العلاقات الأميركية ـ السودانية نحو التطبيع: شروط وعقبات

العلاقات الأميركية ـ السودانية نحو التطبيع: شروط وعقبات

20 اغسطس 2016
لم تمنع العقوبات المساعدات الأميركية للسودان(أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
صفحة جديدة من العلاقات بين السودان وأميركا بدأت ملامحها تظهر، عنوانها التطبيع، ورفع العقوبات، والحصار الاقتصادي الذي أرهق الخرطوم لما يزيد عن 19 عاماً، وهو أمر فرضته التغييرات الإقليمية والدولية التي زادت من حظوظ الخرطوم، لا سيما أنها أصبحت لاعباً أساسياً ومهماً في مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر، فضلاً عن دورها المنتظر في استقرار دول الجوار، خصوصاً دولتَي ليبيا وجنوب السودان.

ومنذ المفاصلة الشهيرة بين إسلاميي الحكم في السودان وخروج زعيم حزب المؤتمر الشعبي، حسن الترابي، من السلطة عام 1999، سعى النظام في الخرطوم لفتح باب الحوار والتفاوض مع واشنطن في محاولة لرفع العقوبات والحصار الأميركي، ولاسيما أن الترابي كان من المتشددين تجاه العلاقة مع واشنطن. وعندما كان الرجل في قمة النظام، رفع شعار محاربة أميركا، فضلاً عن دول غربية أخرى باعتبارها عدواً للإسلام. كما نجح الترابي في تكوين تجمع إسلامي ضمّ معظم حركات التحرر الإسلامي في العالم، وفتح أبواب البلاد أمام المجموعات المتشددة لإطلاق عملها من السودان، وبينهم، زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، وهو ما قاد إلى تصنيف الغرب للترابي ونظام الحكم في السودان بالعدو، وسنّ عقوبات تلو الأخرى ضده.

وشهدت الفترة الأخيرة حراكاً كثيفاً، تبادل خلاله مسؤولون سودانيون وأميركيون سلسلة زيارات، كان أهمها زيارة المبعوث الأميركي إلى السودان وجنوبه، دونالد بوث، للسودان. كما زار البلاد مسؤولون في الاستخبارات الأميركية، إضافة إلى مسؤول ملف العلاقات في مجلس الأمن، الأميركي بايتن كنوبف الذي زار الخرطوم قبل شهر ونصف تقريباً بشكل سري، وعقد اجتماعات عدة مع مسؤولين حكوميين ومنظمات مجتمع مدني، في إطار التقييم الأميركي النهائي لرفع العقوبات.

وتؤكد مصادر قريبة من الملف الأميركي ـ السوداني لـ"العربي الجديد" عن توجّه أميركي لرفع العقوبات، وبداية صفحة جديدة في العلاقات بين الخرطوم وواشنطن. وتشير إلى وجود قناعة داخل الإدارة الأميركية في هذه الخطوة، كمساعدة للسودان مقابل ضمان قيام سلسلة من المهام خلال الفترة المقبلة، لاسيما أن الخرطوم امتنعت عن تقديم خدمات جدية إلّا في حال إيفاء أميركا بوعودها المتكررة برفع العقوبات التي بدأت، منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية، بزعامة جون قرنق عام 2005، وانتهاءً بانفصال جنوب السودان عام 2011.

وتوضح هذه المصادر أن الدبلوماسية السودانية نجحت في إقناع واشنطن والغرب عموماً بفشل مشروعها الخاص بانفصال الجنوب، لافتة إلى استراتيجية غربية وضعتها كل من ألمانيا وبريطانيا لإنقاذ النظام الحالي في الخرطوم، عبر تسوية سياسية شاملة تضمن استقرار السودان للقيام بدور مهم في المحيط الإقليمي والعالمي في ما يتصل بمكافحة الإرهاب ومدّ القوى الدولية بالمعلومات عنه.


وتلفت المصادر ذاتها إلى أن هناك توجّهاً داخل الإدارة الأميركية لتغيير نظام الحكم في جنوب السودان، وإبعاد كل من رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، ونائبه الأول المقال رياك مشار عن السلطة، وإدخال الجنوب تحت الوصاية الإقليمية، عبر آلية إقليمية، اقترحت المصادر أن تشكل من الاتحاد الأفريقي. وتشير المصادر إلى تخوف القوى الغربية من معارضة الخرطوم للخطوة، الأمر الذي يجعل من قرار رفع العقوبات ورقة تقنع الخرطوم بالموافقة عليها ودعمها، لاسيما أن دولاً مثل إثيوبيا، وأوغندا، وكينيا تؤيد الخطوة. كما يعوّل الغرب على دور الخرطوم المهم في الملف الليبي لمعرفتها اللصيقة بتعقيدات الأمور هناك، وقدرتها على حلّها، فضلاً عن قضايا التطرف والهجرة غير الشرعية نحو الدول الأوروبية.

وترى هذه المصادر، أن الأمر برمته مرهون بتسوية سياسية داخلية تضمن تنفيذ الخرطوم لمهامها المنتظرة من دون توتر. ونجحت مساعٍ دولية أخيراً بإقناع المعارضة المسلحة والسلمية السودانية عبر الضغط عليها بالتوقيع على خريطة الطريق التي اقترحتها الآلية الأفريقية برئاسة ثامبو أمبيكي، ووقعت عليها الحكومة، منفردة، والخاصة بوضع أسس لإشراك تلك القوى في الحوار الذي دعت إليه الخرطوم قبل ما يزيد عن العامين.

وحاولت الحركة الشعبية (قطاع الشمال) إرسال تحذيرات للإدارة الأميركية بشأن خطوات التطبيع مع نظام الخرطوم، مشيرة فيها إلى أنّ الأخيرة شريكة في عصابة الإرهاب الدولي، ومساهِمة في بناء شبكات الإرهاب. وشددت "الحركة"، في بيان صحافي لها، أخيراً، على أهمية إنهاء شراكة الخرطوم مع الإرهاب، محذرة المجتمع الدولي وأميركا من مساعدة ما سمّته بـ"الدكتاتوريات التي تشن حروباً على شعبها، والتي لن تساعد في وضع حد للهجرة".

وقالت الحركة إنها أُبلغت، رسمياً، من المبعوث الأميركي دونالد بوث، بالحوار الأميركي ـ السوداني الذي يجري حالياً لتطبيع العلاقات بين الدولتين وسخرت ممّا سمّته محاولات الحكومة بتصوير الحوار مع واشنطن كعملية يمكن أن تقود لرفع العقوبات عن البلاد، وأنها ستكون على حساب القوى المعارضة. وشددت على أن تطبيع العلاقات مع الدول الخارجية مرهون بالتطبيع مع الداخل أولاً. لكن "الحركة" عادت ورحّبت، في بيانها، بهذا الحوار، وأبدت تطلعاتها في أن يؤثر ذلك إيجابياً في القضايا الإنسانية، ويدعم التحول السياسي الديمقراطي في السودان، باعتباره مدخلاً لحل بقية القضايا، من ضمنها قضايا الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

ووفقاً لمعلومات "العربي الجديد"، فإن السودان مُقْدم على تسوية سياسة شاملة تعمل على تعطيل قرار المحكمة الجنائية الخاصة باعتقال الرئيس السوداني، عمر البشير، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور، فضلاً عن إنشاء شراكة بين الحكومة في الخرطوم والقوى السياسية الأخرى، بما فيها المعارضة السلمية والمسلحة. وهي تسوية سارع الحزب الشيوعي لإعلان موقفه منها برفضها جملة وتفصيلاً، باعتبارها تمثل هبوطاً ناعماً وإنقاذ نظام الخرطوم.


وأدرجت واشنطن أخيراً، السودان على القائمة السوداء الخاصة بالاتجار بالبشر، إلى جانب سبع دول أخرى، بتهمة التخاذل في مكافحة تلك الظاهرة، وفق تقرير سنوي أصدرته الخارجية الأميركية. ويرى مراقبون أن الخطوات الأميركية بشأن التطبيع قد تصطدم باللوبيات الأميركية التي تتخذ مواقف متشددة تجاه نظام الخرطوم، وهو ما قاد واشنطن إلى مطالبة الأخيرة بإصلاحات محددة في ما يتصل بقضايا الديمقراطية والحريات، فضلاً عن قضية الإسلام السياسي، وملف حقوق الإنسان، وتقديم تنازلات حقيقية في هذا الملف.
وتسير السياسة الأميركية تجاه الخرطوم في اتجاهين متوازيين، أحدهما يعتمد سياسة الجزرة والآخر العصا، الأمر الذي يعقّد العملية برمتها، فالأسبوع الماضي أعلنت الخرطوم عن جهود دبلوماسية مكثفة لإجهاض محاولات غربية جديدة لإيقاف تصدير الذهب السوداني، وهو مورد مهم للخرطوم يسمح لها بالحصول على العملات الصعبة بعد خسارتها النفط في الجنوب بانفصال جنوب السودان وتشكيل دولته المستقلة عام 2011، الأمر الذي أثّر سلباً على اقتصاد الخرطوم، وأدى إلى ارتفاع العملات الصعبة بصورة جنونية مقابل الجنيه السوداني، إذ وصل سعر الدولار إلى نحو 15,5 جنيهاً في السوق الموازي، بينما في السوق الرسمي تخطى حاجز الستة جنيهات.
ويرى مراقبون أن الخطوة، وإن كانت اللوبيات الأميركية تقف خلفها بقوة، ما هي إلا محاولات لإضفاء مزيد من الضغط على الحكومة السودانية لتقديم تنازلات أكبر في ملف المفاوضات مع الحركات المسلحة التي تقاتل في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وولايات دارفور لوقف الحروب في السودان وضمان الاستقرار فيه، بسبب القناعة الغربية بتأثير السودان السلبي على محيطه.
ويُتوقع أن تحصل خلال الفترة المقبلة ضغوط قوية على الحكومة السودانية قد تصل إلى حد فرض عقوبات، فضلاً عن ضغوطات مماثلة على الحركات المسلحة المختلفة، للوصول إلى تسوية سياسية في نهاية العام الحالي، لا سيما بعد فشل جولة المفاوضات المشتركة بين الفرقاء السودانيين في أديس أبابا التي انتهت الأسبوع الماضي.

على صعيد متصل، أكّد وزير العدل السوداني، عوض الحسن النور، في تصريح سابق له، وجود قصور في التشريعات السودانية، وقال إنهم في الوزارة يسعون لدراسة أثرها عند التطبيق، خصوصاً أن بعضها يخالف المواثيق الدولية والشريعة الإسلامية، ما يجعل التحدي أصعب في كيفية الموازنة بينهما. وتساءل عن كيفية الحكم بالردة أو تطبيق عقوبة الرجم في العصر الحالي. ويرى مراقبون أن القضايا التي سلّط عليها الوزير السوداني الضوء، تمثل الملفات الأميركية التي أثارتها في لقاءاتها مع المسؤولين السودانيين.

ويرى المحلل السياسي، أحمد ساتي، أن علاقات الخرطوم وأميركا تقترب من التطبيع، نظراً إلى لعبة المصالح، وبعيداً عن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، مشيراً إلى اهتمام الإدارة الأميركية في إحداث خرق في الملف السوداني قبل نهاية ولاية الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ما يجعل من التسوية السياسية الشاملة، أمراً واقعاً، خلال الأربعة أشهر المقبلة، على حدّ تعبيره.

ويلفت إلى أن المساعي الأميركية قد تواجه برأي عام رافض داخل أميركا، نظراً لنجاح الحركات المسلحة السودانية في كسب التعاطف الغربي الشعبي، عبر إبراز قضايا حقوق الإنسان، وملفات انتهاكات الحرب في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. ويرجح أن تجد الخطوة نفسها مقاومة داخلية، وأن يكون للشعب السوداني رأي آخر قد يقود الوضع برمته إلى انفجار، نظراً لضجر الشارع من النظام الحالي، وقد تفضي لانتفاضة شعبية تكسب بدورها التعاطف الشعبي الغربي.

وفرضت الإدارة الأميركية عقوبات على السودان، منذ العام 1997، بينها الحظر الاقتصادي، ووضع اسم السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب، وذلك بسبب سلوك الحكومة في الخرطوم التي تعتبره مهدداً للأمن والسياسة الأميركية الخارجية. وتتجدّد هذه العقوبات في نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام عبر الرؤساء المتعاقبين في البيت الأبيض، بمبررات أن الخرطوم لم تقدّم ما يمكّن الإدارة الأميركية من اتخاذ قرار برفع تلك العقوبات.

المساهمون