شهادات عن "رابعة": رائحة الدم لا تزال تزكم الأنوف

شهادات عن "رابعة": رائحة الدم لا تزال تزكم الأنوف

14 اغسطس 2016
نشطاء يسترجعون ذكريات يوم فض "رابعة" (Getty)
+ الخط -

لم تمر ذكرى فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة دون أن يعود نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي إلى الحديث عن الجريمة التي هزت الشارع المصري، بسبب دمويتها وعنف السلطات التي قتلت آلاف المعتصمين الرافضين للانقلاب العسكري ضد الرئيس محمد مرسي، فعلى مدار الساعات القليلة الماضية استرجع مدونون ذكريات الفض، وقدموا شهادات حية عما جرى.

وفي السياق، قال مؤسس "حزب الوسط"، أبوالعلا ماضي: "مذبحة رابعة في مثل هذا اليوم منذ ثلاث سنوات، كنت محبوساً في سجن ملحق مزرعة طرة أنا وأخي عصام سلطان. فوجئنا بأن اليوم مختلف عن باقي الأيام، كان هناك توتر في إدارة السجن وتشديد للإجراءات، ولم نكن نعلم ما يجري حتى الظهر، إذ علمنا من أحد أشخاص السجن أن فض رابعة بدأ اليوم، ولم نكن نتصور ما جرى، كنا نظن أن الفض سيكون بالغازات المسيلة للدموع والعصي، وأدوات فض التظاهر السلمي".

وتابع ماضي: "لم نكن نعرف أن الرصاص كان اللغة الرسمية في ما جرى. وعرفنا بعدها تدريجيا ما جرى، وشعرنا بالألم والقهر، وتذكرنا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (وأعوذ بك من قهر الرجال). لقد كانت أحداث فض رابعة والنهضة لحظة فارقة في تاريخنا الحديث. لحظة تبدو حتى الآن للتفريق بين الإنسان الذي رفض المذبحة التي وقعت حتى بدافع إنساني، وبين من شارك فيها بالفعل، والقول، والتحريض، والتبرير؛ حتى يومنا هذا، ولكن (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون)".

وكتب وائل غنيم، أحد رموز ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قائلاً: "رحم الله كل من مات في مذبحة رابعة، وغفر لنا تقصيرنا. كان يوم 14 أغسطس/آب 2013 من أسوأ أيام حياتي. رأيت مصر التي كنت أخشى أن أراها بعد ثورة يناير بسبب الفشل السياسي: مشاهد القتل العمد وخطابات الكراهية، ودعوات العنف والتحريض على الدم والتشفي في القتل. كلها مشاهد لا يمكن تخطيها أو نسيانها بكل ما فيها من ذكريات أليمة"


وتساءل غنيم: "هل يمكن أن نتدارس كيف وصلنا إلى هذا الطريق المسدود؟ هل استوعبنا اليوم أن الكل قد خسر ولم يربح أحد؟ إلى متى سنستغرق ما تبقى من أعمارنا في ممارسة كل ما أوصلنا إلى هذه الحالة غير المسبوقة من الشقاق والتناحر، ونستهلك طاقاتنا في بث المزيد من مشاعر الغل والحقد والكراهية تجاه بعضنا البعض؟ هل أدركنا أنه لا أمل في مستقبل دون إيجاد صيغة للتعايش المجتمعي، صيغة تقدس حياة الإنسان وحقه الأصيل في حريته وكرامته وحقه في الاختيار، وتصل بنا إلى بر النجاة؟ إما أن نعيش سويا كإخوة، أو نموت جميعا كأغبياء.. القرار قرارنا".

وأعادت الناشطة السياسية، منى سيف، نشر تدوينة الشهيدة أسماء البلتاجي عن الشهادة، والتي قالت فيها: "أتعلم حقيقة أن الشهادة لا تكفّ يد الظلم عن أرواح الناس وأموالهم، لكنها تسلب سيطرة الظلم على أرواح الناس، فتسيطر ذكرى الشهداء، وهذا هو نفسه حمل الأمانة، يستسلم الناس لسلطة الظلم، لكنهم لا يسلمون أرواحهم. هذا هو تراث الإنسانية وما تتوارثه الأجيال خارج كتب التاريخ، هذا هو فحسب".

كما أعادت نشر تدوينة لشقيقها الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، والتي قال فيها: "مش هنعترف بقى إن رابعة كانت مجزرة أكبر من أسوأ كوابيسنا وخيالاتنا، وإننا لسة مش فاهمين إيه الي حصل، للي مر بيها، ولا مستوعبين أثرها على المجتمع والثمن الي بيندفع وهيندفع بسببها.. البشرية ممايزتش جرائم الحرب عن سائر الجرائم من فراغ".

وكتب المحامي الحقوقي ومدير مؤسسة حرية الفكر والتعبير، جمال عيد، عبر حسابه: "بعضهم فقط كان يجب القبض عليه ومحاكمته بشكل عادل.. لكن أن يتم قتل المئات في ساعات قليلة، ولا يحاكم القاتل!!! هذا ما ينطبق عليه الإفلات من العقاب في جريمة ضد الإنسانية.. هذه مذبحة.. مذبحة رابعة".


وكتبت عضو مجموعة "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين"، الناشطة السياسية سارة الشريف، عبر حسابها: "حاولت بكل الطرق اتفادى الكتابة في اليوم ده بس معرفتش، مفيش حاجة عايزاه يعدى عادي.. وأنا قررت استسلم المرة دي، بعد حوالي سنتين ونص محايلة وحيل بلعبها طول الوقت مع نفسي عشان بس مش ننسى ولا نفتكر، لكن عشان مشاهد اليوم ده متبقاش مطبوعة قدام العين وصابغة كل حاجة بنشوفها حوالينا بلونها. كل تفصيلة اتغيرت فى حياتى كانت بسبب يوم زى النهاردة، كل قرار أخدته فى حياتى، كل حاجة كملت فيها وصممت اعملها، كل تحول، كل حاجة هجرتها كانت بسبب اليوم ده. السنة اللي فاتت قعدت احايل نفسي كتير عشان اليوم يعدى بأقل قدر من التهتك النفسى، السنة مكنش فيا حيل أصلا للتفكير في اني هعمل ايه، حاولت اعمل مش واخدة بالي، انسى، ماستناش ومبصش في التاريخ يمكن يعدى وماخدش بالي.. بس التايم لاين مبيرحمش حد.. وانتو كمان على فكرة".

وتابعت: "اكتشفت إن الصور لما بتعدى عليا، مبتعديش عليا لحظة للتفكير أو استدعاء الحدث، تفاصيل اليوم لسه زي ماهى صاحية وحية وطازة، مش زى أي حاجة تانية حصلت خلال الخمس سنين اللي فاتوا وبعتها على آخر رأسى وبقيت افتكرها بنوع من المرارة والسخرية، المرة دي الحدث لسه حي، أنا مبحسش بوجع لأ، أنا بحس بهلع، وبيجيلى إحساس إنى عايزة أسد مناخيري.. وابدأ في العياط من غير توقف.. ده بيحصل بدأ من لما تاريخ يمر لصورة، لحد بيحكى حاجة لتويتة، لاستيتس بسيط.. للكلمة نفسها اللي بتحاشى أكتبها من كتر ما ه حية. الروايح.. كانت أكتر حاجة بتميز اليوم ده.. ريحة كل حاجة.. ريحة الدم وريحة الدخان والحريقة والهواء المكتوم، ريحة التلج الشنيعة اللي بقيت اكرهه واكره اشوف قوالبه، ريحة أول وتانى يوم اللى مختلفين عن بعض".

واختتمت حديثها بـ"أكتر حاجة وجعاني إني حاسة إني اتخدت على خوانة، محدش قالنا قبل كده إزاى نتعامل مع مذبحة، نعمل إيه لما نشوف أكتر من 100 جثة مترصصة جنب بعض ومطلوب منك تصورهم عشان إنت الشخص الوحيد اللي في المكان ومعاك انترنت، بعد كل الناس ما اتعزلت واتقطعت أوصال البلد بحظر التجوال عند مسجد الإيمان.. كارهة اضطرارى لتصوير ونشر الجثث عشان الناس تصدق إن في مذبحة حصلت، كارهة إنى مخدتش وقتي في الصدمة، فى عدم إبداء أى انفعال، في حماس الراجل اللى لقى معايا أيباد فكشف وجوههم وعدلهم ليا عشان يبانوا أحسن وأوضح.. الحكاية مش إننا نفتكر أو ننسى.. الحكاية في إننا هنعيش إزاى مع كل اللي شفناه وحصل ده".



المساهمون