فوز كوربين لا يُبعد خطر الانشقاق عن "العمال"

فوز كوربين لا يُبعد خطر الانشقاق عن "العمال"

25 سبتمبر 2016
حصل كوربين على نحو 62% من الأصوات(أولي سكارف/فرانس برس)
+ الخط -
هل وضعت الحرب أوزارها داخل حزب العمال البريطاني بعد تجديد انتخاب جيرمي كوربين زعيماً للحزب، أما أن انتصار "اليساري التروتسكي" سيعصف بوحدة حزب العمال، وربما يؤدي إلى انشقاقه وتراجعه من مقاعد "حكومة الظل"، وبروز تحالف جديد يقف في وجه حزب المحافظين في مجلس العموم؟ النتيجة التي أسفرت عنها انتخابات حزب العمال أمس السبت، وحسمت المعركة الانتخابية لصالح كوربين بحصوله على نحو 62 في المائة من الأصوات أمام منافسه الوحيد اوين سميث، لا تعني فقط انتصار مرشح وهزيمة آخر، بقدر ما تعكس قوة التيارات الأيديولوجية التي تتصارع داخل الحزب منذ هزيمته في الانتخابات العامة في العام 2010، وخروجه من الحكم، وتراجع تيار "الطريق الثالث" الوسطي، والذي خطّه الزعيم السابق للحزب توني بلير في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، مقابل عودة "اليسار" التقليدي، والتي بدأت مع انتخاب إيد ميليباند زعيماً للحزب في 2010، وقويت أكثر مع انتخاب جيرمي كوربين لأول مرة في سبتمبر/أيلول الماضي.
ويبدو الحزب اليوم على حافة الانفجار من الداخل لأن قوتين لا يمكن الجمع بينهما ظاهرياً، تتواجهان فيه. فمن جهة هناك أكثر من ثلاثة أرباع نواب الحزب البالغ عددهم 230، وقّعوا على مذكرة في يوليو/تموز الماضي لحجب الثقة عن كوربين، معتبرين أن الزعيم اليساري لا يمكن أن ينجح في إعادة الحزب لسدة الحكم، مما يعني بقاء الحزب في مقاعد المعارضة إلى ما بعد العام 2030 على أقل تقدير، كما يقول عدد من النواب الـ172 الذين حجبوا الثقة عن كوربين وطالبوا باستقالته. وفي الجهة الثانية هناك الناشطون ومعهم النقابات الذين يرون أن كوربين هو الزعيم الوحيد القادر على ممارسة قيادة سياسية يسارية حقيقية، واستعادة هوية الحزب التي طمسها بلير وتياره الأقرب إلى الوسط، وبالتالي استعادة دعم ملايين الناخبين المناصرين تقليدياً للحزب اليساري، وقد عاد عشرات الآلاف منهم إلى الحزب بعد انتخاب كوربين في سبتمبر/أيلول الماضي.
وتعود الأزمة العاصفة التي يمر بها حزب العمال، في ظاهرها، إلى ما بعد الإعلان عن نتيجة استفتاء 23 يونيو/حزيران الماضي حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، إذ اتهم قياديون ونواب بارزون في الحزب كوربين بعدم العمل بإخلاص للمحافظة على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، داعين إلى استقالته وانتخاب قيادة جديدة. وقد رفض كوربين هذه الدعوات متمسكاً بالبقاء في موقعه. وإزاء تصاعد التوتر داخل الحزب قررت اللجنة المركزية لحزب العمال الدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة، تؤكد شرعية كوربين، أو تؤدي إلى الخروج من الأزمة بانتخاب زعيم جديد، وهو ما سعى إليه خصوم كوربين.
ويُشكك مراقبون في "نزاهة" هذه المزاعم ضد كوربين، ويرجحون انتهاز تيار بلير المعارض بشدة لزعامة كوربين لهذه الفرصة، إذ إن تذمّر بعض النواب من أداء كوربين خلال الاستفتاء البريطاني يأتي بهدف إثارة الانقلاب عليه وعلى تياره اليساري الذي انتزع قيادة الحزب من التيار "البليري" الوسطي. وبحسب هؤلاء المراقبين، فإن تيار بلير يسعى إلى إدخال حزب العمال في فوضى داخلية، تمهد إلى عودة التيار لقيادة الحزب، وقد بدا ذلك جلياً في خطاب النائب أوين سميث، والذي نافس كوربين على زعامة "العمال"، إذ أشاد خلال حملاته الانتخابية بالإنجازات التي حققها توني بلير عندما قاد الحزب للفوز في الانتخابات العامة لثلاث دورات متتالية، وتمكّن من البقاء في حكم البلاد لمدة 15 عاماً متتالية.
ولا تستبعد أوساط حزبية وإعلامية أن تُؤدي إعادة انتخاب كوربين إلى انزلاق الحزب نحو انقسام حاد بين القواعد الشعبية، ونواب الحزب في البرلمان البريطاني، وربما تصل الأزمة إلى حد انشقاق الحزب وظهور تنظيم جديد، في تكرار لتجربة مماثلة مر بها حزب العمال عندما انشق في 1981 عدد من قيادات الحزب، وأسسوا "حزب اشتراكي-ديمقراطي"، لم يُكتب له النجاح.


وترى بعض الأوساط السياسية الحزبية في إعلان بلير الأسبوع الماضي تصفية الجزء الأكبر من نشاطاته التجارية والتفرغ أكثر للأعمال الخيرية، مقدّمة من أجل عودته إلى الساحة السياسية البريطانية. ويعتقد هؤلاء أن بلير يسعى إلى اقتحام ساحة العمل السياسي العام داخل بريطانيا إما عبر المنافسة شخصياً على زعامة حزب العمال مجدداً، بعد أن فشل أتباع تياره في الانتصار في انتخابات قيادة الحزب في سبتمبر/أيلول الماضي وانتخابات أمس، أو أن بلير سيكون رأس الرمح في "شق حزب العمال" وتأسيس حزب جديد، يقوم بالأساس على مناهضة "الخروج من الاتحاد الأوروبي"، ويضمّ أنصار الاتحاد من حزبي المحافظين والأحرار الديمقراطي، وأنصار تيار بلير في حزب العمال.
ولا تقف العاصفة التي يواجهها كوربين داخل البيت العمالي، إذ إنه يواجه حملات تحريضية من أحزاب أخرى، لا سيما حزب المحافظين، ولوبيات سياسية تعترض على مواقف كوربين من القضية الفلسطينية، ومن مسألة عضوية بريطانيا في حلف شمال الأطلسي، وصولاً إلى مواقفه الرافضة امتلاك بريطانيا أسلحة نووية، والتدخّلات العسكرية البريطانية في النزاعات الخارجية. هذه المواقف فجّرها كوربين بإعلانه قبل أيام أنه في حال استعاد حزبه الحكم الذي فقده عام 2010 لمصلحة حزب المحافظين، فسينهي التدخّلات العسكرية للجيش البريطاني في الخارج، على غرار ما حصل في أفغانستان والعراق وليبيا، وبدلاً من ذلك سيقوم بإحداث منصبي وزارتين جديدين في مجلس الوزراء بتعيين "وزير للسلام" وآخر "لنزع الأسلحة النووية"، وذلك ضمن تحوّل جذري سيجريه على السياسة الخارجية البريطانية من أجل ضمان عدم وقوع بريطانيا في أخطاء ومطبات خطيرة مثلما حصل جراء التدخل العسكري البريطاني في العراق. وهاجم نواب حزب المحافظين البريطاني تصريحات كوربين ونواياه لإنهاء التدخلات العسكرية في الخارج واعتماد بريطانيا على الأسلحة النووية في سياستها الدفاعية، وشبّه وزير الدفاع البريطاني السابق المحافظ جيرالد هوارث تصريحات كوربين بـ"سياسة مستشفى المجانين"، وقال إنه من الخطأ أن تدعو بريطانيا إلى نزع الأسلحة النووية في حين أن روسيا والصين وكوريا الشمالية تسعى لزيادة قوتها النووية. فيما قال النائب جوني ميرسار، وهو مقاتل بريطاني سابق في حرب أفغانستان، إن "كلام كوربين يكشف أنه لا يمكن الوثوق بحزب العمال للمحافظة على سلامة وطننا".