الفيتو الرئاسي والصفقات الدستورية الأميركية: قانون "مقاضاة السعودية" نموذجاً

الفيتو الرئاسي والصفقات الدستورية الأميركية: قانون "مقاضاة السعودية" نموذجاً

17 سبتمبر 2016
يخشى أوباما العواقب الاقتصادية لقانون مقاضاة السعودية(ساول لوب/فرانس برس)
+ الخط -
ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى حقه الدستوري بنقض قوانين مثيرة للجدل أقرها الكونغرس على الرغم من عدم موافقة البيت الأبيض عليها. الفيتو الرئاسي المنتظر ضد ما يعرف بقانون مقاضاة السعودية، الذي أقره مجلس النواب في الذكرى الخامسة عشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، ويسمح لضحايا تلك الهجمات برفع دعاوى ضد الحكومة السعودية أمام المحاكم الأميركية، هو الفيتو العاشر لأوباما خلال ولايتيه الرئاسيتين الأولى والثانية. لكنه قد يكون الفيتو الأول للرئيس الحالي، والذي من المحتمل أن يتم إسقاطه من قبل ثلثي أعضاء الكونغرس في جلسة مقبلة، لن تنعقد، على الأرجح، قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

يمنح الدستور الأميركي في بنده الأول، في الفقرة السابعة، رئيس البلاد صلاحية حق نقض القوانين التي يصادق عليها الكونغرس باستخدام الفيتو لإبطالها وإلغاء العمل بها. ويعطي الدستور الرئيس فترة عشرة أيام (ما عدا أيام الأحد) لاستخدام الفيتو، وإلا يعتبر القانون بعدها نافذاً. كما ينص الدستور على إمكانية إبطال الفيتو الرئاسي في الكونغرس إذا صوتت ضده أكثرية الثلثين من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ.

أول فيتو رئاسي
في 5 إبريل/نيسان 1792، استخدم الرئيس المؤسس، جورج واشنطن، للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، الفيتو الرئاسي ضد قانون أرسله الكونغرس. وبقي لجوء الرؤساء الأميركيين إلى حق الفيتو في مواجهة الكونغرس أمراً نادر الحدوث خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

ويعتبر أوباما من بين الرؤساء الأميركيين الذين لم يلجؤوا إلى الفيتو الدستوري إلا بشكل محدود، مقارنةً مع أسلافه الذين تعاقبوا على البيت الأبيض طيلة القرن الماضي، علماً بأن البعض منهم لم يستخدمه على الإطلاق. ويتصدر الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت قائمة رؤساء الولايات المتحدة (عددهم 43 رئيساً) في نقض قوانين الكونغرس، إذ استخدم حق الفيتو 635 مرة خلال فترة رئاسته الطويلة من عام 1933 حتى عام 1945. والأرجح أن الأزمة الاقتصادية الكبرى التي ضربت الولايات المتحدة في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي كان لها أثر سلبي كبير على العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في أميركا. وتعبيراً عن غضبه الشديد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، توجه روزفلت إلى مبنى الكابيتول عام 1935 لتسليم القانون المرفق برسالة الرفض الرئاسي شخصياً.

قرار أوباما
في المرات التسع التي لجأ فيها أوباما إلى الفيتو الرئاسي، كان الخلاف مع الغالبية الجمهورية في الكونغرس يتعلق بقضايا اقتصادية واجتماعية أميركية داخلية. وأبرز الفيتوات التي استخدمها أتى في إطار رفضه لقانون keystone XL Pipeline لبناء خط أنابيب نفطي بين أميركا وكندا. وقبل عام، خاض أوباما معركة مع الكونغرس بشأن الاتفاق النووي مع إيران ولوح باستخدام الفيتو الرئاسي لإلغاء قانون أقره مجلس النواب الأميركي ويلغي مفاعيل التوقيع على الاتفاق مع طهران. وقد نجحت إدارة أوباما من خلال المفاوضات مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ في تأمين عدد الأصوات اللازم لإسقاط القانون الجمهوري وتجميده في أدراج مجلس الشيوخ، وبالتالي تمرير الاتفاق مع الإيرانيين، على الرغم من الجدل الذي أثاره واعتراض الغالبية الجمهورية عليه.



ويراهن البيت الأبيض على تكرار سيناريو الاتفاق النووي الإيراني مع قانون مقاضاة السعودية. وبدأ فريق الرئيس بإجراء اتصالات مع أعضاء مجلسي النواب والشيوخ والبحث في تسويات ومقايضات مع الغالبية الجمهورية في الكونغرس، إضافةً إلى محاولة إقناع بعض الديمقراطيين المؤيدين لقانون "11 سبتمبر" بتغيير رأيهم والتصويت ضد إسقاط الفيتو الرئاسي لضمان حرمان المعارضين للفيتو من الحصول على تأييد ثلثي أعضاء الكونغرس.

في المقابل، يراهن عرابو مشروع قانون الإرهاب الأميركي الجديد على الحصول على أكثرية الثلثين في الكونغرس لإبطال الفيتو الرئاسي. ويستند هذا الرهان الجمهوري إلى الدعم والتأييد الذي يحظى به القانون من عدد لا بأس به من الديمقراطيين في الكونغرس، لا سيما من السيناتور الديمقراطي عن نيويورك، شارل شومر. وشومر يهودي من أعضاء الكونغرس النافذين ويحظى برعاية اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة. وشارك في كتابة نص القانون الأساسي الذي صدق عليه مجلس الشيوخ في شهر مايو/أيار الماضي.

ومنذ بدء النقاش في الكونغرس حول اقتراح القانون، والذي كان من أبرز المتحمسين له السيناتور عن ولاية تكساس، المرشح الجمهوري السابق للانتخابات الرئاسية، تيد كروز، حذر البيت الأبيض من التداعيات الكارثية لإقراره على مصالح الولايات المتحدة في العالم وعلى الاقتصاد الأميركي.

اعتبارات انتخابية
ويبدو أن اعتبارات الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونغرس المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، قد ساهمت إلى حد بعيد في تمرير مشروع القانون المعادي للسعودية في مجلسي الشيوخ والنواب. فالسجال الانتخابي حول الأمن القومي الأميركي ومخاطر تعرض الولايات المتحدة لهجمات إرهابية، والشحن العنصري ضد المسلمين، كلها عوامل شكلت مظلة لتحرك عرّابي مشروع القانون في الكونغرس والحملات الدعائية لتسويقه لدى الرأي العام الأميركي وإظهار موقف البيت الأبيض وإدارة أوباما وكأنه يتعارض مع "حقوق" ضحايا هجمات سبتمبر.

والقانون يعبر عن وجود رغبة لدى محافظي الحزب الجمهوري وأجنحة اليمين المسيحي المتحالفة مع اللوبي اليهودي لتصفية حسابات سياسية مع أوباما. ويدرك عرابو هذا القانون صعوبة إسقاط الفيتو، إلا أنهم يراهنون على استثمار انتخابي للحملة ضد الرئيس الحالي تحت شعار العدالة لضحايا إرهاب 11 سبتمبر. كما يدرك هؤلاء أن القانون المثير للجدل يتعارض مع القوانين الأميركية الصادرة عام 1976 والتي تضمن الحصانات القضائية للحكومات الأجنبية أمام المحاكم الأميركية. ويهدد القانون بإشاعة أجواء من الفوضى القانونية في العالم سيكون الدبلوماسيون والجنود الأميركيون في أصقاع الأرض كافة أبرز ضحاياها. ذلك أن حكومات البلدان الأجنبية ستلجأ إلى اعتماد قوانين مماثلة تسمح لمواطنيها بإقامة دعاوى قضائية ضد الولايات المتحدة أمام محاكمها الوطنية.

لمحة تاريخية
استخدم الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون، عام 1971، الفيتو ضد قانون لرعاية الأطفال، تم التصديق عليه في مجلسي النواب والشيوخ. لكن إسقاط فيتو نيكسون لم يحظ بتأييد ثلثي الأعضاء. وفي عام 1974، استخدم الرئيس الجمهوري، جيرارد فورد، الفيتو لنقض قانون حرية الصحافة بعد ضغوط مارسها عليه صقرا الحزب الجمهوري، ديك تشيني ودونالد رامسفيلد. لكن الفيتو الرئاسي سقط في الكونغرس. وفي عام 1986، لجأ الرئيس الجمهوري، رونالد ريغان، للفيتو من أجل إبطال قانون أقره الكونغرس ويتضمن فرض عقوبات على نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، لكن مجلس الشيوخ نجح في إعادة إبطال هذا الفيتو. وعام 1990، استخدم الرئيس جورج بوش الأب، حق النقض الدستوري ضد قانون الحقوق المدنية. ولم يتمكن مؤيدو للقانون من تأمين ثلثي الأصوات لإبطال فيتو الرئيس، فسقط القانون.

وفي عام 1996، استخدم الرئيس بيل كلينتون حقه الدستوري لإلغاء قانون الإجهاض والولادة ولم ينجح مؤيدو القانون في تأمين ثلثي الأصوات في مجلسي النواب والشيوخ لإسقاط فيتو كلينتون. ولم يلجأ الرئيس جورج بوش الابن، الذي انتخب عام 2000، إلى حق الفيتو إلا في عام 2005، عندما رفض قانون أقره الكونغرس لإجراء أبحاث علمية حول عملية استنساخ الخلايا. ولم يصوت الكونغرس على إسقاط الفيتو. وفي عام 2006، استخدم بوش حق الفيتو لمنع تمرير قانون وافق عليه الكونغرس ينص على وضع خطة لانسحاب القوات الأميركية من العراق. كذلك، فشل الكونغرس في إسقاط فيتو الرئيس.