"فيتو" متوقَّع لأوباما ضد قانون محاكمة السعوديين...وتوتُّر جديد للعلاقات

"فيتو" متوقَّع لأوباما ضد قانون محاكمة السعوديين...وتوتُّر جديد للعلاقات

11 سبتمبر 2016
استبعاد تحدي الكونغرس "فيتو" أوباما (فولكين فورونشو/الأناضول)
+ الخط -
من المتوقع خلال الأيام القليلة المقبلة أن يستخدم الرئيس الأميركي باراك أوباما حق النقض الـ"فيتو" الممنوح له، لمنع تنفيذ القانون الذي مرره مجلس النواب الأميركي، أول من أمس الجمعة، والذي يسمح للمحاكم الأميركية بمقاضاة أي دولة يشتبه بتورطها باستهداف الأراضي الأميركية، أو مواطنين أميركيين خارج التراب الأميركي. ومرر الكونغرس الأميركي، ممثلاً بمجلس الشيوخ، القانون بالإجماع قبل أشهر، ليمر من مجلس النواب، بانتظار إقرار القانون أو رفضه من قبل الإدارة الأميركية.

وأثار القانون الكثير من الجدل في السعودية، التي رأت فيه استهدافاً مباشراً لها، على خلفية رفع أسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 قضايا تتهم الحكومة السعودية، ممثلة بأعضاء في الأسرة المالكة، وأفراد قريبين من السفارة السعودية في واشنطن، بتقديم تسهيلات لمنفذي الهجمات، خصوصاً أن 15 من أصل 19 متورطاً بالهجمات يحملون الجنسية السعودية. هذا الأمر تنفيه الرياض بشدة، وترى نفسها مستهدفة من التنظيمات الإرهابية بنفس درجة استهداف هذه المنظمات، لا سيما "القاعدة" و"داعش"، للولايات المتحدة.

وأعلنت الإدارة الأميركية ممثلة بالمتحدث باسم البيت الأبيض جوش أرنست أن الرئيس الأميركي سيعترض على القرار بعد تمريره في مجلس الشيوخ قبل أشهر. وتعتقد الإدارة الأميركية أن القانون يهدد علاقتها مع حلفائها في المنطقة، لا سيما السعودية، بالإضافة إلى تأثيراته السلبية على القانون الدولي القائم على فكرة الحصانة القضائية للدول.

وأجرى الكونغرس الأميركي تغييرات مهمة على القانون تسمح للمدعي العام الأميركي باستشارة الإدارة الأميركية، ممثلة بوزارة الخارجية، للتباحث حول مدى تعاون الدولة التي يُراد محاكمتها في المحاكم الأميركية. هذه الخطوة تعطي الإدارة الأميركية دوراً في المحاكمات على عكس مسودة القانون الأولى التي تعطي القضاء الأميركي حقاً مطلقاً بإجراء المحاكمات من دون النظر لتداعياتها السياسية على مصالح الولايات المتحدة.

ونشرت الصحف الأميركية تقارير تشير إلى تهديد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بسحب الاستثمارات السعودية في أميركا، والتي تبلغ قيمتها 750 مليار دولار، في حال تمرير القانون. إلا أن السفير السعودي في واشنطن عبد الله بن فيصل آل سعود نفى أن يكون قد هدد بسحب الاستثمارات، مشيراً إلى أن هذا الإجراء احترازي، في حال تمرير القانون، لتجنب تجميد الأموال السعودية.




في السياق ذاته، طالب وزير الخارجية السعودي الإدارة الأميركية بنشر الـ28 ورقة المحجوبة من تقرير أحداث سبتمبر 2001، والذي يتحدث عن الدول الأجنبية المشتبه بتورطها في أحداث هذا "الثلاثاء الأسود". ونشرت إدارة أوباما الأوراق أخيراً من دون أن تحوي معلومات جديدة حول الاشتباه بدور سعودي في الأحداث، إلا أن مراقبين يرون أن نشر الأوراق قد يعطي سنداً جديداً هاماً لأية محاكمات متوقعة.

ومن المستبعد أن يتحدى الكونغرس الأميركي "فيتو" الرئيس في حال استخدامه لهذا الحق. ويستطيع مجلس النواب تمرير القانون، وتحدي "فيتو" الرئيس، وذلك بتمريره بأغلبية الثلثين، الأمر الذي يعد نادر الحدوث. ويرى محللون أن النواب الديمقراطيين لن يتحدوا "فيتو الرئيس" المنتمي إلى الحزب الديمقراطي، كما يُستبعد أن يقف كل النواب الجمهوريين مع القانون بعد "فيتو" الإدارة الأميركية.

ولا يخلو تمرير القانون من رسائل سياسية موجّهة إلى الداخل الأميركي، مع حلول الذكرى الـ15 لهجمات سبتمبر، في الوقت الذي تتباين فيه المواقف بالولايات المتحدة إزاء التحالف الأميركي ـ السعودي. وشهدت هذه العلاقة أخيراً انتقادات مع انفتاح الولايات المتحدة على إيران، بعد الاتفاق النووي، إذ تم انتقاد ما يُعتبر "دعماً سعودياً للتطرف"، على لسان مسؤولين أميركيين، أبرزهم أوباما نفسه، في الوقت الذي ترى فيه أجهزة الاستخبارات الأميركية أن السعودية دولة رئيسية في استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب.

ويرى مراقبون أن تداعيات القانون كبيرة على القانون الدولي، إذ من المتوقع أن يُؤثر على علاقات واشنطن مع دول أخرى غير السعودية. كما أن الأخيرة كسبت قضايا عدة مرفوعة من أهالي ضحايا هجمات سبتمبر ضد رئيس الاستخبارات السعودي السابق، الأمير تركي الفيصل، وولي العهد السعودي الراحل، سلطان بن عبدالعزيز، والسفير السعودي الأسبق في واشنطن، بندر بن سلطان، استناداً إلى الحصانة الممنوحة للدول، والتي سيلغيها القانون.

ويعد تدخل السعودية في اليمن ضمن التحالف العربي لدعم الشرعية، وعقود التسلح الأميركية للرياض، ودعمها لفصائل تراها واشنطن "راديكالية" في سورية، وتصعيدها السياسي ضد إيران، بعد قطع الرياض علاقاتها مع طهران، أهم الملفات التي يختلف حيالها الأميركيون مع الرياض، سياسياً. في الوقت الذي تنشط فيه السعودية بمكافحة الإرهاب، لا سيما محاربة "داعش" في العراق وسورية ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. ويضاف إلى ذلك، تشكيل وقيادة السعودية لـ"التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب"، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتمويلها منظمات الأمم المتحدة التي تكافحه.

ويعتبر مراقبون أن أوباما يرى أن السعودية تسعى إلى إفساد الاتفاق النووي الذي عُقد مع إيران والذي يريد الرئيس إنجاحه، على الرغم من الانتقادات التي ترى أن طهران لم تلتزم بكل بنود الاتفاق. الأمر الذي يعتبر أهم اختلاف سعودي ـ أميركي، مع اعتماد الولايات المتحدة لسياسات حيال المنطقة العربية، محورها مكافحة الإرهاب، لا مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، والذي تراه الرياض يهددها بشكل رئيسي.

في المقابل، تؤكد كل من الإدارة الأميركية والرياض على متانة العلاقة التاريخية بين البلدين على الرغم من التباين في وجهات النظر حيال المنطقة، خصوصاً مع الزيارات المتبادلة بين المسؤولين السعوديين والأميركيين خلال العام الحالي، والتي شملت زيارة أوباما، ووزير الخارجية جون كيري إلى الرياض. والثي التقيا خلالها العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز. كما قام ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان بزيارة مطولة إلى الولايات المتحدة، شملت لقاءات مع الرئيس الأميركي، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، قبل ثلاثة أشهر.