غرفة فضّ "رابعة": القيادة للسيسي بحكومة صوَرية وجيش إعلامي

غرفة فضّ "رابعة": القيادة للسيسي بحكومة صوَرية وجيش إعلامي

14 اغسطس 2016
ميدان رابعة أثناء فضّه في 14 أغسطس 2013 (Getty)
+ الخط -
ما حدث في 14 أغسطس/آب 2013، بميداني "رابعة العدوية" و"النهضة"، بحق المتظاهرين المعتصمين المؤيدين لشرعية الرئيس محمد مرسي، تصفه منظمة هيومن رايتس ووتش بأنه "إحدى أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث". آليات ومجنزرات الجيش والشرطة تنفّذ مجزرة بحق المعتصمين، لكن ما حدث وراء الكواليس، في غرفة عمليات الانقلاب، من التخطيط للمجزرة، لم تظهر حقيقته الكاملة بعد.

البداية من غرفة عمليات وزارة الدفاع، حيث تُجمع معظم المصادر المطّلعة بحديثها لـ"العربي الجديد"، على أن "القرار النهائي والحاسم لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة قرار اتخذه عبد الفتاح السيسي شخصياً، لكنه صدر رسمياً باسم مجلس الوزراء. وذلك على الرغم من اقتراحات قُدّمت له، منها على سبيل المثال: تجفيف الاعتصام عبر منع المتظاهرين من التدفق إلى ميداني الاعتصام، أو قطع الكهرباء ومنع دخول الأطعمة وقطع المياه، أو فض الاعتصامين باستخدام خراطيم المياه وقنابل الغاز فقط. إلا أن السيسي كان مُصرّاً وحاسماً في قراره بالفض باستخدام القوة المسلحة. وهو القرار الذي عبّر عنه السيسي بوضوح لجميع المسؤولين بالدولة قبل ساعات من التنفيذ".

تضيف المصادر أنه "في ذلك الحين، ضمّت غرفة العمليات في الوزارة، السيسي بصفته وزيراً للدفاع، فضلاً عن رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وزير الدفاع الحالي، الفريق صدقي صبحي، ووزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم، ورئيس الأركان الحالي الفريق محمود حجازي، ومدير الاستخبارات العامة السابق محمد فريد التهامي، وقائد الحرس الجمهوري اللواء محمد زكي، ومساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن المركزي أشرف عبد الله، ومساعد وزير الداخلية لخدمات الأمن العام أحمد حلمي، ورئيس جهاز الأمن الوطني خالد ثروت، بالإضافة إلى القادة الميدانيين وعلى رأسهم اللواء مدحت المنشاوي، مدير العمليات الخاصة بوزارة الداخلية وقائد عملية الفض".

وتشير المصادر إلى أن "المنشاوي أكد في تصريحات لجريدة الأهرام الحكومية في وقت لاحق للمذبحة، أن وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، قاد 13 اجتماعاً بعد صدور القرار السياسي بفض الاعتصام، من أجل التخطيط لفض الاعتصام، بمشاركة جميع مساعدي الوزير ومديري أمن القاهرة والجيزة، وقادة القوات المسلحة".


وتشير المصادر إلى أن "المنشاوي جزم أن الخطة تضمنت تدريب نحو 7 آلاف ضابط وجندي من العمليات الخاصة، وقوات مكافحة الشغب، والمجموعات القتالية، والشرطة العسكرية، للمشاركة في العملية، بالإضافة إلى استخدام مجنزرات وآليات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لإزالة السواتر التي أقامها المعتصمون لمنع تقدم القوات، وكذلك استخدام طائرات مروحية لدعم القوات على الأرض". 

وعن الشق الحكومي، تفيد المصادر بأن "الحكومة المتمثلة في مجلس الوزراء، كانت تصلها الأوامر مباشرة من غرفة عمليات الجيش عن طريق الهاتف، أو عن طريق حضور رئيسها الأسبق حازم الببلاوي شخصياً. ثم تم الاتفاق على أن يصدر قرارٌ من النائب العام المغتال هشام بركات بفض الاعتصام. وافقت الحكومة على العملية، بعد تأكيد الببلاوي، وقت وقوع المذبحة، أن مجلس الوزراء اتخذ بالإجماع قرار فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، بالتنسيق مع رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور، ومجلس الدفاع الوطني والقوات المسلحة".

وتُردف المصادر: "صدر بعدها بيان من وزارة الداخلية، أعلنت فيه أنه إنفاذاً لتكليف الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وانطلاقاً من المسؤولية الوطنية للوزارة في الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين فقد قامت الأجهزة الأمنية باتخاذ الإجراءات اللازمة لفض الاعتصامين. وذكرت حينها أنه سيسمح بالخروج الآمن من خلال المنافذ المحددة". وتكشف المصادر أن "قراراً اتُخذ في غرفة العمليات، ولم يتم الإعلان عنه بالطبع، وذلك بعد سقوط ثلاثة أفراد من الأمن في مواجهات مع المعتصمين، كان مفاده التعامل بالقوة مع المعتصمين الذين يستخدمون ذلك الممر".

ووفقاً للشهادات الميدانية التي حصلت عليها "العربي الجديد" من معتصمين، ومن صحافيين شاركوا في تغطية عملية الفض، بالإضافة إلى ضباط شاركوا في العملية، فقد ذكر هؤلاء أن "الممرّ الآمن الذي أعلنت عنه وزارة الداخلية المصرية لمن يريد الخروج من رابعة العدوية، عبر طريق النصر المؤدي إلى شارع الاستاد البحري، كان عبارة عن تمركز لمدرعات الأمن المركزي والقناصة، فأغلب من كانوا يعبرون هذا الممر إما كانوا يقتلون على يد القناصة في الرأس وفي الصدر، وإما كان يلقى القبض عليهم، والزجّ بهم في عربات الشرطة المرابطة".




أما غرفة العمليات الخاصة بالإعلاميين، فكانت تُدار عبر اجتماعات مباشرة مع كل إعلامي أو صحافي على حدة أو بشكل جماعي، وكان المشرف على تلك الاجتماعات هو اللواء عباس كامل، الرجل الأقرب للسيسي ومدير مكتبه. وتلفت المصادر إلى أن "كامل كان يتصل ويستدعي كل الإعلاميين تقريباً ليجلس معهم ويعطيهم التوجيهات، أما النجوم منهم أمثال الصحافي إبراهيم عيسى، ومقدّم البرامج يوسف الحسيني، فكان يتصل بهم السيسي شخصياً ويجلسان معه وجهاً لوجه، بالإضافة إلى آخرين مثل عبد الله السناوي، وأسامة كمال، وحتى الراحل محمد حسنين هيكل. كما أن أحدهم، وبحسب معلومات عدة، نصح السيسي في وقت سابق للمذبحة، بضرورة مواجهة الأصوات الإعلامية المعارضة في الخارج، بالطريقة التي تتم بها مواجهة الإرهاب في الداخل، ويقصد بالتصفية. وهو ما رد عليه السيسي، بأنه لا يمتلك الإمكانيات اللازمة التي تمكنه من تنفيذ ذلك".

كانت التوجيهات التي يصدرها السيسي وكامل لهؤلاء، تتلخّص في أن يتم الترويج عبر برامجهم وصحفهم ومقالاتهم ومداخلاتهم التلفزيونية، بالقول إن اعتصام "رابعة العدوية" هو "اعتصام مسلح لجماعة إرهابية تريد الشر للوطن، وتأليب الرأي العام الشعبي ضدهم، وتمهيد الأرض للمجزرة".

وتشير المصادر إلى أن "إبراهيم عيسى كان أول المنقلبين، فبعد أن كانت نبرة حديثه عن الاعتصام في بداياته تتسم بالهدوء، وتصف المعتصمين بأنهم من البسطاء السلميين الذين أتوا من محافظات مصر في سبيل الدفاع عن مرسي، وكان يدعو إلى التعامل معهم بالإقناع أو بالتجاهل، عاد وتغيّر موقفه تماماً ليصبح منتقداً لتراخي الدولة في مواجهة اعتصام مسلح في قلب القاهرة، على حد وصفه".

وتلفت المصادر إلى أن "الإعلام الرسمي روّج لعدد آخر من الروايات حول الاعتصام، أبرزها أن المعتصمين خزّنوا أسلحة ثقيلة وأسلحة كيماوية لمواجهة قوات الأمن، كما حصلوا على صواريخ مضادة للطائرات. كما حكى الصحافي بجريدة المصري اليوم، حمدي رزق والمذيع محمد الغيطي، قصصاً عمّا أسموه بجهاد النكاح بين معتصمي رابعة والنهضة، كما زعم إعلاميون آخرون وجود سوريات داخل الميدان يمارسن جهاد النكاح. أما أحمد موسى، فقال إن معتصمي رابعة العدوية قتلوا ما يزيد على ثمانين شخصاً، وقاموا بدفنهم في الصرف الصحي وتحت الأرض".

وتتحدث المصادر عن الساعات الأولى من فجر المذبحة، وتشير إلى أنه "بعد اجتماعات مكثفة في وزارتي الداخلية والدفاع، استعدت جميع القوات المشاركة في عملية الفض، وحرصت وزارتا الدفاع والداخلية على الاستعانة بالمراسلين الصحافيين المعتمدين لديهم، وأخبرتهم بالموعد وطلبت منهم الحضور في الموعد المحدد، وتم وضعهم مع المصورين الصحافيين في سيارات مدرعة، حتى يقوموا بوصف وإظهار ما يريدون إظهاره فقط".

وتلفت المصادر إلى أن "الغرض كان إظهار أن القوات الأمنية حذّرت المعتصمين أكثر من مرة، وسمحت لهم بالخروج من الممر الآمن، إلا أن ما حدث وما شاهده هؤلاء بأعينهم، دفع البعض منهم إلى مغادرة مدرعات الأمن، بعد مشاهدتهم قنّاصة الأمن وهم يستهدفون الرأس مباشرة، عبر مخبرين تابعين لهم داخل الاعتصام".