لقاء "لبنان الإنسان"... إعادة الحياة الدستورية في زمن التعطيل

لقاء "لبنان الإنسان"... إعادة الحياة الدستورية في زمن التعطيل

27 سبتمبر 2016
يشبّه المولى خطاب بعض القوى بـ"الحشد الطائفي" (حسين بيضون)
+ الخط -
يسيطر التعطيل والفراغ على مُعظم أوجه الحياة العامة في لبنان، من السياسية إلى الاقتصاد، وصولاً إلى الحياة الاجتماعية للمواطنين التي باتت رهينة عدم الاستقرار السياسي. وبعد تجربتين قاسيتين خاضهما الرأي العام اللبناني في ملفي سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام والنفايات، بدا وكأن الطبقة السياسية قد انتصرت على المطالبين بحقوقهم. فقد جمعت المطالب تجمّعات شعبية ونقابية قبل أن تفرّقها لاحقاً الانتماءات السياسية (في ملف سلسلة الرتب والرواتب)، والخلافات الفردية (في ملف النفايات). وبعد أن أفرزت الانتخابات البلدية الأخيرة (مايو/أيار الماضي) إمكانية تغيير بسيطة عبر تحقيق بعض اللوائح غير الحزبية انتصارات مُتفرقة، ضعف الصوت المطلبي في البلاد. ولم تلق عودة أزمة النفايات في مناطق واسعة من محافظة جبل لبنان وفي بيروت، وإعادة خفض الحد الأدنى للأجور، اعتراضات تُذكر.

في هذا السياق، انطلق لقاء "لبنان الإنسان" من هذا المسار العام لينادي بعودة الحياة الدستورية إلى لبنان، وإنهاء التعطيل السياسي للاستحقاقات الدستورية ولمؤسسات الدولة. ويعتقد مؤسسوه أن في استطاعتهم كسر هذه الحلقة المُفرغة وخلق ديناميكية جديدة للعمل العام تتجاوز أخطاء التحركات المطلبية السابقة، وتعطي مساحة أكبر للجيل الشاب لعمل مطلبي مُنظم ضمن ائتلاف مدني واسع.

أطلق عدد من الأكاديميين اللبنانيين اللقاء في أغسطس/آب الماضي تحت مظلة الدستور اللبناني، الذي يحمل أعضاء اللقاء نسخاً صغيرة الحجم منه يقدمونه لزائريهم، بحثاً عن خطاب جديد في الحياة العامة اللبنانية، و"رسم مقاربة جامعة للقضايا الوطنية سقفها الدستور وعمادها الخطاب العابر للانتماءات المناطقة والطائفية والثقافية".

في هذا الإطار، يشرح أحد مؤسسي اللقاء، الكاتب، الأكاديمي سعود المولى، أسباب انطلاق هذا اللقاء وأهدافه التي يعمل ناشطوه على تحقيقها من خلال مستويين: الأول قصير المدى ويضغط باتجاه تحقيق مطالب حياتية ضاغطة، وكسر حلقة تعطيل المؤسسات والاستحقاقات الدستورية، وثانٍ بعيد المدى ينشد دولة مدنية حديثة في لبنان. ولا يخلو هذان المستويان من طوباوية يعترف المولى بوجودها، مؤكداً أن الخطوات العلمية كفيلة بتحويلها إلى واقع ملموس في الحياة العامة.

لا يفصل الأكاديمي اللبناني بين إعادة تفعيل الحياة السياسية في لبنان وإعادة الشباب إلى العمل العام. ويساوي بين الأمرين في رحلة البحث عن دولة لبنانية حديثة. ولكل هدف من هذين الهدفين عدة عمل وآليات تحرّك، بدأها اللقاء قبل أشهر، وتلخّصت في فتح قنوات تواصل مع سفراء الدول الغربية ونواب وجمعيات مدنية تتلاقى أهدافها مع هدف اللقاء. ولا يجد المولى حرجاً في الحديث عن لقاء السفراء الغربيين، "ليس بحثاً عن تبعية أو مرجع دولي، ولكن تأكيداً على ارتباط مسار الحياة السياسية في لبنان بالإرادة الدولية".


كما يتحدث المولى عن لقاء بعض النواب والشخصيات السياسية بوصفها "قرعاً على الوتر الأكثر حساسية في الكتل السياسية، وهم النواب الأكاديميون أو الحقوقيون وهو الأكثر قدرة، نظرياً على الأقل، على العودة إلى حسهم الأكاديمي ورفض تعطيل كتلهم السياسية للحياة الدستورية". يستشهد المولى بتصريحات عدد من السياسيين الذين تأثروا بخطاب اللقاء وبمفرداته المدنية التي "بدأت بنقل النقاش السياسي من مصطلحات الميثاقية والدلع السياسي إلى مصطلحات أكثر جدية وارتباطاً بالدستور". ويشبّه المولى خطاب بعض القوى السياسية في لبنان بـ"الحشد الطائفي"، وهو ما يمكن مواجهته يخطاب جامع مضاد. وهي الرسالة التي حملها أعضاء اللقاء في جولات مناطقية، حطمت تقليدية عمل الكثير من الحركات وجمعيات المجتمع المدني ذات التوجه السياسي التي حدتها مركزية العاصمة بيروت.

كما لجأ اللقاء إلى "خيار الشارع" ضمن قدراته التنظيمية المتواضعة، فحوّل الشارع المقابل لمسجد محمد الأمين في بيروت، إلى ساحة لاعتصام أسبوعي يقيمه أعضاء اللقاء وممثلون عن جمعيات مُختلفة للمطالبة بانتخاب رئيس الجمهورية وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها المُحدد، بعد تمديدين غير دستوريين (الموعد المُفترض في أبريل/نيسان 2017). وينقل المولى عن بعض الشخصيات السياسية التي زارها اللقاء أن "الجميع يستعد للانتخابات كما لو أنها حاصلة"، من دون أن يعني ذلك حتمية إجرائها.

وقد استلهم اللقاء تجربة بعض الأحزاب السياسية التي أجرت انتخابات تمهيدية لاختيار الأكثر تمثيلاً ضمن محيطه لترشيحه للانتخابات النيابية، ويحاول اليوم تسويقها بين الشخصيات السياسية غير الحزبية والحركات التي قررت خوض الانتخابات النيابية في مواجهة الأحزاب السياسية التقليدية.

ويخشى المولى أن "تضعف الخلافات أو الطموحات الشخصية مشروع مواجهة الأحزاب عبر الانتخابات النيابية، ويمكن الرهان على تجربة الانتخابات التمهيدية كشكل من أشكال الديناميكية الجديدة التي نأمل في نشرها ضمن الحياة العامة في البلاد".

وانسجاماً مع الخطاب الدستوري للقاء، رفع أعضاؤه عريضة إلى رئيس مجلس النواب، نبيه بري، للمطالبة بـ"تطبيق الدستور نصاً وروحاً"، من خلال دعوة المجلس للاجتماع وانتخاب رئيس للجمهورية. كما يأمل الأعضاء في "تحريض" عدد من النواب على الاعتصام تحت قبة المجلس للمطالبة بانتخاب الرئيس بعد عامين ونصف العام من التعطيل لجلسات البرلمان من قبل "تكتل التغيير والإصلاح" وكتلة "حزب الله" النيابية. ويُبقي اللقاء على سقف طموحاته واقعياً بواقعية خطواته، ويُدرك منظروه أن التغيير ليس سهلاً، لكن الإحباط ليس قدراً أيضاً.