كابوس اليمين المتطرف... هل يكون أحد ألمانيا الانتخابي أسود؟

كابوس اليمين المتطرف... هل يكون أحد ألمانيا الانتخابي أسود؟

04 سبتمبر 2016
سياسة ميركل تجاه اللاجئين "أفضل هدية" لليمين(أود أندرسون/فرانس برس)
+ الخط -
ليس سراً أن فشلاً أوروبياً في "توزيع اللاجئين"، منذ ما يقارب العام، حطت تأثيراته السياسية والاجتماعية على ألمانيا، باستقبال ما يفوق مليون شخص، بشكل سلبي، أكثر مما سببته أية سياسات خارجية وداخلية منذ سقوط جدار برلين قبل ربع قرن. وتتضح الصورة الآن من خلال هتاف غاضب لجمهور ألماني في شترالزوند، شمال شرقي البلاد، قبيل يومين من نتائج انتخابات محلية، وصرخات مستهجنة: "فلتخرج ميركل".

ومن المحتمل أن تتجسد صيحات الاستهجان اليوم الأحد، في ولاية مكلنبورغ بخسارة فادحة لحزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، لمصلحة الحزب الشعبوي المعادي للإسلام والهجرة، "البديل لأجل ألمانيا". الهزيمة التي تتوقعها استطلاعات الرأي، وفق محللي الانتخابات في الصحف الألمانية، ستكون ارتداداتها مؤلمة في برلين.

إشارات التراجع المحلي 
ووفق استطلاعات أجريت لمصلحة صحف ومحطات تلفزيونية، فإن حزب ميركل من المحتمل أن يحصل على 22 في المائة من أصوات الناخبين محلياً، بينما تعطي هذه الاستطلاعات لحزب البديل من أجل ألمانيا ما بين 21 و23 في المائة. لكن في انتخابات سكسونيا في مارس/آذار الماضي، فاجأ "البديل" الاستطلاعات التي أعطته 19 في المائة بحصوله على 24. وبالنظر إلى أن "البديل" ليس حزباً تاريخياً، بل تشكل منذ سنوات قليلة فقط، فأي نسبة تقارب نسبة حزب شعبي عريق مثل الديمقراطي المسيحي تعد كارثة حقيقية له ولبقية الأحزاب.

ويظل كابوس المستشارة ميركل أبعد من مجرد انتخابات محلية، إذ ستحمل النتائج بعض المؤشرات حول مستقبلها السياسي، وتحالفات حزبها مع الاتحاد الاجتماعي الديمقراطي (يسار وسط)، الذي يذهب محللون إلى اعتباره خاسراً أيضاً أمام "البديل" في الانتخابات المحلية مقارنة مع انتخابات 2011. وحصد "الاجتماعي الديمقراطي" عام 2011 35 في المائة، بينما تعطيه الاستطلاعات حالياً تراجعاً إلى أقل من 28 في المائة، مع تراجع الخضر (يسار) بنسبة تفوق 4 في المائة.

وبغض النظر عما إذا كان "البديل" سيصبح أكبر أو ثاني أكبر الأحزاب، فإن إشارات سياسية قوية ستنجم عن نتائج هذه الانتخابات. تكمن أولها في أنها ستظهر "البديل" كحزب يكتسح أحزاباً تاريخية، وأحد أهم المنافسين للحزب الديمقراطي المسيحي. والإشارة الثانية لناخبي البديل من اليمين القومي أنه يشكل البديل فعلاً وفي طريقه للصعود، ما يعتبر دافعاً قوياً للالتفاف حوله من خارج معسكره الموالي له.

استراتيجية اليمين القومي

تبدو استراتيجية اليمين القومي الذي يتصدره حزب البديل تستند إلى خطاب تعبوي كمن يضع ميركل في قفص الاتهام حول نقطتين تشكلان جدلاً في المجتمع الألماني: اللاجئون والإرهاب. وإذا كانت ميركل تجلس على منصة الاتهام، فإن أحزاباً داعمة لسياساتها السابقة يستفزهم "البديل"، فيتحولون إلى شهود، في ما يشبهه المحللون الألمان بـ"محاكمة لسياساتها" في قضية الباب المفتوح لاستقبال اللاجئين.





في تلك القضية، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الألمانية DPA يوم الجمعة، فإن ميركل "أبلغت في اجتماع خاص للمجلس التنفيذي للاتحاد الديمقراطي المسيحي بأن أزمة اللاجئين عام 2015 لن تتكرر. ويجب الإسراع بالترحيل لمن لا يستطيعون الحصول على إقامة لجوء". لكن لا يبدو أن ذلك يسعف المستشارة، خصوصاً أن الاستطلاعات المشار إليها صدرت نتائجها في الأول من سبتمبر/أيلول الحالي، أي قبل 4 أيام من خوض هذه الانتخابات.

الأزمة المتضخمة في ألمانيا على الرغم من انخفاض أعداد اللاجئين الآتين حديثاً بفعل التشديدات المتبعة، يستغلها اليمين الشعبوي أفضل استغلال. ففي ممارسات بعض طالبي اللجوء، وإبراز وسائل الإعلام المحلية قضايا اغتصاب وتحرش، ما يعتبره خبراء الانتخابات الألمان "أفضل هدية" لحزب البديل. ثم إن ما شهدته ألمانيا من أحداث أمنية قبل أسابيع يسوقها هذا المعسكر اليميني على أنها "نتيجة سياسة الباب المفتوح"، ويسوق هؤلاء لـ"وجود إرهابيين بين من دخلوا".

تنجح إذاً تكتيكات اليمين القومي المتشدد، وفقاً لهؤلاء المتابعين الألمان للمتغيرات السياسية في بلدهم، بطرح قضايا ترتبط بسياسات الهجرة والأمن؛ باعتبارها جاذبة لناخبين من كافة الأطياف السياسية في طبقات المجتمع المختلفة. والقضية الأساسية التي لا تغيب عن بال كثيرين أن الحزب الوطني المتطرف والذي يضم بقايا نازيين في صفوفه، بغض النظر عما إذا كان "البديل" سيتعاون معه أم لا، فإن معسكر اليمين المتطرف يشتد عوده بخطابات سياسية تحضيرية لانتخابات برلمانية وطنية عام 2017.

تقدُّم "البديل" في استطلاعات الرأي، وفي انتخابات محلية ببعض الولايات، ولاحقاً في برلين، يراه مراقبون بداية انهيار إمكانات ميركل في الاستمرار بمنصبها، وهو ما سيضر أيضا بحزبها الذي يحتل اليوم نصف مقاعد برلمانات الولايات. الثقة الشعبية التي كانت تشكل دافعاً قوياً لميركل عام 2015، وتحديدا في مسألة حل مشكلة اللاجئين، تراجعت بشكل كبير مع فشل السياسات المحلية والأوروبية على هذا الصعيد.

انعكاس الغضب في الصندوق

الغضب من سياسات المستشارة أنجيلا ميركل يمكن أن يطيح بأحلامها وأحلام حزبها، ومعها أحزاب أخرى، وهو ما تكشف عنه استطلاعات رأي على الصعيد الوطني لانتخابات العام المقبل 2017. فالمقارنة بين نتائج انتخابات 2013، وما ستكون عليه في العام المقبل تكشف عن حجم التراجع الذي تعيشه معظم أحزاب المحافظين ويمين الوسط ويسار الوسط والمكاسب التي يحققها في المقابل اليمين القومي المتشدد، ممثلاً بـ"البديل". عام 2013، حصد حزبا الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي 41.5 في المائة من الأصوات.

بينما الاستطلاع الذي أجراه معهد "فورسا" يشير إلى أن الحزبين لن يحصلا على أكثر من 33 في المائة بانتخابات 2017. ويتراجع وفق ذات الاستطلاع حزب الاجتماعي الديمقراطي من 25.7 إلى 22 في المائة، والخضر من 12 إلى 8.4 في المائة. بل إن صحيفة "دي فيلت" نشرت، أول من أمس الخميس، أن 8 من كل 10 ناخبين يعتقدون أن "دعم ميركل في تحالفها الحكومي بدأ بالتراجع". وهو ما يشير إلى مشاكل حزبية تعانيها المستشارة في مسعاها لوقف التراجع الحاصل في شعبيتها وشعبية المحافظين.

إذا، وفقاً لما يراه أكثر المتفائلين في المؤسسة السياسية الألمانية، فإن "أسوأ كابوس يمكن أن يصبح حقيقة اليوم الأحد، عندما يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع لإجراء انتخابات شمال شرقي البلاد: اليمين المتطرف قد يصبح، للمرة الأولى، الطرف الأقوى في واحدة من الولايات الألمانية".