دوافع حزبية وشخصية وأميركية لاختيار الشاهد رئيساً للحكومة التونسية

دوافع حزبية وشخصية وأميركية لاختيار الشاهد رئيساً للحكومة التونسية

06 اغسطس 2016
لم يُعرف للشاهد نشاط سياسي قبل الثورة(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يكشف تكليف الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، ليوسف الشاهد بتشكيل الحكومة الجديدة رسائل متعددة إلى الداخل والخارج، ليتبيّن أن عملية الاختيار كانت مدروسة ومقررة منذ فترة طويلة. ويبدو أن هذا الاختيار قام على عدة معايير، اجتمعت كلُّها في الرجل، وقد تتجاوز مرحلة تشكيل وإدارة الحكومة الجديدة إلى ما هو أبعد من ذلك، أي الإعداد لمرحلة ما بعد السبسي.


ويتمثل المعيار الأول في الولاء، بعدما قرأ السبسي جيداً درس الحبيب الصيد، لا سيما في الأشهر الأخيرة. فقد اكتشف أن الرهانات الشخصية والخيارات المغايرة قد تقود إلى "الهروب بالحكومة" والنأي بها بعيداً عن أعين الرئاسة. وهو أمر يرفضه السبسي الذي نشأ في ظل أنظمة رئاسيّة بامتياز، وظل يعبّر في الفترة الماضية بوضوح، عن ضيق مجال التحرك الذي رسمه الدستور للرئيس، في ظل محاولات رئيس الحكومة السابق النزوع إلى شيء من الاستقلالية عن مؤسسة الرئاسة وعن الأحزاب، لدوافع موضوعية وذاتية.

ويشكل هذا المعطى أول المعايير التي دفعت بالسبسي لاختيار الشاهد. فقد سبق أن عهد إليه بملف حزب "نداء تونس"، إبان استفحال الأزمة، وكلفه بالإشراف على لجنة إعادة تشكيل الحزب. لكن نجله، حافظ السبسي، أسقط كل الاستعدادات لمؤتمر الحمامات الشهير، ودفع بالأزمة إلى أقصاها. وانتهت بالشرخ العميق الذي تسبب في موجة عارمة من الاستقالات، تُوّجت بتأسيس حزب جديد هو "مشروع تونس"، الذي يتزعمه اليوم محسن مرزوق، أحد تلامذة السبسي.

وتؤكد هذه المعطيات بوضوح أن الشاهد هو أحد الرجال المؤتمنين لدى السبسي. فهناك من جهة علاقة القرابة التي حتى وإنْ لم تكن دموية، فإن تقاطعها العائلي جعلها علاقة قرابة غير مباشرة (خال الشاهد يكون زوج ابنة السبسي سلوى). وهناك أيضاً تاريخ ما بعد الاستقلال، والانتماء إلى ما يسمى في تونس بـ"البلْديّة"، أي أبناء العاصمة من العائلات الكبيرة. كلها عوامل تجتمع في شخص الشاهد، وتجسّد حرص الرئيس على أن يكون دائماً محاطاً بمن يثق بهم من المقربين جداً، من العائلة الصغيرة أو الواسعة، في الديوان الرئاسي أو الحزب أو الوزارات المهمة.


لكن هذه المعطيات لا تشكل وحدها أسباب اختيار الشاهد. فالرجل كفاءة علمية كبيرة، وهو شاب في مقتبل العمر، وأمامه مسيرة طويلة من العمل السياسي، يمكن أن تدفعه من ناحية إلى الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وإلى ضمان عدم التنكر للعائلة التي مهّدت له طريق النجاح.
وهو بالإضافة إلى ذلك شخصية قوية، بحسب عدة مصادر من "نداء تونس"، ويتمتع بقدرة حقيقية على التواصل، ونسج نقاط الالتقاء مع خصومه المحتملين، وهي صفات محمودة، قد تشكل رسائل مهمة للمشهد التونسي.

ويضاف إلى كل هذه العوامل، معطى مهم جداً على مستوى العلاقات الدولية، لأن الشاهد، الأستاذ الجامعي والخبير الدولي في السياسات الزراعية، سبق له أن عمل في السفارة الأميركية في تونس، في قسم الخدمات الزراعية الخارجية. وتؤكد معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، أن الشاهد كان يتعامل مع السفارة من خلال مكتب الاستشارات الذي أسسه منذ فترة، ولم ينته تعامله معها إلا عندما تم تعيينه في وزارة الزراعة التونسية، كاتباً للدولة، بحسب المصادر.

وبعيداً عن اتهامات العمالة التي راجت في صفحات التواصل الاجتماعي، فإن الشاهد يعتبر بالتأكيد مقرباً من الدوائر الدبلوماسية الأميركية، ومتقارباً مع خياراتها الاقتصادية، في قطاع حيوي للغاية بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي، أي القطاع الزراعي.

ويبدو أن بحوثه العلمية في مجال توزيع الإنتاج وتحريره، قادت إلى وصفه بـ"الليبرالي"، الذي جاء تعيينه على رأس الحكومة بهدف تطبيق إصلاحات هامة يطالب بها صندوق النقد الدولي. ولم يكن لهذا التقارب الدولي للشاهد، الذي عمل أيضاً مع منظمة الأغذية والزراعة والاتحاد الأوروبي، أن يكون قد سقط من حسابات السبسي وهو يبحث عن الضالة المنشودة. غير أن الشاهد يتمتع أيضاً بسمة أخرى على درجة كبيرة من الأهمية، فهو لم يكن متورطاً مع النظام القديم، ولم يعرف عنه أنه دخل السياسة إلا بعد الثورة التونسية. وهو ما يرفع عن السبسي تهمة إعادة رموز النظام السابق، التي ترددها المعارضة باستمرار.

غير أن بعض التسريبات تتحدث عن إمكانية تعيين الخبير الاقتصادي لدى البنك الدولي، المكلف بالملف الليبي، مروان العباسي، لتولي حقيبة وزارة الاقتصاد. وتؤكد بعض المصادر لـ"العربي الجديد"، أن العباسي هو أحد أصدقاء الشاهد. وسبق للعباسي أن كان مستشاراً لدى المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، وخبيراً بالمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، ومستشاراً اقتصادياً لوزير التجارة والسياحة والحِرف اليدوية لشؤون تنسيق مشاريع تنمية الصادرات التي يمولها البنك الدولي. وإذا ما صحّت هذه المعلومات، فقد تمثل بالنسبة للمعارضة التونسية تأكيداً للشكوك بهيمنة الخلفية المالية الدولية على خيارات الحكومة الجديدة.

غير أن السبسي وجد في حليفه رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، داعماً كبيراً لتكليف الشاهد، وكذلك من أحزاب الائتلاف الأخرى، وهو ما سهّل عملية تعيينه. لكن استمرار الدعم سيكون مرهوناً بمدى قدرة الشاهد نفسه على إدارة المشاورات والنجاح في حسابات التعيينات الوزارية، وإرضاء شروط هذه الأحزاب التي تغيّرت هذه المرة.