الحلم الأوروبي المؤجل

انجذب الأكاديمي والناشط الشيوعي الإيطالي التيرو سبينيلي لأفكار لينين وتروتسكي، وقبل أن يتم السابعة عشرة من عمره انضم في عام 1924 إلى الحزب الاشتراكي الإيطالي، وانخرط في المقاومة ضد بنيتو موسوليني الذي استولى على السلطة في أكتوبر/ تشرين الأول 1922. في عام 1928، اعتقل سبينيلي وزُج في سجن جزيرة فينتوتيني مع المئات من المعتقلين السياسيين الأوروبيين الرافضين للفاشية والنازية.

انكب سبينيلي في سجنه على وضع أفكاره وأحلامه عن أوروبا موحدة تقوم على قيم العدالة الاجتماعية. كان يكتب الخطوط العريضة لمستقبل أوروبا على أوراق لف التبغ، ويهربها مع زوار السجناء لتُنشر في أنحاء أوروبا، وتُشكل في ما بعد روح "بيان فينتوتيني" الذي طرح في عام 1941 تصوراً لأوروبا "فيدرالية". كتب سبينيلي على إحدى أوراق السجائر المُهربة من السجن: "أوروبا حرة وموحدة... ستحيا مُجدداً لتناضل ضد الفوارق الاجتماعية والتمييز الطبقي". وكتب في ورقة ثانية أفكاره حول ضرورة قيام "الولايات المتحدة الأوروبية". وبذلك عُرف سبينيلي بمُؤسس "الحركة الفيدرالية الأوروبية"، وأبو "التكامل الأوروبي".
وفي ما يشبه تجديد العهد لأحلام سبينيلي و"بيان فينتوتيني"، التقى قبل أيام رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، في جزيرة فينتوتيني للبحث في مستقبل "يحمي الأمم الأوروبية من خطر التفتت والتقسيم والأنانية والانكفاء"، على حد تعبير الرئيس الفرنسي. وبعيداً عن "رمزية" قمة فينتوتيني، يبدو حلم "الولايات المتحدة الأوروبية" الذي ورد في كتابات سبينيلي قبل 75 سنة تقريباً، أبعد ما يكون عن التحقق، لا سيما بعد أن صوّت 52 في المائة من البريطانيين لصالح انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، في استفتاء وصفه البعض بـ"أول الغيث" وسط تصاعد لافت للأحزاب والحركات الشعبوية اليمينية في معظم دول الاتحاد الأوروبي، والتي تسعى لنسخ نموذج "بريكست" البريطاني، بعد سقوط "أوروبا الموحدة" أمام التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي اجتاحت أوروبا وحدودها خلال الخمس سنوات الماضية.
ربما "لم ينته" الحلم الأوروبي، كما قال رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي، وهو يقف أمام ضريح التيرو سبينيلي الذي توفي في عام 1986، لكن الأكيد أن حلم "الولايات المتحدة الأوروبية" تأجل إلى أجل غير قريب، على الأقل في أجندة المستشارة الألمانية.