الأحزاب التونسية تفشل في اختبار الوحدة الوطنية

الأحزاب التونسية تفشل في اختبار الوحدة الوطنية

25 اغسطس 2016
يناقش البرلمان غداً الجمعة تشكيلة حكومة الشاهد (ياسين غيدي/الأناضول)
+ الخط -
توشك مشاورات حكومة الوحدة التونسية ومناوراتها السياسية أن تغير كثيراً المشهد السياسي في البلاد داخل الائتلاف الحاكم والمعارضة، خصوصاً أن المواقف التي رافقت التفاوض حول الحكومة والتي أعقبت الكشف عن تشكيلتها كرستّ هشاشة التوازنات وعدم ثبات كثير من الأحزاب حول خيارات واضحة. وقد أعطى هذا الأمر انطباعاً بأن الأحزاب والكتل والشخصيات السياسية التي تتبنى شعارات المصلحة العليا، تتصارع حول مواقع وتستعد لاستحقاقات مقبلة وتُخضع مواقفها لحسابات ضيقة للغاية، بعضها حزبي سياسي استراتيجي، وكثير منها شخصي غايته المناصب.
وجاء امتحان مبادرة "الوحدة الوطنية" ليختبر الكيانات السياسية التونسية، ويؤكد عدم تخطيها بعد لحواجز إيديولوجية ومناكفات شخصية. كما كشف بوضوح أن اجتماعها منذ البداية حول فكرة الوحدة الوطنية لم يكن جدياً.



وأتت تصريحات رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر، سليم الرياحي، الذي يتزعم رابع أحزاب ائتلاف حكومة الحبيب الصيد، خلال ندوة صحافية بعد استبعاده من حكومة يوسف الشاهد، لتكشف عن أن أحزاب الائتلاف كانت تبحث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية تتقاسم فيها أعباء الحكم مع القوى السياسية الأخرى لكن دون أن تمنح هذه القوى مشاركة فعلية في الحكم.

قال الرياحي في تصريحاته إن "وثيقة قرطاج" لم تنص على ضرورة إشراك المعارضة أو كل الموقعين عليها في صلب حكومة الوحدة الوطنية". واعتبر "أن مشاركة رموز معارضة في الحكومة يجعلها تجني رصيداً سياسياً استعداداً للانتخابات المقبلة، في حين كان ينبغي أولا إشراك الأحزاب الكبرى في البرلمان"، في إشارة إلى حزبه. وأشار الرياحي إلى "أن طبيعة المشاورات لم تكن لتفضي إلى تركيبة متناغمة، خصوصاً أنها جمعت أطرافاً معروفة بأنها تكنّ العداوة لبعضها البعض". ولهذا فهو لا يرى في هذا التشكيل حكومة قادرة على رفع التحديات، مهدداً بعدم منحها الثقة بشكلها الحالي.
وإذا كان موقف الوطني الحر واضحاً ومفهوماً بحكم خروجه، المؤقت ربما، من المشهد وإمكانية توهانه السياسي بين الموالاة والمعارضة، فإن موقف حركة النهضة عكس أيضاً بعض التذبذب في هذا الاتجاه. زعيمها راشد الغنوشي أكد في حديث إلى "العربي الجديد" استبشاره بتركيبة الحكومة التي كشفت عن تطور كبير في الساحة السياسية التونسية عجزت عن تحقيقه دول أخرى. وأشار إلى أنها المرة الأولى التي يلتقي فيها التيار الإسلامي مع التيار اليساري والتيار النقابي والقومي والليبيرالي، ما يعد إنجازاً محموداً، ويعكس "تونس الحقيقية" وتونس التوافق"، على حد وصفه.
في الوقت نفسه، وإثر الدورة الاستثنائية لمجلس شورى حركة النهضة المنعقدة منذ أيام، أبدت الأخيرة مجموعة من التحفظات على تركيبة حكومة الشاهد. وقال رئيس مجلس شورى النهضة، عبد الكريم الهاروني، لـ"العربي الجديد" في تصريحات سابقة، إنه "لن يقبل بأن تضم الحكومة أشخاصاً تحوم حولهم شبهات فساد أو إقصائيين، وهي تحفظات ستبلغها النهضة للشاهد قبل المصادقة على الحكومة في البرلمان". كما نفى الهاروني أن يكون تصويت النهضة على الحكومة في جلسة منح الثقة مشروطاً بتغيير بعض الأسماء التي تتحفظ عليها الحركة، معتبرا أن النهضة سيكون دورها إيجابياً في هذه المرحلة.
وبالرغم من أن هذه المواقف تعكس اختلافاً، قد يكون طبيعياً ومعقولاً، فإنها أكدت مرة أخرى أن الأحزاب لم تتخلص بعد من إرث السنوات الخمس الماضية، وما تخللته من سجالات سياسية وإيديولوجية، وبقيت على ريبتها وتوجسها المتبادل. الأمر الذي عززه السعي إلى تحييد وزارات السيادة بينما كان الجميع قد دعا إلى حكومة سياسية من جهة، واستهداف "شخصيات إقصائية" (المقصود منها الرموز اليسارية) بينما فرضت طاولة الوحدة الوطنية جمع الأطياف المتخالفة أصلاً من جهة ثانية.
بدورها وقعت "العائلة المعارضة" في فخ نفس المناكفات أيضاً، خصوصاً اليسارية، بعد دخول بعض رموزها إلى الحكومة. النائب عن الجبهة الشعبية، عمار عمروسية، قال في تصريح إذاعي، إن حكومة يوسف الشاهد ستقود إلى تعميق الأزمة وهي بمثابة التفاف على الثورة و"مكافأة ومحاصصة ذات طابع عائلي وجهوي مقيت". وفي تعليقه على مشاركة اليسار وأطراف محسوبة على الاتحاد العام التونسي للشغل في الحكومة، تساءل عمروسية ''عن أي يسار تتحدثون... هؤلاء لا يمثلون اليسار التقدمي والاجتماعي والثوري، واتحاد الشغل صرح بأن لا يمكن لأي جهة أن تتحدث باسمه، وأعلن صراحة أنه معني بالمشاورات حول برنامج الحكومة وليس معنياً بالمشاركة". وأضاف عمروسية ''هذا الوضع يذكرنا بانقلاب سنة 1987عندما التقط (الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين) بن علي الساقطين من اليسار وأسس بهم نظاما بقيت البلاد تعاني منه طيلة 23 سنة. لكن اليوم لا يوجد بن علي وإنما يوجد فكر بن علي''، على حد وصفه.
على الطرف الآخر، رد المتحدث الرسمي باسم الحزب الجمهوري، عصام الشابي، على تصريحات رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي المتعلقة بمشاركة المعارضة في حكومة الشاهد واعتبارها "مقايضة سياسية". وقال الشابي في تصريح إذاعي، لقد "سمعت التصريح واستغربت منه، رغم أنه صادر عن سليم الرياحي الذي لا يفقه شيئاً مع احترامي للجميع".
وجاءت هذه التصريحات والردود لتضاف إلى مواقف أخرى من مختلف الأحزاب والشخصيات، بالإضافة الى ما يشهده حزب نداء تونس من خلافات واستقالات بسبب تمثيل الحزب في مفاوضات الحكومة وترشيح الأسماء للوزارات، الأمر الذي يقود إلى الاستنتاج بأن الاحزاب التونسية ليست مستعدة بعد إلى منطق الوحدة الوطنية حزبياً على الأقل.

المساهمون