الاندفاعة لدرء "المكيدة الجنوبية": نهاية التردّد التركي حيال سورية

الاندفاعة لدرء "المكيدة الجنوبية": نهاية التردّد التركي حيال سورية

25 اغسطس 2016
عناصر من الجيش الحر في جرابلس أمس (مجد حلبي/الأناضول)
+ الخط -
أنهت عملية "درع الفرات"، التي بدأت يوم الأربعاء، التردد التركي الذي طال أمده حيال الملف السوري، ليبدأ فصل جديد أفقه لا يزال غير واضح المعالم. بقي الجيش التركي يراقب من بعيد ما يجري على حدود بلاده الجنوبية باستثناء عمليات محدودة لم تستطع إحداث تغييرات كبيرة في المشهد العسكري، حتى صار التهديد "وجودياً" بحسب الأتراك، إذ صارت تركيا عنواناً دورياً لاعتداءات تنظيم "داعش" وحدودها مساحة لإقليم كردي يتشكل مع مرور الأيام. وربما كان سعي الأكراد الحثيث إلى إنشاء كانتونهم في شمال سورية، ووصولهم إلى مراحل متقدمة فيه بالفعل، عاملاً حاسماً في "الانتفاضة" التركية، التي سبقتها تحولات سياسية تمهيدية ترجمت بإعادة أنقرة علاقاتها مع موسكو إلى سابق عهدها، وتوصلها لتفاهمات مع طهران خصوصاً لمنع قيام إقليم كردي في شمال سورية، وهو ما أمّن الغطاء لأنقرة لإطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق تحت شعار: لا داعش ولا وجود كردياً مسلحاً غربي الفرات.



ولا يرجح أن تتوقف "الاندفاعة التركية" عند حدود جرابلس وما حولها، اذ طلبت أنقرة يوم الأربعاء من مليشيا وحدات "حماية الشعب" الكردية العودة إلى شرق الفرات، فحذر وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو من أن بلاده "ستفعل ما هو ضروري" في حال عدم قيام المليشيات الكردية بذلك. ويبدو أن قوات "سوريا الديمقراطية" ليست في صدد التفكير في الانسحاب من مدينة منبج، ومن ثم من غرب الفرات، حيث قال آلدار خليل وهو قيادي سوري كردي بارز في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن "منبج سورية، ونحن سوريون"، مضيفاً: "الموجودون الآن في منبج هم أهلها، ولا يوجد غرباء"، مشيرا الى أن للمدينة مجلسها، وادارتها الخاصة. واعتبر خليل عملية "درع الفرات" التي بدأت الاربعاء "انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية، واحتلالاً لأراضيها واعلان حرب على الإدارة الذاتية، ومشروع الفيدرالية، وعلى جميع مكونات شمال سورية". كلام يبدو نسخة طبق الأصل عن الموقف السوري الصادر عن النظام والذي بدا حريصاً ايضاً على "سيادة" لم يبق منها الكثير بفعل التدخل الروسي والايراني واللبناني والعراقي إلى جانب النظام السوري.

وكثرت التفسيرات التي تناولت كلام الرئيس رجب طيب اردوغان في إعلانه الرسمي لانطلاق العملية، مؤكداً أن بلاده "لن ترضى بالمكيدة التي يُراد تنفيذها في سورية، ولن تقبل بفرض الأمر الواقع"، في إشارة واضحة إلى تصميم المليشيات الكردية على فرض إقليم على طول الشريط الحدودي مع تركيا. وصرحت مصادر عسكرية تركية لوكالة "الأناضول"، أن المدافع وراجمات الصواريخ التركية، وجهت – حتى ظهر الاربعاء- 294 ضربة ضد 81 هدفا، ضمن عملية "درع الفرات" شمالي سورية، مشيرة الى أن طائرات حربية من طراز إف 16 تشارك في العملية، وتقصف أهدافاً للتنظيم في المدينة، ومحيطها. وأوضحت تلك المصادر، أن عملية "درع الفرات" التي بدأتها القوات المسلحة التركية، تهدف لتأمين الحدود التركية، مشيرة الى أن تنظيم الدولة الإسلامية، أطلق منذ التاسع من يناير/ كانون الثاني الماضي حتى الآن، 57 قذيفة هاون، و79 قذيفة كاتيوشا، وقذيفتين موجهتين مضادتين للدروع، على المناطق السكنية التركية الحدودية مع سورية، وولايتي غازي عينتاب وكيليس التركيتين، والمخافر الحدودية، ما أدى الى مقتل واصابة العشرات من المدنيين.



ولم يتأخر تأييد المعارضة السورية للعملية التركية، حيث رحب الائتلاف الوطني السوري بـ "الدعم الذي تقدمه تركيا، والتحالف للعملية العسكرية في جرابلس"، مؤكدا أن الوجود العسكري للتحالف "مؤقت، ومحدود لأهداف المساندة اللوجستية والدعم، وأن مقاتلي الجيش الحر هم من يتولون العمليات القتالية الميدانية". وتفيد المعطيات بأن مقاتلي الفصائل السورية المشاركين في العملية، يقدر عددهم بخمسة آلاف، يتوزعون على الفصائل التالية: جيش التحرير، وكتائب حمزة، وجيش النصر، وكتائب المعتصم، وأحرار تل رفعت، ولواء الفتح، وفيلق الشام، والجبهة الشامية، وكتائب نور الدين الزنكي، والسلطان مراد (تركمان)، والفرقة 13، وصقور الجبل وأحرار الشام.

وتوقع المحلل التركي محمد زاهد غول في حديث مع "العربي الجديد" أن "تتصرف تركيا لحل المشكلة" في حال لم تلتزم قوات "سورية الديمقراطية" منبج وعودتها إلى شرق الفرات، مرجحاً قيام الجيش التركي بالاتجاه إلى منبج بعد السيطرة على جرابلس. وقال زاهد غول إن عملية "درع الفرات" تهدف إلى تأمين حدود تركيا الجنوبية، وهذه قضية أمن قومي، ولن يفرق الجيش التركي بين داعش والميليشيات الكردية فكلاهما مصنفان على أنهما منظمات إرهابية. وأشار إلى أن جميع الأطراف الإقليمية والدولية "على علم بالعملية"، موضحاً أن زيارة رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني إلى أنقرة تأتي في هذا الإطار، وهو الذي غادر أنقرة إلى طهران "ليقوم بدور إقليمي يتعلق بالمسألة السورية" بحسب تعبير المحلل التركي.


بدوره، لا يستبعد سفير الائتلاف الوطني السوري في روما، بسام العمادي، أن تكون هناك أهداف لعملية "درع الفرات" أبعد من جرابلس، إلا أنه لا يتوقع أن تعبر قوات تركية إلى شرق نهر الفرات. وأعرب عن قناعته في حديث مع "العربي الجديد" عن وجود "ضوء أخضر" أميركي للجيش التركي للبدء في درع الفرات"، لافتاً إلى أن دخول الجيش التركي إلى سورية بمثابة "تفعيل لمبدأ المصلحة المشتركة للشعبين السوري، والتركي بعدما أصبحت سورية محتلة من النظام وداعميه"، على حد تعبيره.