المفاجآت القانونية لتيران وصنافير تتواصل... والنظام يبحث حلاً عاجلاً

المفاجآت القانونية لتيران وصنافير تتواصل... والنظام يبحث حلاً عاجلاً

28 اغسطس 2016
من تظاهرة 15 أبريل أمام نقابة الصحافيين(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
شهدت قضية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية وفقاً لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، منعطفاً جديداً أمس السبت، بصدور حكم من الدائرة السابعة لفحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا المصرية بقبول طلب تنحي الدائرة الأولى بالمحكمة عن النظر في القضية، وهو الطلب الذي تقدم به المحامي عادل سليمان أحد المدعين في القضية. ومثل الحكم، مفاجأة للمتابعين، لأنه الحكم الأول من نوعه في تاريخ المحكمة الإدارية العليا (قمة محاكم مجلس الدولة المصري) بقبول طلب رد دائرة بكاملها، ما خلا القاضيين محمد إبراهيم النجار وعبدالفتاح أبوالليل، الأول بسبب وفاته والثاني أحيل للتقاعد لبلوغه السن القانونية. ووجهت المحكمة برئاسة المستشار ماهر أبوالعينين وعضوية المستشارين مجدي الجارحي وأحمد الإبياري انتقادات شديدة اللهجة للدائرة الأولى، واتهمتها بمخالفة القانون بتجاهلها الرد على أسباب طلب التنحي، المقدمة من المحامي، وكذلك عدم إرسال ملف القضية للمحكمة التي تنظر الطلب، ووصفتها بأنها "أعطت أدلة عدم حيادها بنفسها، وأثبتت وجود مودة بينها وبين أحد الخصوم".


ولم تتحدث المحكمة في قرارها غير المسبوق عن أسباب طلب التنحية، والتي كان على رأسها أن القاضي الذي يرأس الدائرة حالياً فوزي عبدالراضي منتدب في وزارة الخارجية إحدى الجهات التي طعنت على حكم أول درجة، وأن الدائرة حددت جلسة خاصة في وقت قياسي للنظر بالطعن على حكم أول درجة، وأن الدائرة بينها وبين وزير الشؤون القانونية مجدي العجاتي مودة لأنه كان يعمل في السابق مع بعض أعضاء الدائرة. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن الدائرة الأولى في المحكمة الإدارية العليا المطلوب تنحيتها "خالفت الضوابط والقواعد المنصوص عليها في قانون المرافعات والتي جاء بها أنه يجب على قلم كتاب المحكمة رفع تقرير الرد إلى رئيسها مرفقاً به بيان ما قدم من طلبات الرد في الدعوى وما تم فيها، وذلك كله خلال 24 ساعة، وعلى الرئيس أن يطلع القاضي المطلوب تنحيته على التقرير فوراً، وأن يرسل صورة منه للنيابة، وكذلك المادة 156 من قانون المرافعات التي تنص على إلزام القاضي المطلوب رده بأن يجيب بالكتابة على وقائع الرد وأسبابه خلال الأيام الأربع التالية لاطلاعه على تقرير الرد".

وأكدت المحكمة أن المستفاد من هذه المواد أن القاضي المطلوب تنحيته، عليه أن يرد تفصيلاً وبصورة منفردة بعد أن يطلع على الطلب، وفقاً لما نصت عليه مواد القانون. إلا أن الدائرة المطلوب ردّها (تنحيتها) خالفت هذه الأسس القانونية، حيث كان واجباً أن يتم تنظيم محضر من رئيس الدائرة الأولى بالإدارية العليا، وليس من رئيس الدائرة المطلوب تنحيتها، ويقوم بإطلاع القضاة على الطلب، أو وفقاً للعرف الجاري في مجلس الدولة أن ينتظر هؤلاء القضاة إلى أن تطلب منهم الدائرة التي تنظر طلب التنحي، ويقدمون مذكرات بالرد على ذلك، أو أن يقوموا من تلقاء أنفسهم بالاطلاع على الأسباب، ويردوا عليها ويقرروا أن ما جاء في الطلب من أسباب لا يندرج أي منها ضمن ما حددته المادتان 146 و148 من قانون المرافعات.

وأشارت المحكمة أيضاً إلى أنها تملك وفقاً للفقرة الرابعة من المادة 146 من القانون، أن تحدد ما إذا كانت هناك أسباب أخرى تدعو للمساس بحياد القاضي أو القضاة الذين ينظرون الدعوى فضلاً عن أن هناك من أسباب التنحية، ما جاء محدداً وواضحاً في وجود منتدبين من أعضاء الدائرة المطلوب ردهم لدى جهات لها صلة بموضوع الدعوى، كوزارة الخارجية.
ثم تحدثت المحكمة عن السبب الرئيسي للحكم برد الدائرة، وهو عدم إجابة القضاة المطلوب تنحيتهم عن النظر بالقضية، على الأسباب المذكورة في طلب التنحية. وذكرت أن رئيس وأعضاء الدائرة لم يردوا بالنفي أو الإيجاب على مسألة الانتداب، وهو ما يجعل الأمر وكأن الدائرة لم تجب على طلب الرد أصلاً.

وأشارت إلى أن المحكمة عاودت إرسال خطاب شخصي لكل قاض من القضاة المطلوب تنحيتهم، للرد على الوقائع المذكورة، غير أنهم قدموا مذكرة جماعية أشاروا فيها إلى أنهم سبق وأودعوا ردهم في ملف الطلب، وأكدوا أن الأسباب المذكورة لا تتماشى مع مواد القانون. واعتبرت المحكمة أن "هذا المسلك يوضح جلياً أن الدائرة المطلوب تنحيتها، أصرت على عدم الرد على نحو واضح بما نسب إليهم من الإسراع الشديد في تحديد جلسة نظر طلب وقف تنفيذ حكم تيران وصنافير، وندب بعض أعضاء الدائرة لإحدى الجهات التي طعنت في الحكم وهي وزارة الخارجية، بل إنها لم ترد في صورة نفي أو تبرير، مما يتناقض مع أحكام المادة 148 من قانون المرافعات". وانتهت المحكمة إلى أنه "استقر في ضمير هذه المحكمة وجود مودة من المحكمة لأحد الخصوم يرجح معها عدم استطاعتها الحكم بغير ميل (بحياد)، ويتعين لذلك رد المحكمة وتنحيتها عن نظر القضية".

مسارات متشابكة
بناء على هذا الحكم، ستحال القضية مرة أخرى إلى رئيس مجلس الدولة المستشار محمد مسعود لتحديد دائرة جديدة لنظر طعن الحكومة على حكم أول درجة، ويرجح أن يكون ذلك خلال الأسبوع الجاري. ويمكن لمسعود اختيار دائرة من بين 9 دوائر متاحة في المحكمة الإدارية العليا للنظر بالطعن، مع استبعاد الدائرة الأولى المردودة والدائرة السابعة التي فصلت في طلب الرد. ولا تقتصر الجولات القضائية لتيران وصنافير على ذلك، فمن المقرر أن تنظر محكمة الأمور المستعجلة باستشكالين رفعهما مواطنان لوقف تنفيذ حكم بطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية يوم الثلاثاء المقبل، كما ستنظر محكمة القضاء الإداري التي أصدرت الحكم استشكالين متعاكسين لوقف تنفيذ الحكم وللاستمرار في تنفيذه في 6 سبتمبر/أيلول المقبل، بينما لم تحدد أي جلسة حتى الآن للنظر بمنازعة التنفيذ التي أقامتها الحكومة لوقف تنفيذ الحكم أمام المحكمة الدستورية العليا.

ارتباك حكومي
وعقب صدور الحكم تواصل "العربي الجديد" مع عدد من المصادر الحكومية المطلعة على مسار القضية وذات الصلة بتعامل أجهزة الدولة معها، إذ أكدت أن هناك "ارتباكاً شديداً في مجلس الوزراء بسبب صدور هذا الحكم المفاجئ على عكس المبادئ السابقة للمحكمة الإدارية العليا". وأشارت إلى أن "صدور الحكم بهذه الطريقة قد يدفع الحكومة للإسراع بعرض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية على مجلس النواب خلال أيام قبل انتهاء الدورة الحالية للبرلمان، نظراً لأن الحكم حالياً موقوف التنفيذ بنص المادة 312 من قانون المرافعات لأن هناك استشكالات مقامة عليه ولم يتم الفصل فيها بعد.

وأضافت المصادر أن "هناك اتصالات عاجلة جرت بين رئيس الوزراء ووزيري العدل والشؤون القانونية ورئيس مجلس النواب، للتباحث في الأمر، وأن الكلمة الأخيرة بطبيعة الحال ستكون للمستشارين القانونيين القريبين من رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي". وحول الأزمة السياسية التي تكشفها التحركات الحكومية الفاشلة للتغلب على حكم أول درجة وتمرير الاتفاقية حتى الآن، تجيب المصادر أن "الحكومة حريصة جداً على تمرير الاتفاقية وتنفيذ ما توافقت عليه مصر والسعودية، لكن يبدو أن هناك جهات معينة داخل الدولة تريد عرقلة هذه الاتفاقية" رافضة كشف مزيد من التفاصيل عن هذه الجهات أو علاقاتها بالسلطة.
واستطردت المصادر أنه "في السابق، لم تكن المحاكم تقف في مواجهة أي اتفاقية دولية توقع على هذا المستوى، وهذا يعكس تحولاً في موازين القوى وتغيراً في العلاقة بين السلطة الحاكمة والقضاء"، لافتة إلى أن "المحكمة التي أصدرت الحكم سبق ورفضت دعاوى مشابهة للطعن على اتفاقيات دولية أخرى، منها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص الموقعة عام 2003". وعن تبعات استمرار تعليق تنفيذ الاتفاقية وأثر ذلك على العلاقات السياسية والاقتصادية بالسعودية، تجزم المصادر بأن "الرياض متفهمة حتى الآن ما يحدث في المسار القانوني، ولهم مستشارون قانونيون مصريون أعلموهم بطبيعة ما يجري من تطورات قضائية".