مصر: إقرار مشروع قانون ﻻستمرار التحفظ على أموال اﻹخوان

مصر: إقرار مشروع قانون ﻻستمرار التحفظ على أموال اﻹخوان

10 سبتمبر 2016
يحاكم قادة "الإخوان" منذ 2013(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
تكشف مصادر حكومية مصرية عن أن مجلس الوزراء برئاسة شريف إسماعيل، أقرّ مشروع قانون لإنشاء لجنة جديدة للتحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعات والكيانات الإرهابية والمنتمين إليها. وينص المشروع على أن تحل هذه اللجنة بدلاً من لجنة إدارة أموال "الإخوان المسلمين"، القائمة حالياً، مع تحصينها قضائياً من أي قرار بحلها، ومنع محاكم القضاء الإداري التي أصدرت مئات الأحكام على مدار عامين ببطلان التحفظ على أموال "الإخوان"، من الطعن بقرارات اللجنة الجديدة.

وينص مشروع القانون الجديد الذي حصلت عليه "العربي الجديد" على أن تكون لجنة التحفظ على الأموال "قضائية وليست إدارية"، ما يرفع يد محاكم مجلس الدولة عن نظر الدعاوى الخاصة بها. وهو ما تعتبره مصادر قضائية التفافاً واضحاً على أحكام القضاء الإداري الصادرة ببطلان تشكيل لجنة أموال "الإخوان"، القائمة حالياً، وكذلك مخالفة صريحة لأحكام الدستور وبصفة خاصة المادة 190 التي تنص على اختصاص مجلس الدولة وحده بنظر جميع المنازعات الإدارية.

وتسعى الحكومة من خلال هذا المشروع إلى استمرار التحفظ على أموال جماعة "الإخوان" والجمعيات والأشخاص المتهمين بالانتماء إليها، فضلاً عن قطع الطريق أمام صدور أحكام جديدة من القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا ببطلان التحفظ على هذه الأموال. كذلك تسعى إلى استباق حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى المرفوعة إليها لتقرير ما إذا كانت أحكام محكمة القضاء الإداري أم أحكام محكمة الأمور المستعجلة هي الواجبة النفاذ في ما يتعلق بقرارات التحفظ.

ويكشف اعتماد الحكومة السريع هذا المشروع الذي أرسله وزير العدل، حسام عبد الرحيم، إلى رئيس الوزراء قبل نحو أسبوع، عن نية النظام الحاكم عدم تخفيف القيود التي فرضها على حركة "اﻹخوان" والمقربين منها، منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، منتصف 2013.

وامتداداً للعلاقة الودية بين لجنة التحفظ على الأموال ومحكمة الأمور المستعجلة (التي كانت قد أصدرت أول حكم باعتبار الإخوان جماعة إرهابية عام 2013، والذي تستند إليه الحكومة في قرارات التحفظ)، يأتي المشروع الجديد ليجعل محكمة الأمور المستعجلة تتولى النظر بالطعون على قرارات اللجنة خلال ثمانية أيام من صدورها، على أن يكون الطعن على الحكم أمام محكمة مستأنف الأمور المستعجلة.

وهذه المرة الأولى التي يسند فيها المشرع المصري إلى محكمة الأمور المستعجلة نظر أي قرارات إدارية، وذلك بالمخالفة للمادة 190 من الدستور، وبالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية الذي يعتبر الأحكام الصادرة من محكمة الأمور المستعجلة ذات صفة مؤقتة، ينتهي أثرها بصدور أحكام من دوائر الموضوع.

ويضع المشروع تعريفات جديدة للأشخاص والكيانات الإرهابية، لكنها تتسم بالعمومية وعدم التحديد قياساً بالتعريفات المذكورة في قانوني الكيانات الإرهابية ومكافحة الإرهاب اللذين أصدرهما رئيس النظام المصري، عبدالفتاح السيسي، العام الماضي. وهو ما يسمح بتطبيق مواده على أي شخص مشكوك بانتمائه لأي جماعة يصدر حكم بوصفها إرهابية، على الرغم من أن العبرة يجب أن تكون بعلم الشخص بارتكاب الجريمة وليس بمجرد انتمائه لأي جماعة. 

ويعرف المشروع الجماعة الإرهابية بأنها "أي شخص اعتباري يصدر حكم قضائي باعتباره إرهابياً، سواء اتخذ شكل جمعية أو جماعة أو تنظيم أو ما يماثله من الأشكال أو يرتبط به أو يقدم له المساعدة، سواء كان يباشر أنشطته في الداخل أو الخارج". ويعرف الكيان الإرهابي باعتباره "أي مجموعة من الأشخاص ترتبط بشكل سياسي أو ثقافي أو اجتماعي؛ تباشر بطريق مباشر أو غير مباشر نشاطاً إرهابياً أياً كانت صورته، ويصدر بشأنهم حكم قضائي". ويعرف الشخص الإرهابي بوصفه "كل شخص طبيعي انضم إلى جماعة أو كيان أو مؤسسة أو تنظيم إرهابي، أو باشر هذا النشاط بمفرده بموجب حكم قضائي".

وفي المادة الثانية يجعل المشروع اللجنة الجديدة الموصوفة بـ"القضائية" هي "المختصة دون غيرها باتخاذ كافة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة باعتبار جماعة أو كيان أو شخص إرهابي يمارس نشاطاً إرهابياً أياً كانت الصورة التي تتم من خلالها ممارسة النشاط".

وتتشكل اللجنة من سبعة قضاة بمحاكم الاستئناف، ويختارهم وزير العدل، ويصدر قرار بتعيينهم من رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى. وهذا يعني أن اللجنة ستستمر كما هي، أي تابعة لوزير العدل عملياً، لا سيما مع النص على انعقاد اجتماعاتها داخل الوزارة أيضاً، وكل ذلك يتسم بمخالفة واضحة لما ينص عليه المشروع حول استقلالية تلك اللجنة.

ويسلب المشروع الجديد اختصاص المحاكم المعقود لها دستورياً منذ عام 1923 بإصدار قرارات التحفظ على الأموال. ويسنده إلى هذه اللجنة، إذ ينص على أن "تصدر اللجنة قراراً مسبباً بالتحفظ على الأموال، وذلك بعد سماع أقوال ذوي الشأن ومن ترى لزوم سماعهم بعد تحليفهم اليمين القانونية. ويكون القرار الصادر من اللجنة واجب التنفيذ فور صدوره في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار"، وفق ما ورد في مشروع القانون الذي يسند إلى اللجنة، بدلاً من المحاكم، سلطة تعيين القائمين على إدارة الأموال المتحفظ عليها.

ويستخدم المشروع ألفاظ "التحفظ، التصرف، المصادرة" بدلاً من مصطلح "التجميد" الذي يستخدمه قانون الكيانات الإرهابية في وصف عقوبة التحفظ على أموال الإرهابيين والجماعات الإرهابية. كذلك يتعامل مع جميع أموال الإرهابيين والجماعات، على عكس قانون الكيانات الإرهابية الذي يسمح فقط بتجميد الأموال التي تم استخدامها في الغرض الإرهابي. ويسمح المشروع، في المادة الحادية عشرة، للنيابة العامة - لأول مرة - بأن تطلب من اللجنة التحفظ على أموال أشخاص قيد التحقيق. وهذه المادة تتضمن مخالفتين دستوريتين؛ الأولى الاستيلاء على سلطة المحاكم في التحفظ على الأموال، والثانية السماح بالتحفظ على أموال شخص قيد التحقيق لم تتم إدانته بعد، وليس مجرد منعه من التصرف في أمواله. إذ إن التحفظ يستتبعه في جميع الأحوال تسليم الأموال لجهة معينة (تكون في الغالب شركة قابضة أو تابعة في قطاع الأعمال العام) لتديرها طوال مدة التحفظ.

وإمعاناً في التنكيل بالأفراد المتحفظ على أموالهم، ينص المشروع على منعهم من التصرف في أي حقوق عينية خاصة بهم من خلال الشهر العقاري. أي أن التحفظ سيشمل الأموال والعقارات الظاهرة وكذلك الحقوق العينية الأخرى وما قد يكون المتحفظ عليه بصدد الحصول عليه مستقبلاً. وتنص المادة الرابعة عشرة من المشروع على تشكيل أمانة فنية للجنة برئاسة أمين عام ينتدب طول الوقت من بين قضاة الاستئناف، يعاونه عدد كاف من قضاة المحاكم الابتدائية بدرجة رئيس محكمة "أ"، على أن يتقاضى كل منهم حقوقه المالية من محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، بما في ذلك الحوافز والبدلات. ويوقع المشروع في المادة 16 عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 50 ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين، لكل من "امتنع عن إمداد اللجنة بالمعلومات والبيانات والمستندات اللازمة مع عزله من وظيفته مدة مماثلة لمدة الحبس، وكذلك لمن اتصل عمله باللجنة أو أمانتها الفنية فأفشى ما حصل عليه من بيانات أو معلومات سرية أو أطلع الغير على أي مستند سري" في محاولة لضمان سرية أعمال اللجنة ومنع تسريبها إلى وسائل الإعلام.

وأكدت المصادر الحكومية أن مجلس الوزراء أقر المشروع بعد خلاف قانوني نشب بين وزير العدل، من جهة، ووزير الشؤون القانونية، مجدي العجاتي، من جهة أخرى. وأكد العجاتي أن هذا المشروع يتناقض مع قانون الكيانات الإرهابية وسيتسبب في ارتباك المحاكم، ويسلب مجلس الدولة بعض اختصاصاته، إلّا أن معظم الوزراء لم يأخذوا بكلامه، وصوتوا لصالح المشروع.

المساهمون