بازار الانتخابات الأميركية: ترامب يراجع خطابه وكلينتون تخترق الجمهوريين

بازار الانتخابات الأميركية: ترامب يراجع خطابه وكلينتون تخترق الجمهوريين

29 اغسطس 2016
يحاول ترامب استخدام خطاب انتخابي جديد تجاه الأقليات(مارك والهيسر/Getty)
+ الخط -
دخل السباق الانتخابي للوصول إلى البيت الأبيض مرحلة حاسمة، وشهدت الأسابيع القليلة الماضية تحوّلات وتغييرات جذرية في الاستراتيجيات الانتخابية للمرشحَين الرئاسيين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون. صحيح أن ترامب خرج قوياً من المؤتمر العام للحزب الجمهوري، إلا أنه خلّف وراءه حزباً ضعيفاً مترهلاً، هجره رموزه التاريخيون. أما خطاب التحريض العنصري ضد المسلمين والمهاجرين المقيمين بطريقة غير شرعية في الولايات المتحدة، الذي بنى عليه ترامب شعبيته وأثبت فاعليته خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، فإنه يتحوّل إلى عبء انتخابي في المعركة الرئاسية ضد كلينتون، والمقررة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

حال الحملة الانتخابية للمرشحة الديمقراطية ليس أفضل بكثير، على الرغم من استمرار تقدّمها على ترامب في استطلاعات الرأي وتسجيلها اختراقات في الولايات المرجِّحة انتخابياً مثل فلوريدا، فرجينيا، بنسلفانيا ونورث كارولينا. فقد انعقد المؤتمر الديمقراطي على وقع فضيحة القرصنة الإلكترونية للحزب الديمقراطي التي أطاحت برئيسة الحزب ديبي شولتز بعد نشر رسائل حزبية داخلية تثبت انحيازها لصالح كلينتون ضد منافسها المرشح الديمقراطي الآخر بيرني ساندرز.

لعبة الأرقام
على عكس مرحلة الانتخابات التمهيدية عندما كانت أرقام استطلاعات الرأي دائماً في صف ترامب ضد المرشحين الآخرين عن الحزب الجمهوري، فإن المعركة مع كلينتون على المستوى الوطني قلبت الموازين رأساً على عقب، وتحوّلت أرقام الاستطلاعات إلى عدو جديد للملياردير النيويوركي أضيفت إلى لائحة أعدائه الكثر، والتي باتت تجمع أخصامه في الحزب الجمهوري نفسه إلى جانب مرشحة الحزب الديمقراطي المنافس ووسائل إعلام أميركية يتهمها بالتحيز ضده. بالإضافة إلى العداوات "الكلاسيكية "التي اكتسبها بفضل تعليقاته وتصريحاته العنصرية ضد المسلمين والمهاجرين من أصول لاتينية وطبعاً الأميركيين من أصول أفريقية وفي طليعتهم الرئيس الحالي باراك أوباما.

ويرى مراقبون أن ترامب فعل خيراً بطي صفحة السجال مع خضر وغزالة خان، والدَي الجندي الأميركي المسلم هوماين خان الذي قُتل في حرب العراق، بعدما ألقى خضر خان خطاباً مؤثراً من على منصة المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي. فالسجال مع هذا الأميركي ذي الأصول الباكستانية ألحق ضرراً كبيراً بحملة ترامب الانتخابية، خصوصاً في أوساط العسكريين الأميركيين وقدامى المحاربين وعائلاتهم، جراء السجال مع مواطن أميركي مسلم فَقَد ابنه في الحرب من أجل حماية أمن الشعب الأميركي ومصالحه.

وفي إطار محاولة رأب الصدع الذي أصاب حملته الانتخابية ومعالجة خلافاته مع رموز وقيادات الحزب الجمهوري، اضطر ترامب إلى إعلان دعمه لرئيس مجلس النواب الجمهوري بول ريان في الانتخابات التمهيدية للحزب في ولاية ويسكنسن، بعدما كان أعلن سابقاً معارضته إعادة انتخاب ريان وسيناتور ولاية لويزيانا جون ماكين. كما شهدت ماكينة ترامب الانتخابية حملة من الإقالات والاستقالات بعد الإرباك الذي أصابها نتيجة الهفوات والزلات الإعلامية المتتالية التي ارتكبها المرشح الجمهوري، منها انزعاجه من بكاء طفل رضيع خلال إلقائه خطاباً انتخابياً متلفزاً وطلبه إخراج الرضيع من القاعة، أو إعلانه سلفاً أن نتائج الانتخابات التي ستشهدها الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل ستكون مزورة. وهو ما رأى فيه أوباما سبباً إضافياً لاعتبار ترامب شخصاً لا تتوفر فيه المواصفات المطلوبة لرئيس الولايات المتحدة الأميركية.

الدور الروسي
على وقع الاختراق الإلكتروني لبريد الحزب الديمقراطي واتهام الاستخبارات بتسريب الرسائل الإلكترونية المسروقة إلى موقع "ويكيليكس" الذي نشر منها 20 ألف رسالة، انطلقت الحرب الإعلامية بين حملتي كلينتون وترامب. وكشفت الرسائل المسربة أن قياديين كبارا في الحزب الديمقراطي تواطؤوا لصالح كلينتون ضد ساندرز خلال الانتخابات الديمقراطية التمهيدية لاختيار المرشح الرئاسي، وأنهم حرضوا الناخبين في ولايات الجنوب المحافظة ضد ساندرز من خلال إثارة مسألة انتمائه للديانة اليهودية وأفكاره اليسارية.

وبانتظار جلاء نتائج التحقيقات التي بدأها مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) للكشف عن الجهة التي تقف خلف عملية القرصنة، ورغم نفي موسكو مسؤوليتها عن ذلك، فإن مسؤولين أميركيين لم يستبعدوا احتمال تورط الاستخبارات الروسية في التجسس الإلكتروني على قيادة أحد الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة. ويعتبر هؤلاء المسؤولون أن الخطير والجديد في الاختراق الإلكتروني الاستخباراتي الروسي لا يتعلق بقيمة وحساسية المعلومات والرسائل المقرصنة من "سيرفر" (خادم الكمبيوتر) الحزب الديمقراطي، بل يتعلق بتقصّد نشرها أمام الرأي العام الأميركي والدخول المباشر على خط المواجهة الانتخابية بين كلينتون وترامب.
وسعت حملة ترامب لاستغلال الفضيحة الإلكترونية في الحزب الديمقراطي من أجل تعميق الخلافات والانقسامات الداخلية في هذا الحزب ومحاولة استمالة الناخبين الديمقراطيين المؤيدين لساندرز وإقناعهم بالتصويت لصالح ترامب ضد كلينتون. ورغم نفيه الاتهامات الديمقراطية بتنسيق حملته الانتخابية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أن ترامب حث الاستخبارات الروسية على قرصنة آلاف الرسائل الإلكترونية التي كانت قد مسحتها كلينتون قبل بدء تحقيقات "إف بي آي" في قضية استخدام بريدها الإلكتروني الخاص خلال عملها في وزارة الخارجية. هذه الدعوة العلنية من المرشح الجمهوري، لجهاز استخبارات دولة أجنبية ما زالت تُعتبر عدوة، للتدخّل في قضية لها أبعاد سياسية وأمنية أميركية داخلية، اعتُبرت سابقة تاريخية خطيرة لم يشهد تاريخ الانتخابات الأميركية مثيلاً لها. وقد ساعدت الفضيحة الإلكترونية حملة ترامب على تسجيل نقاط ضد كلينتون وإلحاق مزيد من الأذى في صورة المرشحة الديمقراطية والنيل من مصداقيتها لدى الرأي العام الأميركي، والتشكيك في كفاءتها لتبوّء منصب الرئاسة.

تناقضات ترامب
قد تكون الانقلابات الدراماتيكية في مواقف ترامب وتصريحاته المتناقضة خلال الأيام القليلة الماضية، هي أكثر التحوّلات جذرية في استراتيجيته الانتخابية، ما استدعى تغييراً في استراتيجية كلينتون في الجهة المقابلة. وبعد تغيير فريقه الانتخابي، وإقالة مدير الحملة بول مانافورت المتهم بالتورط بقضايا فساد مع الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، استعان ترامب بمستشارين جدد بينهم المدير السابق لمحطة "فوكس نيوز" اليمينية روجر إيلز والناشط الإعلامي ستيف بانون المعروف بعلاقته مع المجموعات العنصرية المتشددة.


ويحاول ترامب استخدام خطاب انتخابي جديد تجاه الأقليات يوحي بالظاهر أنه يقطع مع شعاراته الانتخابية السابقة. وقد عقد اجتماعات مطولة مع ناشطين جمهوريين من اللاتينيين وأصحاب البشرة السوداء الأسبوع الماضي في إطار مساعيه لبناء جسور مع ناخبي الأقليات، بعدما أظهرت استطلاعات رأي أن أكثر من تسعين في المئة من الأميركيين الأفارقة وحوالي سبعين في المئة من ذوي الأصول اللاتينية سيقترعون لصالح كلينتون في الانتخابات المقبلة.
وقبل نحو أسبوعين خص ترامب الأميركيين الأفارقة بخطاب دعاهم فيه إلى انتخابه وتعهّد أنه الرئيس الوحيد القادر على تغيير ظروفهم الحياتية والاجتماعية الصعبة. ثم بدأ بإطلاق تصريحات متناقضة بشأن مسألة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من المكسيك والدول اللاتينية الأخرى، بعدما أرجأ الإعلان عن خطته المفصلة لحل هذه القضية في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية. وردت كلينتون على محاولات ترامب خرق قواعدها الانتخابية في صفوف الأقليات بمهاجمة المرشح الجمهوري في عقر داره وتوجيه خطاب للجمهوريين وتحديداً المعارضين لتسميته مرشحاً عن الحزب.

الحرب على الإعلام
التحوّلات في استراتيجية ترامب جاءت أيضاً عقب حرب مفتوحة شنّها على وسائل الإعلام الأميركية التي يتهمها بالانحياز لصالح المرشحة الديمقراطية. وقد طاولت حملة ترامب صحيفتي "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" ومحطة "سي إن إن" التلفزيونية.

"الحرب الترامبية" على وسائل الإعلام الأميركية، والتي بلغت ذروتها بإعلان المرشح الجمهوري أن معركته الانتخابية هي ضد الإعلام قبل أن تكون ضد كلينتون، جاءت بعد سلسلة من التصريحات المثيرة للجدل التي أطلقها المرشح الجمهوري وسارع لاحقاً إلى التراجع عنها. وقد عمّق الإرباك في فريق ترامب الإعلامي والسياسي، حالة الشرخ مع الإعلاميين والصحافيين. وزاد حذر هؤلاء من الاقتراب من مهرجانات ترامب وآثروا الابتعاد عن تجمّعات أنصاره وعدوانيتهم تجاه وسائل الإعلام والعاملين فيها.
اختار الثري النيويوركي خلال الشهور الماضية استراتيجية المواجهة المباشرة مع الإعلام والصحافيين واتهام وسائل الإعلام بالانحياز ضده رداً على انتقاد تصريحاته العنصرية ضد المسلمين والمكسيكيين خصوصاً. ويبدو أن تلك الاستراتيجية أثبتت فعاليتها وأكسبت نجم تلفزيون الواقع، مزيداً من الشعبية في أوساط اليمين الأميركي الغاضب من إدارة أوباما. ويُسجل لترامب أن استراتيجيته الإعلامية المشاكسة جعلته الخبر اليومي الأول في غالبية وسائل الإعلام الأميركية، ما جعله يتباهى مراراً بأنّه يحتل الشاشات والصفحات الأولى في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي بأقل كلفة مالية.

المساهمون