إسرائيل تحدد خريطة تحدياتها: ضمان الردع الإقليمي أولوية

إسرائيل تحدد خريطة تحدياتها: ضمان الردع الإقليمي أولوية

23 اغسطس 2016
الساحة الفلسطينية الأكثر إثارة لقلق الجيش الإسرائيلي(حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -
لم تتوقف الجهات الإسرائيلية المختلفة المختصة بقضايا الأمن والاستراتيجية في الأعوام الأخيرة، وتحديداً منذ اندلاع ثورات الربيع العربي وما تبعها من الثورات المضادة، عن محاولة رسم وتحديد ملامح خريطة الأخطار التي تهدد الأمن الإسرائيلي، وسبل مواجهة هذه الأخطار والتعامل معها. وتأتي هذه المحاولات، في ظل قناعة بتغييرات استراتيجية وجيوسياسية متلاحقة، مع انهيار "المنظومة الإقليمية القديمة"، وزوال "خطر الجيوش النظامية العربية على إسرائيل"، سواء بفعل اتفاقيتي السلام مع كل من مصر والأردن، أم بفعل تراجع سلطة الدول العربية وحالة الغليان التي تشهدها وغياب الاستقرار كما في العراق، وتحت ضربات الحرب الضارية التي يشنها النظام السوري وحلفاؤه على الشعب السوري.
وفي هذا السياق، أعاد مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، نشر مداخلة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي أيزنكوط، أمام المؤتمر السنوي للمركز في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، مع إدخال تعديلات تتعلق بالتحديات المستقبلية للأمن الإسرائيلي. ونُشرت المداخلة على شكل مقالة في مجلة الأبحاث العسكرية الصادرة عن المركز "الجيش والاستراتيجية".
استهل أيزنكوط مقالته المعدّلة باستعراض التغيرات في البيئة الاستراتيجية لإسرائيل، محدداً الاتفاق النووي مع إيران، مع ما يحمله من فرص في السنوات الأولى التي تلتزم فيها إيران بالاتفاق، لجهة إزالة خطر وجودي عن إسرائيل، مقابل الأخطار التي قد يحملها بعد 15 عاماً، حين سيكون على إسرائيل أن تضع إيران تحت عينها الفاحصة والمراقبة دائماً، لما في ذلك من تغيير وتداعيات على القوة العسكرية للجيش الإسرائيلية وسبل وأدوات تفعيل هذه القوة واستعمالها عند الضرورة.
وإذا كان الملف النووي بعد الاتفاق يريح إسرائيل في المرحلة الحالية من "الخطر الوجودي"، فإن الفترة الحالية برأي رئيس أركان جيش الاحتلال، ستكون مجالاً مفتوحاً أمام إيران لتوسيع هيمنتها وتأثيرها في المنطقة عبر استخدام أدواتها وفي مقدمتها حزب الله، وسعي إيران لتعزيز قدراتها العسكرية الصاروخية المختلفة وبناء مكنتها الحربية بالاستفادة من ثمار رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
أما العامل الثاني المؤثر في طبيعة التحديات أمام إسرائيل، فهو بحسب أيزنكوط بيئة العمليات، "أي ميادين القتال" التي سيكون على جيش الاحتلال تحسين قدراته القتالية فيها، مع رصد تكرار حالات تدهور أو تطور عملية عينية تكتيكية إلى عملية قتالية واسعة قد تصل إلى حالة الحرب، كما حدث مثلاً في حرب 2006 على لبنان بعد اختطاف ثلاثة جنود إسرائيليين عند الحدود اللبنانية الإسرائيلية، أو في توسع العمليات في قطاع غزة في تموز 2014 إلى حالة حرب شاملة على القطاع.
وفي هذا السياق، رأى أيزنكوط أن المهمة الرئيسية الملقاة على عاتق الجيش الإسرائيلي تكمن في بناء قوته العسكرية وملاءمتها لتحديات المستقبل، وهي مهمة ترتبط في واقع الحال بالخطة الجديدة للجيش الإسرائيلي التي أقرها أيزنكوط، كخطة عمل خماسية معروفة باسم خطة غدعون. وذكر أن أحد أبرز عناصر الخطة هو تقليص حجم الجيش وقواته والاستغناء عن أعداد كبيرة من الاحتياط بما يسمح بسيطرة أكبر على مجريات الأمور، وترشيد التدريبات العسكرية اللازمة لضمان جهوزية عالية لدى الجيش.
العامل الثالث الذي أشار إليه أيزنكوط، وهي إشارة يمكن القول إنها الأولى من نوعها من قِبل جهات عسكرية رفيعة المستوى، يتعلق بموقف "المجتمع الإسرائيلي" الداخلي من مسألة ميزانيات الجيش ومصاريفه كناتج من حملة الاحتجاجات الاجتماعية التي اجتاحت إسرائيل عام 2011 تحت شعار "الشعب يطالب بالعدل الاجتماعي". وقد زادت هذه الاحتجاجات من حدة الجدل الإسرائيلي الداخلي المتعلق بأولويات الدولة في صرف مواردها، ومسألة نقل وتفضيل أولويات لصالح المجتمع نفسه في قضايا العمل والرفاه الاجتماعي والتعليم وغيره.


أما عن رسم التحديات الأمنية، فرأى أيزنكوط أن حزب الله يشكّل أحد العوامل المهدّدة للأمن الإسرائيلي، ومعه بدرجات متفاوتة التنظيمات الإسلامية و"الجهادية"، مع إشارة إلى وجوب مشاركة إسرائيل في الحرب على تنظيم "داعش"، وإن كان أيزنكوط اعتبر أن خطر الأخير على إسرائيل يظل محدوداً، مع توفّر قدرة لضربه في سيناء.
أما في سورية، فلفت رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إلى أن الصراع فيها وعليها سيظل مستعراً لسنوات طويلة، وأنه من الصعب تخيّل تسوية يمكن أن تبقى لأمد طويل، إذ ستشهد البلاد حالة قتال متواصلة مع "داعش" والتنظيمات الجهادية حتى لو تلقت هذه التنظيمات ضربات قوية، وهو ما من شأنه أن يفضي إلى محاولة "داعش" توجيه سلاحه ضد الأردن وإسرائيل، وفق المسؤول الإسرائيلي.
ومع إشارة أيزنكوط إلى التهديدات التي تمثّلها الأطراف المختلفة أعلاه، فإنه أقر على نحو خاص بأن الساحة الفلسطينية تبقى الأكثر إثارة للقلق لدى الجيش الإسرائيلي على المدى القصير بفعل موجة العمليات الفلسطينية، في ظل تراجع وعجز القدرات الإسرائيلية الاستخباراتية عن معرفة ودراسة النبض الحقيقي والعميق للمجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
وفي محاولته دراسة هذه التحديات، رأى أيزنكوط أنه في ظل بقاء نشاط مختلف المنظمات، سواء "حزب الله" في لبنان، أو "حماس" في قطاع غزة و"الجهاد الإسلامي"، التي يمكن لعملية تكتيكية من قِبلها أن تتدهور إلى مواجهة عسكرية شاملة، فإن الحل الوحيد أمام إسرائيل هو عملياً العودة لبناء قوة ردع إقليمية وعسكرية في مواجهة منظمات "إرهابية" غير تابعة لدول لا يمكن عمليا التعامل معها بنفس مفهوم الردع العسكري الذي كان موضوعاً للمواجهات العسكرية مع الجيوش النظامية التي واجهتها إسرائيل في الماضي.
وبالنظر إلى تركيبة هذه التنظيمات وانتشارها داخل المجتمعات المدنية، مما يزيد من صعوبة التحديات المفروضة على الجيش الإسرائيلي، فإن الحل وفق أيزنكوط يكمن أولاً في زيادة قدرات الجيش الاستخباراتية باعتبارها السلاح الأول لمواجهة هذه التنظيمات، وجمع المعلومات الضرورية لإحباط مخططات هذه الجهات. واستشهد أيزنكوط بأثر القصور والعجز الإسرائيلي الاستخباراتي في الضفة الغربية والقدس، لجهة تنفيذ عشرات العمليات من دون أن يكون للاحتلال وأجهزته الاستخباراتية أدنى معلومات عما هو آتِ.
ووصل أيزنكوط إلى القول عن التغيير المطلوب لمواجهة الأخطار غير الصادرة عن دول، إن الحروب والمعارك اليوم تقوم على توفير القدرات الاستخباراتية العالية لمنع العدو من تعزيز قوته، وضرب هذه القوة وتأمين قدرات متطورة، وكل ذلك من دون الوصول إلى حالة تصعيد واسع.