20 عاماً على اتفاقات خاسافيورت... الشيشان الأكثر ولاء لبوتين

20 عاماً على اتفاقات خاسافيورت... الشيشان الأكثر ولاء لبوتين

31 اغسطس 2016
تأييد كبير لبوتين في الشيشان (ايليا فرلاموف/فرانس برس)
+ الخط -
في مثل هذا اليوم قبل 20 عاماً، شهدت مدينة خاسافيورت في جمهورية داغستان في شمال القوقاز على الحدود مع الشيشان، توقيع اتفاقات خاسافيورت التي أنهت الحرب الشيشانية الأولى. وبعد مفاوضات استمرت لثماني ساعات، وقّع سكرتير مجلس الأمن الروسي آنذاك الجنرال ألكسندر ليبيد، وزعيم المسلحين الشيشانيين أصلان مسخادوف، في 31 أغسطس/آب 1996 على اتفاقات خاسافيورت التي أسفرت عن توقف أعمال القتال وسحب القوات الفيدرالية الروسية من الشيشان وتأجيل البت في مسألة الوضع القانوني للإقليم حتى نهاية عام 2001. وبموجب الوثائق الموقّعة، اتفق الطرفان على الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها والانطلاق من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحريات المدنية والسياسية.
وعقب إبرام اتفاقات خاسافيورت أصبحت الشيشان جمهورية مستقلة فعلياً ولكن من دون أن يعترف بها أي بلد في العالم، ولم تستقر الأوضاع فيها، كما لم تتم إعادة إعمارها. وفي عام 1999، أسفر دخول المسلحين الشيشانيين إلى داغستان عن توقف التزام الطرفين بالاتفاقات، وبدء الحرب الشيشانية الثانية وفرض نظام عملية مكافحة الإرهاب في الشيشان الذي لم يتم إلغاؤه إلا في العام 2009.
وبصرف النظر عن وقوع حرب جديدة في الشيشان بعد ثلاث سنوات، يشير أليكبير أليكبيروف، مدير مركز دراسات آسيا الوسطى والقوقاز في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، إلى أن اتفاقات خاسافيورت كانت آنذاك مخرجاً من النزاع وأتاحت وقف القتال وإراقة الدماء. وحول الوضع في السنوات التي تلت إبرام الاتفاقات، يقول أليكبيروف في حديث لـ"العربي الجديد": "خلال ثلاث سنوات، لم تتمكن الشيشان من تحقيق أي تقدّم بل تحوّلت إلى بؤرة إجرامية، وحصلت عمليات سرقة سيارات في مدن روسيا واستخدامها في الشيشان بلا عوائق، وحالات سطو على القطارات وغيرها، وكان من الواضح أن ذلك لن يتوقف، ولذلك تدخّلت موسكو مرة أخرى بمجرد توفّر ذريعة".
ويرى أليكبيروف أن سعي الشيشان للانفصال عن روسيا كان يندرج ضمن عملية تفكك الاتحاد السوفييتي، معتبراً أنه "لا يمكن أن يتفكك بلد بحجم الاتحاد السوفييتي من دون إراقة الدماء، وشهدنا ولا نزال نشهد حلقات لهذه العملية حتى الآن". ويضرب أمثلة على ذلك، من الحرب في إقليم ترانسنيستريا في مولدوفا في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وتجدّد العنف في إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان أخيراً، وقيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 وغيرها من الأزمات في ظل عدم تسويتها بشكل نهائي.
وفي ما يتعلق بدوافع الزعيم الشيشاني الأسبق جوهر دوداييف، لإعلان استقلال "جمهورية إتشكيريا الشيشانية" عن روسيا، يشرح أليكبيروف أنه "سبق للشيشانيين أن صوّتوا لصالح الحفاظ على الاتحاد السوفييتي، ولكن أملاً في الحصول على حقوق واستقلالية أكبر. وكان هناك دور للذاكرة التاريخية، إذ كان الشيشانيون أكبر شعب تم تهجيره من أرضه في الاتحاد السوفييتي في عام 1944".


ومع ذلك، يرى مدير مركز دراسات القوقاز أنه كان يمكن تفادي الحرب لو أن الرئيس الروسي آنذاك بوريس يلتسين، استقبل دوداييف ومنحه صلاحيات وإمكانيات أكبر، ولكن ذلك لم يحدث، كما لم تكن القيادة الشيشانية هي الأخرى تتمتع بالنضج السياسي الكافي لتسوية الخلافات بطريقة سلمية. ويضرب مثلاً على التعايش السلمي بين مختلف القوميات في روسيا، مشيراً إلى جمهورية تتارستان التي "دافع رئيسها السابق منتيمير شايمييف، عن مواقفها في إطار القانون وحقق لها استقلالية إلى درجة أنه بات لها تمثيل مستقل في الخارج من خلال مراكز ثقافية وغيرها".
وبدأت الحرب الشيشانية الأولى في 11 ديسمبر/كانون الأول 1994، عندما شنّت القوات الروسية عملية عسكرية في الشيشان، وذلك بعد يومين على توقيع يلتسين على المرسوم رقم 2166 "حول إجراءات منع نشاط العصابات المسلحة الخارجة عن القانون على أراضي الجمهورية الشيشانية وفي منطقة النزاع الأوسيتي الإنغوشي".
وكانت موسكو تتوقع أن تبسط سيطرتها على الإقليم سريعاً لكن ذلك لم يتحقق، بل دخلت في نزاع طويل الأمد تحوّل إلى خسارة سياسية وأثار ردود أفعال غاضبة داخل روسيا نظراً لسقوط آلاف القتلى والمفقودين في صفوف القوات الروسية. ولم تتمكن روسيا من السيطرة التامة على جمهورية الشيشان ذات الأغلبية المسلمة، إلا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، بتعيين أحمد قديروف الذي انحاز إلى جانب السلطات الروسية بعد بدء الحرب الثانية، حاكماً للشيشان، إلى أن تم اغتياله في العام 2004.
وفي عام 2007، قرر بوتين تعيين رمضان قديروف، نجل أحمد، رئيساً للشيشان التي أصبحت تُعرف كأكثر أقاليم روسيا ولاء لبوتين وتأييداً لسياسات حزب "روسيا الموحّدة" الحاكم، ليحصد فيها 99,5 في المائة من أصوت الناخبين في الانتخابات التشريعية عام 2011. ونال بوتين تأييد 99,76 في المائة من الناخبين في الشيشان في الانتخابات الرئاسية لعام 2012 التي أسفرت عن عودته إلى الرئاسة بعد أن شغل منصب رئيس الوزراء لمدة أربعة أعوام. وحظيت الشيشان خلال فترة حكم بوتين بدعم مالي ضخم من الميزانية الفيدرالية وتمت إعادة إعمارها، لتبدو عاصمتها غروزني وكأنها لم تشهد أي حروب.

المساهمون