اكتمال تنفيذ وثيقة الدوحة: خطوة نحو تعزيز سلام دارفور

اكتمال تنفيذ وثيقة الدوحة: خطوة نحو تعزيز سلام دارفور

08 سبتمبر 2016
جهود عدة ساهمت بإعادة الاستقرار للإقليم (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
أسدل الستار بمدينة الفاشر في إقليم دارفور السوداني، أمس الأربعاء، على اتفاقية الدوحة لسلام دارفور التي وقعتها الحكومة السودانية مع ائتلاف يضم نحو 14 فصيلاً دارفورياً بوساطة قطر خلال عام 2011، ليُعلن عقب الاحتفال الذي أقيم بمناسبة "استكمال إنفاذ وثيقة الدوحة لسلام دارفور"، انتهاء أجل السلطة الانتقالية التي تكونت بموجب الاتفاقية للإشراف على عملية السلام والتنمية في دارفور.

وشكل مكان انعقاد الاحتفال في مدينة الفاشر أهمية رمزية، بوصفها أول مدينة في دارفور شهدت عملية التمرد. وكانت الحرب في الإقليم قد اندلعت في إبريل/ نيسان 2003 على خلفية احتجاجات بالتهميش. وأقدمت حركة تحرير السودان يومها على ضرب مطار الفاشر وحرق طائرات فيه، لتستعر الحرب تباعاً في الإقليم وتتعدد فصول الأزمة وسط وساطات ومحاولات عدة لحلحلتها، تخللها إصدار مجلس الأمن الدولي ما يزيد عن عشرة قرارات أهمها قضى بنشر قوات دولية وإقليمية في دارفور، فضلاً عن إحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية ومن ثم اتهام الرئيس السوداني عمر البشير وعدد من قادة حكومته بارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية في دارفور. وهو ما أدى إلى إصدار مذكرة توقيف بحقه شلت حركته الدولية والإقليمية في كثير من الأحيان. وبعد سنوات من المفاوضات والوساطات، خصوصاً القطرية، وقعت مجموعة من الفصائل الدارفورية على اتفاقية الدوحة، فيما تستمر إلى اليوم تحفظات حركات دارفورية رئيسية امتنعت عن التوقيع رغم مشاركتها في المفاوضات.



وأعلن الرئيس السوداني، الذي تحدث في احتفال أمس، بحضور أمير دولة قطر، تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التشادي إدريس ديبي، ورئيس أفريقيا الوسطى فوستين تواديرا، انتهاء أجل السلطة الإقليمية لدارفور والدخول في مرحلة جديدة لاستكمال ما تبقى من عملية السلام، مجدداً عزمه على منح عفو عام لكافة الحركات المسلحة الراغبة في الانضمام لمسيرة السلام. كما أعلن انتهاء الاقتتال بصورة كاملة.

وتعهد الرئيس السوداني بإعادة دارفور لأفضل من سيرتها الأولى والاستمرار في التنمية. كما لفت إلى أن الاحتفال يؤكد التزام الحكومة بتنفيذ المواثيق والاتفاقيات، واعداً أهل دارفور بتنفيذ مشروع دارفور الخضري الذي يحمل في طياته مزيداً من التنمية للمنطقة.
في موازاة ذلك، بدت الحكومة السودانية حريصة على الاحتفاء بالمشاركة القطرية باعتبارها راعية وداعمة لاتفاق الدوحة. وأوضح البشير أن "السودان، حكومة وشعباً، يقدّر عالياً الدعم اللامحدود الذي قدمته دولة قطر والجهود التي بذلتها من أجل إرساء السلام في إقليم دارفور، وفي السودان بشكل عام".
كما أشاد الرئيس التشادي بالجهود القطرية في إرساء السلام في دارفور، معتبراً أن الدوحة استطاعت عن طريق المتابعة والدعم تحقيق إنجازات غير مسبوقة جلبت الاستقرار للمنطقة.
وأقدمت قطر منذ رعايتها للمفاوضات السودانية السودانية، على دفع مليارات الدولارات للتنمية في دارفور ولدفع عجلة التفاوض. وساهمت الدوحة في إنشاء نحو خمس قرى نموذجية بولايات دارفور، بما يزيد عن ثلاثين مليون دولار، ضمن التزام منها ببناء 75 قرية نموذجية بمبلغ ثلاثمائة ألف دولار. كما دفعت بمبادرة لتنمية دارفور بمجموعة مشاريع قدرت كلفتها بـ120 مليون دولار. ونجحت في تنفيذ 315 مشروعاً حتى الآن، فضلاً عن تبنى مؤتمر للمانحين لإعمار دارفور في 2013 التزمت خلاله بمبلغ 500 مليون دولار، ووصلت خلاله التبرعات الي نحو ملياري دولار، فضلاً عن التزامات قطرية بإنشاء بنك تنمية دارفور ودفع مبلغ مليون دولار.
وعلى الرغم من الجهود التي تحققت على طريق إحلال السلام في الإقليم بعد سنوات طويلة من الاقتال وتحسن الأوضاع الأمنية على نحو غير مسبوق، إلا أن تحديات عدة لا تزال تنتظر الإقليم في ظل موقف بعض الحركات الدارفورية التي أبدت تحفظات على وثيقة الدوحة وطالبت بفتحها من جديد لاستيعاب تحفظاتها ومن ثم التوقيع عليها. لكن الخطوة وجدت رفضاً قاطعاً من الحكومة في الخرطوم التي تتمسك باعتبار وثيقة الدوحة نهائية، مشددة على أنه يتعيّن على الحركات التوقيع عليها كما هي دون تغيير.
ويومها قاطعت حركات دارفورية رئيسية عملية التوقيع على اتفاقية الدوحة، بينها حركة العدل والمساواة برئاسة خليل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بزعامة عبدالواحد محمد نور، على الرغم من مشاركتهما في جولات التفاوض التي امتدت لنحو ثلاثين شهراً.
وفشلت محاولات قطرية وأخرى قادتها الوساطة الأفريقية برئاسة ثامبو أمبيكي، في إقناع الحركات المسلحة بالتوقيع على اتفاقية الدوحة رغم دخولها في جولات تفاوضية منذ توقيع الفصائل عليها وحتى الشهر الماضي.
وفي السياق، وصف رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، والذي حلّ خلفاً لأخيه خليل في رئاسة الحركة، احتفالات أمس بانتهاء أجل السلطة الإقليمية لدارفور بأنها احتفالات "بنهاية مأساة". ورأى أن الاحتفال بانتهاء أجل السلطة الانتقالية أمر غريب، باعتبار أنها لم تقدم شيئاً لأهل دارفور والنازحين. كما حرّض شباب المعسكرات على الثورة ضد الحكومة والخروج في تظاهرات.
وكانت اتفاقية الدوحة لسلام دارفور قد تعرضت لانتقادات عدة منذ توقيعها باعتبار أن الفصائل الرئيسية في دارفور لم توقع عليها، الأمر الذي من شأنه أن يعمل على استمرار الحرب في الإقليم. وتتعزز هذه الهواجس نظراً لأن الائتلاف الذي وقع على الاتفاقية يمثل فصائل إما لا وجود عسكري لها في دارفور أو فصائل انشقت عن الفصائل الرئيسية في دارفور.

في المقابل، يرى مراقبون أن عوامل عدة ساهمت بعودة الأمن والاستقرار بشكل نسبي في دارفور، أهمها ضعف الحركات الدارفورية بسبب التعقيدات الإقليمية والدولية فضلاً عن انشغالها بحروب خارجية في ليبيا وجنوب السودان.
وتواجه السلطة الإقليمية في دارفور انتقادات لاذعة بشأن أدائها طيلة الستة أعوام الماضية، ويصفها البعض بالضعف. ويعزو محللون الأمر إلى الخلافات والصراعات داخل السلطة نفسها فضلاً عن ضعف صلاحياتها.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي، الطيب زين العابدين، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن سلطات السلطة الإقليمية، مقارنة بسلطات حكام الولايات، بسيطة جداً وتكاد تنحصر في عملية الإشراف فقط. ولفت إلى أن "التدخلات التي تأتي من رئيس السلطة تنحصر في المطالبة بأموال السلطة أو التوطين وخلافه. أما السلطات الأمنية والتنفيذية فهي في يد حكام الولايات".
ووفقاً لزين العابدين، فإن أي اتفاقية توقعها البلاد تكمن مشكلتها الأساسية في التنفيذ. وأشار إلى إيقاف عدد من المشاريع الواردة ضمن اتفاق الدوحة بسبب غياب المكون الحكومي "باعتبار أن أي مشروع يكون فيه مكون محلي وآخر أجنبي". من جهة ثانية، لفت إلى أن الوضع في دارفور أمنياً أفضل لكنه من ناحية الخدمات لا يزال متأخراً.
وفي احتفالات تكريم رئيس السلطة الإقليمية لدارفور، التجاني السيسي، بدا الأخير غاضباً من الانتقادات التي توجه له، لا سيما من قبل حكام الولايات لجهة وصفه بالضعف واتهامه بالفساد عبر الاستيلاء على أموال السلطة الإقليمية.
وأكد السيسي أن الاتفاقية ساهمت في إنهاء الحرب ونجحت في إعادة ما يزيد عن مليون و685 نازحاً فضلاً عن أكثر من 210 آلاف لاجئ. وذكر أن المتمردين قبل الاتفاقية كانوا يسيطرون على نحو 33 منطقة في دارفور، في حين تمكنت الحكومة الآن من فرض سيطرتها على كل المناطق. وذكر أن ما نفذته السلطة من مهمات موكلة لها وصل إلى نسبة 89 في المائة، بعضها نفذ بالكامل والآخر قيد التنفيذ.
وأرهقت الحرب في دارفور خزينة الدولة السودانية فضلاً عن الحروب في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. وقدر البنك الدولي سابقاً ما يصرفه السودان يومياً في الحرب بنحو أربعة آلاف دولار.
وأظهرت ورقة قدمها الخبير الاقتصادي خالد التجاني، أن كلفة الحرب في دارفور تبلغ 24.7 مليار دولار، منها 10.08 مليارات دولار في صورة نفقات عسكرية مباشرة، أي ما يعادل ثلثي جملة الإنفاق العسكري من 2004 إلى 2009.
وتضاف إلى ذلك 7.2 مليارات دولار خسائر في الإنتاجية فقدها النازحون عن أراضيهم في دارفور و2.6 مليار دولار خسائر في المدخرات الحياتية فقدها القتلى في الحرب و4.1 مليارات دولار خسائر نتجت عن الأضرار في البنية الأساسية.