محمد صوان: المجتمع الدولي لم يبذل جهده لإنجاح "الصخيرات"

محمد صوان: المجتمع الدولي لم يبذل جهده لإنجاح "الصخيرات"

29 سبتمبر 2016
إذا سقط الاتفاق تُخشى عودة الصراع المسلح (العربي الجديد)
+ الخط -
يشرح رئيس حزب "العدالة والبناء" الليبي، محمد صوان، مآل العمليات العسكرية في منطقة الهلال النفطي في ليبيا، في حوار مع "العربي الجديد"، من تونس، ويضع حراك اللواء خليفة حفتر في سياق عدم عمل المجتمع الدولي على إنجاح الاتفاق السياسي الليبي الموقّع في الصخيرات المغربية. 

* بعد معركة سرت وسيطرة اللواء خليفة حفتر على الهلال النفطي، هناك واقع جيوسياسي جديد في ليبيا، فهل تكرّست الصورة النهائية على هذا الشكل؟

قبل اقتحام قوات حفتر للهلال النفطي، كان المشهد يميل في اتجاه تلاشي الرجل وغيابه بسبب إخفاقاته في بنغازي، ونتيجة الضغط الذي حصل من بعض الأطراف لتطبيق الاتفاق السياسي. ولكن بعد السيطرة على الموانئ النفطية، تغيّرت المعطيات. لا أستطيع القول إنها عملية عسكرية، بل تسوية قبلية بين حفتر والقوات الداعمة له، تحديداً القبائل الموجودة في الهلال النفطي، وأبرزها قبيلة المغاربة، التي كان لها دور فاعل في هذا الاتفاق، لأنه لا يمكن لحفتر السيطرة على ثلاثة موانئ نفطية، فيها عدد كبير من الحراس ومن دون سقوط أي جريح. لقد تمّ الإعلان عن السيطرة على الموانئ النفطية بشكل يؤكد بأنها عملية تسليم واستلام.

* لكن العملية لم تكن مفاجئة، خصوصاً أن تقارير عدة كانت تشير إلى إمكانية التفات حفتر إلى مواقع النفط بعد عملية سرت، التي شهدت نجاحاً لقوات الوفاق؟

هذا الاحتمال كان قائماً، لكنه كان مستبعداً لأن عدد حراس المنشآت النفطية وفقاً لرئيس حرس المنشآت، إبراهيم الجضران، نحو 23 ألف عنصر. وهو ما منح الطمأنينة لكل الأطراف بأنه لا يمكن السيطرة على الموانئ النفطية بوجود هذا العدد الكبير من الحراس. بالتالي فإن هناك تسوية قبلية قُدّمت لحفتر، ربما بضمانات استمراريتها في مواقعها وفي أعمالها.

* هل ترون أن هناك خيانة في هذه التسوية؟

يمكن القول إن حفتر استطاع استمالة القبائل وشيوخ القبائل، كما أن هناك نزعة من المنطقة الشرقية لدعمه. لا نقول إن هناك خيانة، بقدر ما أن للأمر أبعاداً أخرى.

* في ظلّ الحديث عن غطاء دولي أو ضوء أخضر مُنح لحفتر ليقدم على هذه الخطوة، ما هي انعكاسات هذا الأمر على الواقع السياسي الليبي؟

هذا الأمر مربك لتنفيذ الاتفاق السياسي في ليبيا، لأن حفتر أعلن صراحة عدم اعترافه بالمجلس الرئاسي ولا بالاتفاق السياسي. بالتالي فإن وجوده كقوة عسكرية مسيطرة على الهلال النفطي، ربما يعزز الطرف الرافض للاتفاق السياسي، لأن برلمان طبرق يرفض عقد جلسة لتمرير الاتفاق، ووجود حفتر يعزز دور رئيس هذا البرلمان عقيلة صالح والمجموعة القليلة الرافضة للحوار السياسي، في ظل عدم وجود صرامة من الأطراف الراعية للحوار.




* هل يمكن أن يُقدم حفتر على مثل هذه الخطوة من دون غطاء دولي أو دعم من بعض الأطراف الخارجية على الأقل؟

المجتمع الدولي شيء عام ومفهوم فضفاض، وهو صراع مصالح، والاتفاق السياسي لم ينجح بالشكل الكامل لأن إرادة المجتمع الدولي كراعٍ لم تكن متجهة مباشرة لإنجاحه. ولو كان الاتفاق متوفراً لما استطاعت دولة جارة، من دون أن أذكرها، أو أي دولة أخرى أن تتدخل بالطيران في ليبيا، وأن تدعم حفتر، ليتحرك بالجنود ويسيطر على الهلال النفطي، أو أن يرفض رئيس البرلمان (عقيلة صالح) عقد جلسة لأشهر عدة. وهذا يدلّ على أن المجتمع الدولي ودول عدة تتلاعب بالقضية الليبية.

* هل نتحدث اليوم عن إعادة توزيع الأوراق في ليبيا؟

المشهد في ليبيا لا يزال هشاً، ويمرّ بحالة دقيقة، ولا يمكن أن نحصل على قراءة نهائية للمشهد. إن المنطقة الغربية من سرت إلى الحدود التونسية يتمركز فيها أكثر من 60 في المائة من الليبيين، وتقع فيها العاصمة وأهم مواقع القوات المسلحة. وهي غالباً مناطق رافضة لحفتر، ما يعني أن الأمر قد يدفع باتجاه تسوية سياسية ومحاولة احتواء الطرف الآخر.

* هل أنتم اليوم مستعدون لتسوية سياسية شجاعة وحقيقية تنهي مأساة الشعب الليبي؟

لقد أبدينا استعدادنا، ونفّذنا ذلك على أرض الواقع، كأطراف حوار ومن كل التوجهات السياسية والجهات، واستطعنا بعد سنة ونصف السنة أن ننجز الحوار السياسي، على رغم الثغرات التي تضمنها، وهو أفضل ما تم إنجازه ولم يُطرح أي بديل عنه إلى اليوم. إن الرافضين من الطرفين لم يقدموا بديلاً، ورفضوا لمجرد الرفض. مع ذلك استطعنا الوصول إلى مقاربة سياسية، ونعتقد أننا قدمنا تنازلات، والأطراف الأخرى كذلك، وأملنا أن تُطبّق هذه الاتفاقات. ولا يمكن في وضع معقّد كالذي تمرّ به ليبيا أن يحصل توافق بنسبة عالية، فنحن نتحدث عن وضع بعد حرب طاحنة واختلافات سياسية وتدخلات إقليمية، لذلك من الجيد جداً حصولنا على توافق.

* لكن سيطرة حفتر على موانئ النفط، ألن تحرم المواطن والشعب الليبي من موارده اليومية والوحيدة، أو تغيّر من الأوضاع؟

على الرغم من الأزمة السياسية، لا تزال المؤسسة الوطنية للنفط هي المؤسسة الوحيدة التي تحتكر تصدير النفط ودخول الأموال لحساباتها. وهو ربما ما يبعث على الطمأنينة، رغم سيطرة حفتر على الهلال النفطي. الأهم هو أن ليبيا كانت تُصدّر 1.6 مليون برميل يومياً، أما الآن فإن صادراتها لا تزيد عن 300 ألف برميل، حتى أنه منذ ثلاث سنوات تصرف البلاد من الاحتياطي الذي قد ينضب يوماً ما وهو ما يُشكل مأزقاً حقيقياً، كما تعرّضت آبار وخطوط عدة للتلف نتيجة القصف والإهمال وعدم الإنتاج، وهي تحتاج إلى صيانة.



* بماذا تفسّرون عدم استجابة حفتر لنداء مجموعة الدول الأوروبية والولايات المتحدة بالانسحاب فوراً من موانئ النفط؟

لأنه أعلن أنه سلّم الموانئ النفطية إلى حراس المنشآت السابقة، وبذلك يكون قد خفّف من الضغط والحملة التي كانت ستشنّ عليه لأنه أخرج نفسه من الورطة، وكأنه يقول إن النفط لا يهمه وهو لليبيين، وأن الهدف هو فرض أمر واقع لا غير، أي "أنا موجود".

* هناك دول تلتقي في تونس، وتؤيد علناً الاتفاق السياسي، ولكنها تأتي بأفعال مناقضة في الواقع، وهناك أطراف تتحدث عن انقسامات بين الإيطاليين والفرنسيين والأميركيين والمصريين وغيرهم، ولكل مصالحه. فما هو المخطط المراد في ليبيا؟

كنّا نعتقد أنه يمكن تحقيق اتفاق في ليبيا لأنها ليست من دول الطوق التي لها تماس مع إسرائيل، مثل سورية أو مصر، ما يعني حكماً أن من مصلحة دول الجوار استقرار ليبيا سياسياً، ولكن بعض الدول العربية، للأسف، لا تزال تؤدي دوراً سلبياً في ليبيا. مع العلم أن المواقف السياسية، المعلنة على الأقلّ، داعمة للاتفاق السياسي. كما أنه في كل اجتماعات مندوبي الدول عبّر أغلبهم عن رفضهم تقديم أي دعم لحفتر ومنها فرنسا. ولا أستطيع توجيه أي اتهام لأي دولة، ولكنني أجزم بأن دولة جارة معروفة تقدّم الدعم العسكري والسياسي والمادي لحفتر، وأن القرار الليبي يُصنع في هذه الدولة وهي متدخلة سلبياً في القرار الليبي. في حين أن الجزائر، مثلاً، دولة ملتزمة بشكل كبير، وكان تدخلها دائماً إيجابياً لجمع الفرقاء الليبيين. وكذلك الأمر في تونس، إذ لم نلحظ تدخّل أي مسؤول تونسي في الشأن الليبي.

* لماذا لا يلتقي كل الفرقاء على طاولة واحدة مثلما حصل في تونس وتلتقون مع حفتر أو عقيلة صالح وينتهي الموضوع؟

الحوار الليبي الذي دام أكثر من سنة ونصف السنة حضرت فيه كل الأطراف، من المؤتمر الوطني العام الذي كان بمثابة جسم سياسي، وقوات فجر ليبيا، والبرلمان ممثلاً بقوات عملية الكرامة، التي يقودها حفتر، وحتى الأحزاب والشخصيات السياسية. ولا يمكن أن نأتي بالشعب الليبي كاملاً على طاولة الحوار، بل يوجد دائماً تمثيل معقول وعيّنة ممثلة لكل الأطياف السياسية. ولكن بعد جهد سنة ونصف السنة يجب أن نقبل بنتائج الحوار، لأنه لا يمكن الحصول على وثيقة اتفاق كاملة، ولكن التدخلات الإقليمية والأطماع في ليبيا، هي التي أوصلتنا اليوم إلى ما نحن فيه.



* كيف تقيّمون تعامل المجلس الرئاسي الليبي، تحديداً فائز السراج، مع هذه القضايا؟

المجلس الرئاسي جزء من الاتفاق، والاتفاق أفرز ثلاث مؤسسات: المجلس الرئاسي والبرلمان ومجلس الدولة. وهي مقاربة ذكية لأنه لم يتم إدماج جميع الأطراف. ولكن المجلس الرئاسي كان الثغرة الكبيرة، لأن فيه عدداً كبيراً من الأعضاء، ما يعكس للمتابع عمق الأزمة الليبية. وعندما نعرف أن المجلس مكوّن من تسعة أعضاء، وأن كل طرف يريد أن يكون ممثلاً في المجلس، فإن هذا نتجت عنه سلبيات وصعوبات عدة في التفاهم، خصوصاً أن ستة أعضاء من المجلس يملكون حق الفيتو.

* هل اختيار السراج كان الاختيار المثالي؟

بكل صراحة في فترات الصراع لا يتفق الأطراف إلا على الشخصيات "المحايدة"، وهو ما حصل في الصخيرات، فكل الأطراف التي كانت في المشهد السياسي، حُسبت على طرف أو آخر. بالتالي فقد تمّ اختيار هذه المجموعة، وهو ما قد يكون ميزة، أو ربما عيباً لدى البعض. ويكفينا نحن الليبيون في هذه المرحلة أن يتفق أعضاء المجلس الرئاسي على العموميات والضروريات، فنحن في مرحلة لا نطمح فيها إلى بنية تحتية أو طرقات أو مجمّعات، بل فقط لحلحلة ملفين أو ثلاثة، أهمها ألا تتفكك ليبيا وأن تبقى جسماً واحداً، وأن يتمكن المجلس الرئاسي من بسط الاستقرار فيها ومنع الانفلات الأمني، ثم ضخّ النفط مجدداً، لأن من سوء حظ ليبيا أو حسن حظها، غياب المشاريع الأخرى. ويتأتى الأمر من أن معمّر القذافي لم يترك لا صناعة ولا سياحة، ولا أي مصدر من مصادر الدخل والنفط. ومن حسن الحظ أنه يمكن بإجراءات بسيطة أن يستعيد ضخه مجدداً. لذلك عوّلنا على المجلس الرئاسي من أجل وضع دستور وإجراء الانتخابات والانتقال إلى مرحلة دائمة.

* من يمكن أن يدفع باتجاه الحل في ليبيا، هل يجب أن يكون طرفاً خارجياً؟

هناك تعقيد في المجلس الرئاسي الليبي، ونحن لا نعوّل عليه في القيام بنهضة شاملة، بل أن يعيد وحدة ليبيا تحت سلطة سياسية موحّدة ويتعامل معها كدولة ويتجاوز الانقسام السياسي، وإن لم يستطع ذلك، فهذا معناه أن الاتفاق السياسي لم ينجح، خصوصاً أن مدة المجلس الرئاسي سنة قابلة للتجديد.

* تحدث السراج عن إعادة تشكيل حكومة جديدة؟

ستكون الحكومة الثالثة التي ستتقدم للبرلمان، وهذا دلالة على أن الاتفاق السياسي لا يخضع للأعراف التقليدية، فرئيس الحكومة عندما يتقدّم مرتين وتسقط الحكومة، يُرفض. لكن الحالة الليبية مختلفة، لأن البرلمان لم يشكّل الحكومة، وبعض المعطّلين في البرلمان استغلّوا هذا النصّ وحاولوا أن يرفضوه. بالتالي يجب على هؤلاء أن يدخلوا في الاتفاق السياسي ويتعاملوا معنا، لأنه أصبح بمثابة عقد، ولكن مشكلتنا أن المجموعة الرافضة للاتفاق لها قوة إقليمية تدعمها ولا تريد التخلّي عنها، ولم تستطع الجهات الراعية للحوار أن تتخذ موقفاً. بالتالي يطرح البعض الرجوع إلى الاتفاق وتعديله، لأنه إذا تعرّض جزء منه للتعطيل، فسيتعطّل بكامله، وإذا فُتح باب التعديلات فستُطالب جهات عدة بتعديلات أخرى.

* هل هناك مخاوف من تقسيم ليبيا؟

البعض يستعملها كفزّاعة ولتخويف بعض الليبيين من التقسيم، ولا أرى ليبيا قابلة للتقسيم، نظراً للتنوّع والاختلاط السكاني وعدم قبول عموم الشعب الليبي بالتقسيم.

* لكن هل هناك مخاوف من عودة النزاع المسلح؟

إذا سقط الاتفاق السياسي وانهار في غياب أي مشروع آخر وانتشار السلاح، فهناك مخاوف من عودة الصراع المسلح بقوة وشراسة، ونحن نخشى عودة الصراع في أبشع تجلياته وأقصى درجات العنف. وكل الصراعات السابقة كانت مؤلمة ومحزنة، ولكن كانت هناك كوابح وعقلانية ومصالحات وتدخلات، من دون الوصول إلى الانهيار الكامل. وأنا حذّرت سابقاً وأحذر القوى السياسية التي لا تدرك عواقب الأمور، من أن البلد وصل إلى مرحلة هشة وحالة من تفكك المؤسسات، وعليها القبول ببعض الأوضاع، لأن الخاسر فيها سيكون كل الليبيين، ولن يكون هناك أي رابح.

المساهمون