودية لم تشذ عن محيطها في هذا الإطار، إلا أنّها وضعت إجراءاتها التقشفية في إطار أوسع. فبدلاً من إعلان خطط تقشف، أعلنت المملكة خطة أوسع لتنويع مصادر الدخل، وعدم اعتماد النفط شرياناً وحيداً للحياة.

وأعلنت الخطة على مرحلتين، الأولى قصيرة المدى، وتعرف بخطة "التحوّل الوطني 2020"، والتي تحدد السياسات الاقتصادية للمملكة لأربع سنوات قادمة، أما الخطة الثانية فمتوسطة المدى، تحت عنوان "رؤية 2030".

وتضمنّت الخطط إجراءات تقشفية صارمة، مثل إلغاء بدلات ومميزات مالية للموظفين، ورفع الدعم عن الطاقة، إضافة إلى تضييق نطاقات الإنفاق الحكومي، ما أضر بشركات خاصة، خاصة في قطاع المقاولات، إضافة إلى تأثيرات هذه الخطوة على المواطنين.

وعلى الرغم من ذلك أعلنت الحكومة السعودية، بالتوازي مع ميزانيتها للعام القادم، عن برنامج "حساب المواطن"، والذي تهدف من خلاله إلى تقديم دعم للمواطنين من ذوي الدخل المحدود، والمتوقع تضرّرهم من خطط التحوّل الاقتصادي.