تونس: فترة سماح قصيرة ومعارضة مبكرة لحكومة الشاهد

تونس: فترة سماح قصيرة ومعارضة مبكرة لحكومة الشاهد

28 اغسطس 2016
الشاهد وعدد من وزراء حكومته أمام البرلمان التونسي(فرانس برس)
+ الخط -
حصلت الحكومة التونسية برئاسة يوسف الشاهد، على ثقة البرلمان التونسي بنسبة عالية، مع نيلها 168 صوتاً. وتجاوزت بذلك كل الحكومات السابقة، على الرغم من الانتقادات والتحذيرات التي واجهها الرئيس المكلف. ووجّه الحلفاء قبل الخصوم رسالة إلى الشاهد، مفادها أن الدعم والمساندة لا تعني "شيكاً على بياض" في المرحلة المقبلة. ورأى البعض أن البيان الذي ألقاه أمام البرلمان يوم الجمعة، لا يعدو أن يكون إعلان نوايا. وطالبوا بتقديم تشخيص شامل لكل قطاع على حدة، في تونس، وبوضع خطة خاصة لإنقاذه في إطار برنامج مفصل. وأصروا على ضرورة تقديم هذا البرنامج للنواب وتنفيذه ضمن مهلة زمنية محددة، على أن يحاسب الشاهد على أي تقصير أو تقاعس.

ولاقى بيان الشاهد استحساناً من تكتلات نيابية مساندة لحكومته، لا سيما تلك التي وقعت على وثيقة قرطاج (حول تشكيل حكومة وحدة وطنية في تونس). لكن برزت أيضاً تحفظات واسعة عليه، لأنه يمثل في نظر عدد كبير من النواب "إعلان نوايا"، ولأن العبرة في التنفيذ والالتزام بما تعهد به رئيس الحكومة الجديد.

وقالت المتحدثة باسم مجلس شورى حركة النهضة، عضو كتلتها البرلمانية، سناء المرسني، في حديث لـ"العربي الجديد" إن خطاب الشاهد بدا شجاعاً وذكياً، إذ أقدم على مكاشفة التونسيين بحقيقة الوضع الاقتصادي الحرج الذي تمر به البلاد. واعتبرت أن الخطاب جاء مباشراً ومبسطاً، استهدف المواطن العادي قبل النواب. لكن التشخيص والشرح المبسط لا يحجب نواقص أخرى من بينها غياب استراتيجية واضحة للعمل وإجراءات واضحة سيتم تنفيذها بدل الاقتصار على ما جاء بوثيقة قرطاج، وفق قولها.

وفي السياق، أكد رئيس كتلة الاتحاد الوطني الحر بالبرلمان، طارق الفتيتي، أن الشاهد تسلم البلاد في توقيت حرج ما يستوجب إصلاحات عميقة، وأنه من الإيجابي مصارحته للتونسيين لكنه لم يقدم مؤشرات دقيقة حتى يكشف حقيقة الوضع، على حد تعبيره. ولفت إلى أن النواب ينتظرون أن تقدم الحكومة بعد فترة وجيزة من مزاولتها لمهامها، حصيلة مفصلة عن عملها مستقبلاً، وتشخيصاً للأزمة وكشف المتسببين فيها أيضاً. وتابع أن أهم "عيوب" حكومة الشاهد، التي رفض "الوطني الحر" المشاركة فيها مع أنه منحها الثقة، يتمثل في أنها تضم شخصيات على أسس سياسية في إطار المحاصصة وفي ظل غياب واضح لبرامج ومشاريع عمل.


أما حزب مشروع تونس الذي حضرت قياداته (من غير النواب) الجلسة النيابية العامة، فقد اعتبر تصويته لحكومة الشاهد واجباً وطنياً في إطار دعم الاستقرار السياسي في البلاد. وقال زعيمه، محسن مرزوق، لـ"العربي الجديد" إن البرنامج الذي قدمه رئيس الحكومة المكلف هو برنامج "إنقاذ"، فيما تتطلب البلاد برنامج "إقلاع" ورؤية استراتيجية للمستقبل حتى لا تصبح في وضع حرج. وسيطالب حزب مشروع تونس الشاهد وفريقه، إثر مرور شهرين على منحه الثقة، بجردة حول ما أنجزوه في إطار الإجراءات العاجلة، فيما ستتم محاسبته على رؤيته واستراتيجيته على مدى أبعد، وفق مرزوق.

وانتقد نواب من حزب نداء تونس، خلال الجلسة العامة، بعض الأسماء التي اختارها الشاهد في طاقمه الوزاري. وأكد النائب عن النداء، حاتم الفرجاني، في حديث لـ"العربي الجديد" أن الحكومة الجديدة تتوفر فيها جميع شروط النجاح، لكن أسماء بعض الوزراء تطرح نقاط استفهام، إذ تم قبول وزراء لا تسمح سيرهم الذاتية ومسيرتهم التعليمية والمهنية لهم بالحصول على منصب كهذا في الحكومة، لكن الشاهد ضمهم لفريقه، بحسب النائب.

واتفق حزب آفاق تونس بدوره مع الرأي الندائي المشيد بالحكومة. وقال الناطق الرسمي باسم الحزب، وليد صفر، لـ"العربي الجديد"، إن خبرة الشاهد التي حصل عليها خلال عمله ضمن طاقم رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، وملامسته للواقع، مكنتاه من تشخيص الوضع.

وفي حين اكتفت الأحزاب الداعمة للحكومة بانتقاد غياب استراتيجية واضحة ودقيقة لعمل الشاهد مستقبلاً، اعترضت المعارضة على عدة جوانب في بيانه الوزاري. ورأى القيادي بالجبهة الشعبية، جيلاني الهمامي، لـ"العربي الجديد" أن رئيس الحكومة جاء لتبرئة نفسه حتى لا يحاسب مستقبلاً على الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي، على اعتبار أنه تسلم مهامه في ظل هذا الوضع، وأن هامش الإصلاح وتحقيق الانتعاش الاقتصادي ضعيف. وأضاف أن الشاهد تناسى أن من أساسيات التشخيص هي أن يحدد من هم المسؤولون عن الوصول بالبلاد إلى هذا الوضع، وأن يوضح ما هي الخيارات التي قادت إليه. وأشار إلى أن لرئيس الحكومة المكلف برنامجا مفصلا عن عمله وعن اجتماعاته وتواريخ النظر في الإصلاحات التي وقعت عليها تونس مع صندوق النقد الدولي، لكنه امتنع عن تقديمها لأنه كان واثقاً من حصوله على الثقة بأغلبية مريحة، ولذلك رفضت الجبهة الشعبية منحه الثقة، وفق الهمامي.

من جانبه، أكد أمين عام حركة الشعب، زهير المغزاوي، الذي شارك في مشاورات قرطاج لكنه انسحب في الدقائق الأخيرة للمشاورات، أن الحركة تحفظت خلال التصويت على منح الثقة لحكومة الشاهد لما شهدته المبادرة من تسرع وقفز بعض الأطراف عليها واستغلالها. ووصف خطاب رئيس الحكومة الجديدة أمام البرلمان بـ"الكلام الجميل والتعهدات بالعديد من الإجراءات ولكن الكلمات الجميلة لا تعني شيئاً إذا لم تتحقق على أرض الواقع من خلال إنجازات، وما ينتظره الشعب من تشغيل وتنمية داخل المناطق المحرومة"، على حد تعبيره.

ووجه التيار الديمقراطي على لسان الأمين العام، غازي الشواشي، انتقادات عدة لبيان الشاهد وطاقمه. ونفى في تصريح لـ"العربي الجديد" أن يكون "طاعناً في نية الشاهد" لكنه اعتبر أن جميع المؤشرات تدل على أن الحكومة ستخفق في عملها لأنها تفتقر إلى إرادة الإصلاح والنهوض بالبلاد، وفق قوله.

المساهمون