"واشنطن بوست": بوتين يقترف خطأً بسورية وروسيا ستدفع الثمن

"واشنطن بوست": بوتين يقترف خطأً بسورية وروسيا ستدفع الثمن

29 سبتمبر 2016
حريّ ببوتين أن يفكر بنموذج أفغانستان لا الشيشان(ميخائيل سفيتلوف/Getty)
+ الخط -
"لا تخبر أحداً آخر أين تكمن مصلحته". تلك إحدى الأقوال المفضّلة في السياسة الخارجية لنائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، وهي، إجمالاً، تمثّل قاعدة عامّة جيّدة، كما يقول مساعد الرئيس باراك أوباما السابق، فيليب غوردون، في مقالته بصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية اليوم.

لكن حينما يتعلّق الأمر بنشاطات روسيا الأخيرة في سورية، فإنه لا بدّ من كسر القاعدة، بحسب ما يقول غوردون، فالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد يتوهّم نفسه استراتيجيّاً ضليعاً، لكنّه في سورية يرتكب خطأً من شأنه أن يطارده، وروسيا أيضاً، لفترة طويلة قادمة.
عطفاً على ذلك، فإنه مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الروسي الأميركي، عرضت إدارة أوباما لبوتين طريقاً للمضيّ قدماً، والذي لا يمكن وصفه، من المنظور الروسي على الأقلّ، سوى بأنّه كان بمثابة "انتصار خالص" لموسكو، لا سيما في حال تمّ تنفيذ البنود بشكل كامل، فالاتفاق من شأنه أن يحول دون تغيير النظام في دمشق خلال المستقبل المنظور، وهو خطّ أحمر رئيسي بالنسبة لبوتين، كما من شأنه أن يعزّز دور روسيا كقوّة رئيسية في الشرق الأوسط، ويسهّل التعاون العسكري والاستخباري مع الولايات المتحدة ضدّ التنظيمات الإرهابية، ويحدّ من أثر هذا الصراع المكلف، ويؤمّن قاعدة روسيا على البحر المتوسط.

لكن ما تفعله روسيا حاليّاً، من خلال دعمها النظام السوري في القصف الدموي على حلب أخيراً، هو تدمير الاتفاق تماماً. بذلك، لا يفرض بوتين تكاليف خطيرة على السوريين العزّل فحسب، ولكن على روسيا نفسها أيضاً، كما يرى صاحب المقال.

ولم تكن ثمّة ضمانة بأن الاتفاق الأميركي الروسي سيأخذ مجراه، حتى لو أبدت روسيا حسن نيّة إزاءه. رغم ذلك، يتّفق غوردون مع فكرة أن موسكو كانت محقّة في صعوبة الفصل بين "الإرهابيين الحقيقيين" في سورية، مثل فصل تنظيم "فتح الشام" (المنفصل عن القاعدة أخيراً)، وبين جماعات المعارضة المعتدلة التي تقاتل إلى جانبهم، كما أنّ "فتح الشام"، و"الدولة الإسلامية" (داعش) يملكان كلّ الأسباب لخرق الهدنة، وذلك، بالأساس، عائدٌ إلى أن تنفيذها سيؤدي إلى التعاون العسكري بين الولايات المتّحدة وروسيا ضدّهما.

ويضيف الكاتب أنّه من الممكن أيضاً أن يتحمّل النظام السوري مسؤوليّة أكبر عن قصف قافلة المساعدات قرب حلب بالتّزامن مع الحديث عن انتهاء الهدنة، ولربّما فعل ذلك للردّ على قصف طائرات التحالف، الذي تقوده الولايات المتّحدة، موقعاً تابعاً له في دير الزور عن طريق الخطأ.

يضاف إلى ذلك، وفق المقال، أنّه كما وجدت الولايات المتحدة دائماً صعوبة في السيطرة على حلفاء مثل الرئيس الأفغاني السابق، حميد كرزاي، ورئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، فإن روسيا، هي الأخرى، ربّما لا تكون قادرة على السيطرة على الأسد بشكل كامل.

تبعاً لذلك، فإن تنفيذ الاتّفاق بحسن نيّة من قبل روسيا كان من الممكن أن يوفّر لها مخرجاً أفضل للمضيّ قدماً من ذلك الذي يبدو أنّها اختارته، وهذا عائدٌ، بحسب المقال، إلى عدّة أسباب:

أوّلاً: روسيا والأسد لا يمكنهما الانتصار، حتّى مع القصف المكثّف، فبعد خمس سنوات من الحرب، وخسارة ما يزيد عن 100 ألف من الجنود ومقاتلي المليشيات، لم يعد النظام، ببساطة، يمتلك القوّة البشريّة الكافية للسيطرة على مناطق واسعة في سورية. حتّى بعد كلّ هذا القتل والتشريد، لا تزال سورية دولة أغلبية سنّية، وقسم كبير منهم سيستمرّون في القتال ضدّ النظام، بدعم وتسليح من السعودية وتركيا وقطر. لربّما يفكّر بوتين بنموذج الشيشان وهو يساعد النظام على تسوية حلب في الأرض، لكن حريّ به التفكير أكثر في تجربة روسيا (الاتّحاد السوفييتي) في أفغانستان، فالمجازر الروسية الواسعة بحقّ المدنيين في سورية، قد تقود بعض المسلمين الغاضبين لشنّ هجمات انتقاميّة في قلب روسيا.

ثانياً: من الوارد أن تدفع روسيا ثمناً اقتصاديّاً باهظاً لجرائمها في حلب، لا سيما في ما يتعلق بعلاقاتها مع أوروبا والعالم العربي، فالاقتصاد الروسي يعاني بالفعل من جرّاء انخفاض أسعار الغاز، فضلاً عن العقوبات الغربيّة، والتدخّلات العسكرية في سورية وأوكرانيا. الآن، ومهما كانت آفاق رفع العقوبات الأوروبية عن روسيا، أو توسيع التعاون بينها وبين أوروبا والسعودية في مجالات الطاقة، فإنّ الأكيد أن هذه الآفاق ستتضاءل إلى حدّ كبير، ما يعني استمرار الأزمة الاقتصادية الروسية.


ثالثاً: ربّما يجدر ببوتين الآن أن يأخذ في الاعتبار الردّ الأميركي، وليس سرّاً أن إدارة أوباما كانت قد صمّمت على تجنّب أي تصعيد في سورية قد يؤدّي إلى استخدام مباشر للقوّات العسكرية الأميركية على الأرض. واشنطن كانت تدعم المعارضة المسلّحة بطرق مختلفة، أمّا الآن، وهي تواجه الإهانة الروسية، فقد تفكّر في زيادة تكاليف الحرب على روسيا، وتزويد المعارضة بصواريخ محمولة على الكتف قادرة على ضرب الطائرات الروسية والسورية فوق حلب.

إضافة إلى ذلك، يشير الكاتب إلى هيكليّة الإدارة الأميركية القادمة. فإذا كان من الصعب توقّع ما سيفعله دونالد ترامب في سورية، لا سيما أنّه أبدى مواقف قريبة جدّاً من روسيا في بعض القضايا، فإن السيناريو الأكثر احتمالاً، حتى اللحظة، هو أن تصبح هيلاري كلينتون رئيسة الولايات المتّحدة في المستقبل القريب، وحينها، سيواجه بوتين الرئيسة التي لطالما دعمت فرض منطقة حظر جوي في سورية، وعبّرت عن شكوكها، في أكثر من مناسبة، إزاء الدور الروسي هناك، وستعمل على إعادة تأكيد القيادة الأميركية للشرق الأوسط بشكل دامغ.