صبرا وشاتيلا: مجزرة سنّت إسرائيل سيوفها وانسلّت دون محاسبة

صبرا وشاتيلا: مجزرة سنّت إسرائيل سيوفها وانسلّت دون محاسبة

مالك
مالك سمارة
صحافي وباحث فلسطيني. من فريق موقع العربي الجديد قسم السياسة.
صمود غزال
صمود غزال
صحافية فلسطينية لاجئة في لبنان. من فريق موقع العربي الجديد قسم السياسة.
18 سبتمبر 2016
+ الخط -

مَن يعرف سيرة المجرم شارون جيّداً، يدرك أنّه لم يخض حرباً إلّا وكلّلها بمجزرة. الساسة ورجالات الأمن والقيادات العسكريّة كانوا يعدّونه "رجل المهمّات القذرة"، وهو، بدوره، كان يحرص على أن يسطّر هذه السمعة كلّما سنحت له الفرصة. لكنّه سلّم لغيره الخنجر هذه المرّة، وخيّر أن يكتفي بدور "المخرج"، وبينما كان يراقب صبرا وشاتيلا من على سطح عمارة مطلّة؛ كان أصدقاؤه اللبنانيّون من حزب الكتائب يمارسون الدور الذي رسمه لهم، وينفّذون أمامه مشهد الدم الذي اشتهاه.


في الواقع، لم تكن لمجزرة صبرا وشاتيلا قيمةٌ تذكر في الميزان العسكري، فمقاتلو المنظّمة كانوا قد غادروا لبنان في حينها، وبقي المخيّم في عهدة أهله العزّل. كان الثأر ممنهجاً أوقدت إسرائيل سعاره الطائفي، وخطّطت له منذ زمن، وحماه جيشها، ثمّ سعت لنفض يديها منه بعد تقرير لجنة "كاهانا".

المفارقة هي أن التقرير حمّل إيلي حبيقة المسؤولية المباشرة، بينما اعتبر شارون "مسؤولاً غير مباشر" عمّا حدث. المفارقة الثانية، أيضاً، أنّ كلا الرجلين، فضلاً عن كونهما أفلتا من العقاب، لم يلبثا أن عادا إلى المشهد بقوّة، وأخذا يرسّخان اسميهما في الساحة السياسية، حتّى أصبح شارون الرجل الأول في الحكومة عام 2001، قبل عام من مقتل حبيقة بعد مسيرة سياسية حافلة، حينما كان ينوي، وفقاً لبعض المصادر، الإدلاء بشهادته أخيراً، حيال الجريمة.

عطفاً على ذلك، يوضح المؤرخ الفلسطيني، سالم سالم، لـ"العربي الجديد"، أنّه بعدما احتل الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان، عام 1982، قام بالزحف حتى بيروت، وحاصر القوى المسلحة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي انسحبت إلى الجزء الغربي من المدينة، بدءاً من الثامن عشر من يونيو/ حزيران من العام نفسه.

وبعد شهرين من المعارك، تم التفاوض على وقف إطلاق النار من قبل مبعوث الولايات المتحدة، فيليب حبيب، وقد تم الاتفاق على أن تخلي منظمة التحرير الفلسطينية بيروت تحت إشراف القوات متعددة الجنسية التي ستنتشر في المنطقة المخلاة من المدينة.


وبحسب سالم، فقد اتفق حبيب أيضاً على أن يتمركز الجيش اللبناني في بيروت الغربية، وأن تعطي الولايات المتحدة الأميركية ضمانات للقادة الفلسطينيين حول سلامة المدنيين في المخيمات بعد رحيلهم، تبعاً لذلك، أتمّت منظمة التحرير الفلسطينية انسحابها في الأول من سبتمبر/ أيلول من ذلك العام.

لكن في العاشر سبتمبر/ أيلول 1982، غادرت القوة المتعددة الجنسيات بيروت. في اليوم التالي، ادّعى شارون، الذي كان وزيراً للجيش آنذاك، أن "ألفي مقاتل" ما زالوا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين حول بيروت.


ووفقاً للمؤرخ الفلسطيني، فقد استغل شارون اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل، الأربعاء، في الخامس عشر من سبتمبر/ أيلول، ليحتل بيروت و"يحاصر ويقفل" مخيمي صبرا وشاتيلا اللذين يقطنهما فقط سكان مدنيون لبنانيون وفلسطينيون، بعد أن أخلى كل المقاومين بيروت وضواحيها".


ويجمع المؤرخون والصحافيون على أرجحية أن يكون قرار السماح "للمليشيا اللبنانية" بتنظيف "المخيمات الفلسطينية قد اتخذ خلال لقاء بين شارون وبشير الجميل في بكفيا في الثاني عشر من سبتمبر/ أيلول.

هذا ما أكّده شارون نفسه في اعترافاته، حينما قال إنه أعلن عن نيته إرسال القوات الكتائبية إلى بيروت الغربية في التاسع من يونيو/ حزيران 1982، وهذا ما ذكره كذلك في سيرته، مؤكّداً أن التفاوض حول العملية تم خلال اللقاء في بكفيا.

وبحسب تصريحات شارون في الكنيست الإسرائيلي، في الثاني والعشرين من سبتمبر/ أيلول عام 1982، فإن دخول الكتائب إلى مخيمات اللاجئين في بيروت تقرر، يوم الخميس، في الخامس عشر من الشهر ذاته الساعة الثالثة والنصف.

وفجر السادس عشر من سبتمبر، بدأت الطائرات الحربية الإسرائيلية بالتحليق فوق بيروت الغربية على ارتفاع منخفض تمهيداً لدخول المليشيا.

وبدءاً من الساعة التاسعة صباحاً، كان الجنرال شارون بنفسه يدير ميدانياً استكمال عملية الدخول الإسرائيلية، مستقراً في المركز الرئيسي للجيش عند تقاطع السفارة الكويتية الواقع على تخوم شاتيلا.

وخلال النهار، أطلقت قذائف باتجاه المخيمات من المرتفعات المحيطة، وقام قناصون محترفون متمركزون حولها بإطلاق النار على الأشخاص المتواجدين في الشوارع.

عند الظهر، أعطى القائد العسكري الإسرائيلي الضوء الأخضر للمليشيات الكتائبية للدخول الى مخيمات اللاجئين. بعد الساعة الخامسة من بعد الظهر، دخلت وحدة تتشكل من حوالى مائة وخمسين كتائبياً إلى مخيم شاتيلا من الجنوب والجنوب الغربي، بحسب مؤرخين.

خارج المخيم كانت تحاك الملحمة، وداخله كان الأطفال والنساء والشيوخ، من جنسيات متعددة، يحلمون بانتهاء الحرب الأهلية.


لا توجد إحصاءات دقيقة، إلى الآن، عن عدد الضحايا، إلا أن التقديرات تتراوح بين 750 و4000 قتيل من الفلسطينيين واللبنانيين، وبحسب الشهادات فإن غالبية الضحايا هم من اللبنانيين.

الى ذلك، فإن العديد من التحقيقات غير الرسمية والمستندة الى شهادات، ومعظمها غربيّة، ومنها تحقيق ماكبرايد، الذي شكّلت لجنة بخصوصه بالتوازي مع المجزرة عام 1982، و قدّمت إسهاماً مهمّاً في هذا المجال، تحديداً في ما يتعلّق بجمع المعلومات وتوثيقها. وعلى الرغم من أنّها خلصت إلى إسرائيل ساهمت في التخطيط للمذابح، وسهّلت الطريق أمام عمليات القتل، وطالبت بمحاسبة المسؤولين والمرتكبين تحت طائلة جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية؛ إلّا أنّها لم تنجح في تجسيد ذلك على أرض الواقع.

وبالإضافة إلى اللجنة المذكورة آنفاً، فقد أتاح برنامج "بانوراما"، الضي بثّ على قناة "بي بي سي" البريطانية عام 2001، فرصة جديدة لإعادة طرح القضية. البرنامج تمكّن من تحصيل شهادات لضباط وجنود إسرائيليين كانوا قريبين من موقع الحدث، إلى درجة أن أحد القضاة الدوليين أكّد للبرنامج أنّ الشهادات الواردة فيه "كافية لمحاكمة المسؤولين عن المذابح".

إثر ذلك، سعى قانونيّون لبنانيّون لتحريك هذا الملفّ دوليّاً، ورفعوا دعوى ضد شارون أمام المحاكم البلجيكية نيابةً عن الضحايا، مستندين إلى تعديل قانوني أجرته بلجيكا أخيراً، يتيح لضحايا جرائم الحرب رفع الدعاوى ضدّ المجرمين، أيّاً كانت جنسيّاتهم، وقد قبلت المحاكم البلجيكية الدعوى، قبل أن تعلّق التحقيق عام 2008، ثمّ ما لبثت أن ألغت التعديل القانونيّ المذكور من أساسه عام 2010.

وعلى الرغم من وضوح المجزرة، بحسب مجلس الأمن، كمجزرة من أكبر جرائم القرن العشرين، فإن المسؤول الشخصي عن المجازر ومعاونيه ومنفذيها لم تلاحقهم العدالة أو تعاقبهم.
لقد أدان مجلس الأمن الدولي المجزرة في القرار رقم (521) في 19 سبتمبر/أيلول 1982. هذه الإدانة أعقبها قرار من الجمعية العامة في 16 ديسمبر/كانون الأول 1982، وصف المجزرة بأنها "عمل إبادة".

ذات صلة

الصورة

سياسة

الاحتلال الإسرائيلي كان يعلم بخط تحرك قافلة المساعدات التي دخلت شمال غزة فجر يوم الخميس الماضي، والتي انتهت بمجزرة مروعة ارتكبها جيش الاحتلال في غزة
الصورة

سياسة

استشهد وأصيب العشرات في غارة إسرائيلية على حشد كانوا ينتظرون تسلّم مساعدات إنسانية في شارع الرشيد بمدينة غزة صباح اليوم الخميس.
الصورة
النظام السوري يستهدف عائلتين أثناء قطاف الزيتون في إدلب-عدنان الإمام

مجتمع

ارتفعت حصيلة قتلى القصف الذي استهدف عائلتين أثناء قطفهما الزيتون ظهر اليوم السبت في قرية قوقفين بمنطقة جبل الزاوية جنوب محافظة إدلب السورية، إلى عشرة قتلى، إضافة لامرأة مصابة بحالة حرجة، في وقت يعيش من بقي من أفراد العائلة في حالة من الصدمة.
الصورة
بعض من الدمار من جراء قصف الكنيسة (علي جاد الله/ الأناضول)

مجتمع

ظن أولئك الذين لجأوا إلى مبنى كنيسة القديس برفيريوس في غزة، هرباً من القصف المستمر والكثيف على قطاع غزة، أنهم ربما اختاروا مكاناً آمناً. لكن الاحتلال لا يستثني بيوت الله أيضاً