ضغوط أميركية على المعارضة السورية لحساب روسيا

ضغوط أميركية على المعارضة السورية لحساب روسيا

12 اغسطس 2016
تتسارع المشاورات حول سورية بعد لقاء أردوغان وبوتين(سارة موردوفيتش/Getty)
+ الخط -
تتكثّف المشاورات حول الملف السوري، الذي بات يتصدر أولوية الدول الفاعلة فيه، خصوصاً بعد التقارب الروسي ـ التركي، أخيراً، واللقاء المرتقب، اليوم، في أنقرة بين المسؤولين الأتراك ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، فضلاً عن الاجتماع الذي حصل، أمس، بين وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، والمنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات السورية (المنبثقة عن المعارضة) رياض حجاب، في العاصمة السعودية الرياض. 

وتتوالى هذه اللقاءات وسط ضغوط أميركية تتعرض لها المعارضة السورية لصالح التسليم بدور روسي أكبر خلال المرحلة المقبلة ترجمت بمجموعة رسائل أوصلها المبعوث الأميركي إلى سورية، مايكل راتني، إلى أعضاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية خلال لقائهم أول من أمس، الأربعاء.

مشاورات سياسية
وتظهر تباعاً ارتدادات التقارب الروسي التركي، بعدما وجه وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، أمس الخميس، دعوة إلى روسيا للقيام بعمليات عسكرية مشتركة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية، في الوقت الذي أفاد فيه عن وجود وفد يضم ثلاثة مسؤولين أتراك يمثلون الجيش والاستخبارات والخارجية في روسيا لإجراء مباحثات حول سورية بعد القرار باتخاذ خطوات لإقامة اتصالات فورية على المستوى الرئاسي والعسكري. لكن هذه المشاورات لم تنعكس تراجعاً في موقف تركيا في ما يتعلق برئيس النظام السوري، بشار الأسد.

وأعاد وزير الخارجية التركي التأكيد أنه "لا يمكن إجراء عملية انتقال سياسي بسورية في ظل وجود رئيس النظام بشار الأسد"، على الرغم من نقل وكالة "تاس" للأنباء، أمس الخميس، عن السفير التركي لدى روسيا، أوميت يارديم، قوله إن حكومة تركيا تعتقد أن "القيادة السورية الحالية يمكن أن تشارك في المحادثات الرامية لحل الأزمة في سورية".
في موازاة ذلك، يجتمع كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يرافقه وزير الخارجية، اليوم الجمعة، مع وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في أنقرة، لبحث الحلّ السياسي في سورية.

ضغوط أميركية
في غضون ذلك، حمل اللقاء بين رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أنس العبدة، وعدد من أعضاء الهيئة السياسية للائتلاف، مع المبعوث الأميركي إلى سورية، مايكل راتني، أول من أمس الأربعاء، في مدينة إسطنبول، رسائل واضحة للمعارضة. ويؤكد مصدر مطلع في الائتلاف أن الاجتماع كان ساخناً جداً، وتضمن اتهامات متبادلة بين الطرفين.
ويقول المصدر لـ"العربي الجديد"، إن بعض أعضاء الائتلاف اتهموا الجانب الأميركي بالانسحاب من دعم المعارضة السورية، لكن راتني لم يعر هذا الانتقاد اهتماماً، وأبلغ الائتلاف ثلاث رسائل. تتعلق الأولى بضرورة أن "يتصل الائتلاف بالروس لأنهم يمتلكون قسماً كبيراً من مفاتيح الحل"، على حد تعبيره. كما لام المبعوث الأميركي، بحسب المصدر، قيادة الائتلاف على عدم الاستماع لنصائحه في المرة الماضية بهذا الصدد.







وأوضح المصدر أن الرسالة الثانية تضمنت ضرورة الاتصال وبناء علاقة مع رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، صالح مسلم، إذ توجه راتني إلى أعضاء الهيئة بالقول "أنتم لم تستمعوا إلى نصائحي، ولأنكم لم تتواصلوا معه، فهو يتواصل مع النظام، ولتعلموا أن الأولوية هي لمحاربة داعش"، وفقاً للمصدر ذاته. وأضاف أن الرسالة الثالثة تتعلق بمسار عملية حلب التي تدعم واشنطن بعض الفصائل المشاركة فيها من خلال غرفة "الموم"، وقال راتني إنه ليس من مصلحة واشنطن أو الائتلاف ولا القضية السورية أن تتصدر جبهة النصرة (فتح الشام حالياً) الواجهة الميدانية أو السياسية أو الإعلامية.

ويثبت الأداء الأميركي في المنطقة، وفقاً لمراقبين، أن سياسة واشنطن في سورية كانت تقوم على عدم السماح بسقوط نظام الأسد، وفي الوقت عينه، دعم المعارضة، بحيث يتم الحفاظ على حالة استعصاء عسكري والدفع بروسيا نحو التورط في الحرب السورية، وبالتالي إعطاءها الجزء الأكبر من مفاتيح الحل. وهذا ما يفسر الطلب الأميركي من المعارضة للتوجه نحو روسيا ويشرح الصمت حيال معظم المجازر التي يرتكبها الروس، والتدخل حين تميل الكفة لأحد طرفي النزاع.

وفي ما يخص التنسيق مع رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي والذي كان مطلباً روسياً في الأصل، يبدو أن الأميركيين يسعون من خلال هذا الطلب إلى خلق شرخ بين المعارضة وتركيا التي تنظر إلى هذا الحزب كـ"تنظيم إرهابي"، وتشكيل نوع من الضغط على تركيا من جهة، التي تسير علاقاتها مع الولايات المتحدة نحو مزيد من التدهور، خصوصاً بعد محاولة الانقلاب منتصف يوليو/ تموز الماضي، وإلى إفقاد المعارضة أكبر نقاط قوتها، وهي الاحتضان التركي لها، الأمر الذي يصب في مصلحة النظام. أما بالنسبة لطلب عدم تسويق جبهة فتح الشام إعلامياً، فهو يبدو أمراً منطقياً ومتوقعاً بالنسبة للسياسة الأميركية، كون الولايات المتحدة أعلنت فور انفصال الجبهة عن تنظيم القاعدة وتغيير اسمها، أن هذا الإجراء لا يغيّر من نظرة واشنطن إلى الجبهة، بحسب هؤلاء المراقبين.

ويرى المحلل السياسي السوري غازي دحمان أن الائتلاف ومجمل قوى المعارضة السورية يجدون أنفسهم في موقف دقيق هذه الفترة بالنظر إلى التبدلات في البيئة الإقليمية، سواء السلبي منها أم الإيجابي، إذ تشهد التحالفات والعلاقات بين الدول والقوى الفاعلة في الملف السوري مراجعات وإعادة تموضع، ما يفرض على المعارضة السورية، خصوصاً في شقها السياسي، إعادة بناء مواقفها والتأكيد على الثابت منها. ويضيف دحمان لـ"العربي الجديد"، أن "الأحداث والتطورات السياسية والميدانية باتت تتجاوز المواقف التقليدية للائتلاف ومجمل المعارضة السياسية، وعليها المسارعة لتحديث قراءتها للتطورات قبل أن تجد نفسها في موقف المتلقي للإملاءات الخارجية سواء من واشنطن أم تركيا أم غيرهما".

أما المحلل التركي هشام جوناي، فيعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن لكل من أنقرة وموسكو مصلحة مشتركة في الدفع باتجاه حل سياسي للصراع في سورية. ويقول جوناي إن موسكو لاعب رئيسي في المسألة السورية، وكذلك تركيا، وإذا حدث تفاهم بينهما حول بعض النقاط الأساسية، فإن ذلك سينعكس بشكل مباشر على مجرى الأحداث السورية بشقيها السياسي والعسكري، موضحاً أن لكل من الجانبين التركي والروسي حساباً ما مع الجانب الأميركي يريد تصفيته، ومن مصلحتهما إنجاح التفاهم بينهما في المسألة السورية على الرغم من تباين المواقف، خصوصاً في ما يتصل بدور رئيس النظام في مستقبل سورية.