أيام حاسمة في حلب: المعارضة تواجه ضغوط النظام

أيام حاسمة في حلب: المعارضة تواجه ضغوط النظام

10 سبتمبر 2016
من معارك الراموسة (جورج أورفاليان/فرانس برس)
+ الخط -

تظهر التطورات الميدانية المتسارعة في مدينة حلب السورية أن "الشهباء" تنتظر أسبوعاً حاسماً، خصوصاً أنه بات واضحاً أن النظام السوري والروس يسابقان الزمن، لتحقيق تقدّم عسكري في المدينة، قبل فرض هدنة لوقف النار والعودة إلى التفاوض وقطع الطريق أمام المعارضة وحلفائها لهجوم محتمل، في مقابل حذر أميركي لأي انفراجة تفضي إلى حصار حلب، مع تأييد للهدنة، وإضعاف الفصائل التي قد تعرقل ولادة أي اتفاق جديد. وتظهر التطورات ذلك، عقب الغارة التي استهدفت أهم قادة "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً) خلال اجتماع سري في ريف حلب مساء الخميس من جهة، وبعد مهلة اليومين التي منحها النظام للمدنيين ومقاتلي فصائل المعارضة من جهة أخرى، فضلاً عن المباحثات السياسية حول سورية، والتي تُعدّ حلب في صلبها.

في هذا السياق، ظهر مخطط النظام وروسيا بوضوح في مهلة الثماني والأربعين ساعة، والتي منحتها قوات النظام للمدنيين وفصائل المعارضة السورية، للخروج من الأحياء الشرقية لمدينة حلب عبر مناشير ورقية، مهددة بالقضاء عليهم في حال رفض المغادرة. وجاءت هذه المهلة بعد ثلاثة أيام من السيطرة بشكل كامل على منطقة الراموسة، بعدما كانت قد استعادت كلية المدفعية، وهي أضخم مدفعية للنظام في الشمال السوري. وبدا أن النظام قد أظهر تهاوناً في هجوم فصائل المعارضة في حماة، من خلال خسارته عشرات المواقع، في سبيل استعادة منطقة الراموسة بما فيها الكلية، وإعادة فرض الحصار على المعارضة في مدينة حلب.

ويبدو أن تهديدات النظام السوري بحرق أحياء المعارضة قد بدأت بالفعل أمس الجمعة، مع ارتكاب قوات النظام مجزرة في حي صلاح الدين في القسم الشرقي من مدينة حلب، راح ضحيتها تسعة مدنيين بينهم أربعة أطفال، بعدما ألقى الطيران المروحي برميلاً متفجراً، حسب ما أفاد مدير شبكة "سورية مباشر" علي باز لـ "العربي الجديد".

من جانبه، ذكر الناشط الإعلامي، حسن الحلبي، أن "طفلاً من سكان حي الفردوس، والذي تسيطر عليه المعارضة، قضى نتيجة استهداف طائرة حربية تابعة للنظام الحي أمس الجمعة"، لافتاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن "طائرات حربية يُعتقد أنها روسية شنّت أمس غارات جوية بالصواريخ الفراغية والعنقودية على بلدة كفرناها، بريف حلب الغربي، كما شنّت طائرات يعتقد أنها روسية، أيضاً، غارات مماثلة على كل من بلدات حيان وبيانون وعندان، بريف حلب الشمالي".

وأضاف الحلبي أن "القصف الجوي الروسي ترافق مع تحليق مكثف لمروحيات النظام، فوق مناطق سيطرة المعارضة شمال حلب، إثر قيام مروحية تابعة للنظام بإلقاء أسطوانات متفجرة على مخيم حندرات للاجئين الفلسطينيين، والذي تسيطر عليه قوات المعارضة السورية شمال المدينة، من دون أن يؤدي ذلك إلى إصابات بصفوف المدنيين، نتيجة نزوح سكان المخيم عنه منذ وقت طويل مع اشتداد المعارك في محيطه".



في هذا السياق، كان لافتاً أن مهلة النظام قد أتت في أعقاب عملية اغتيال من طائرة، يُرجّح أنها أميركية، استهدفت أهم قادة "جبهة فتح الشام"، خلال اجتماع سري في ريف حلب، لتحضير هجوم مضاد بغية كسر الحصار عن حلب من جديد، في وقت يتم التداول فيه بالاندماج مع "حركة أحرار الشام الإسلامية"، بحسب مصادر في المعارضة.

وقضى على إثر الضربة، القائد العسكري لـ "جيش الفتح"، أبو عمر سراقب، الملقّب بأبي هاجر الحمصي، الذي قاد عمليات "جيش الفتح" التي أفضت للسيطرة على كامل محافظة إدلب العام الماضي، فيما جُرح عدد آخر من القادة والعناصر، بينهم قائد القوة المركزية، في جبهة "فتح الشام"، أبو مسلم الشامي.

وبحسب قيادي سابق في "النصرة" يدعى صالح الحموي، فإن "أبو هاجر الحمصي في آخر أيامه أجرى مراجعات شاملة وصحّح الكثير من الأخطاء التي وقع بها، ويقرّ بذلك خصومه قبل أتباعه، مبدياً مرونة غير اعتيادية مع الفصائل".

من جهته، ذكر رئيس الائتلاف السابق خالد الخوجة في سلسلة تغريدات على حسابه في "تويتر"، أن "استهداف قادة فتح الشام نتيجة متوقعة، بهدف عرقلة مشروع الاندماج بعد إعلانه، ونذير بعملية استهداف أوسع"، مبيّناً أن "استهداف قادة الفصائل الإسلامية يحصل نتيجة اختراق داخلي، ولا وسيلة للحفاظ على قيادة الثورة وبلوغ أهدافها سوى تبنّي استراتيجية وطنية جامعة".

وكان لافتاً أن التاريخ الذي تم به استهداف قادة فتح جبهة الشام، موافق لتاريخ اغتيال أهم قادة "حركة أحرار الشام الإسلامية"، وعن هذا لفت الخوجة إلى أنه "باغتيال قادة أحرار الشام في مثل هذا اليوم قبل عامين، تم شلّ جهود تبني المشروع الوطني لصالح مشروع دولي منافس تمثل في قوات سورية الديمقراطية".

وتهدف عمليات الاغتيال على ما يبدو لقطع الطريق أمام أي هجوم للفصائل المسلحة، لكسر الحصار من جديد، خصوصاً أن السيطرة الأخيرة للفصائل على كلية المدفعية وقطع الحصار وحصار طريق النظام إلى أحيائه في حلب، قد أضعف من الموقف التفاوضي للروس أمام الولايات المتحدة، واضطرت موسكو في أعقاب ذلك لقبول وقف الطلعات الجوية وتمرير المساعدات الإنسانية عبر الكاستيلو بعد الانسحاب منه.

وفيما رفضت مصادر رفيعة في المعارضة التصريح على وقع التبدل الميداني في حلب، يبدو أن الخيارات تتجه إلى الانسداد أكثر في مدينة حلب بالنسبة للفصائل المسلحة، مع الهجوم العنيف الذي تواصله قوات النظام مدعومة بغطاء جوي روسي مكثف، وتواصل عملية "درع الفرات"، لتأمين الحدود التركية السورية، والتي استدعت استنزاف بعض فصائل المعارضة لقتال "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، و"قوات سورية الديمقراطية".

كما أن توقف معركة حماة المفاجئ، والذي عزته فصائل معارضة إلى وقف الدعم المقدم لها، قد ساهم في تركيز النظام هجومه على حلب، والأكثر من ذلك، دفعه إلى هجوم جديد بهدف الوصول إلى الحدود السورية التركية بريف اللاذقية الشمالي، لتتمكن قوات النظام من استعادة السيطرة على بعض القرى.

وعليه، لا يتوقع مراقبون حلاً مفصلياً في سورية في الأيام الأخيرة للرئيس الأميركي باراك أوباما، مشيرين إلى أن الأمور قد تفضي إلى تفعيل هدنة وقف إطلاق النار من جديد، تمهيداً لولادة اتفاق أميركي روسي آخر، أو العودة إلى طاولة المفاوضات في جنيف.