جمال الضاري لـ"العربي الجديد": نريد العراق الذي يعرفه العالم

جمال الضاري لـ"العربي الجديد": نريد العراق الذي يعرفه العالم

05 يوليو 2016
سيكون هناك مؤتمر جديد بعد نحو شهرين (العربي الجديد)
+ الخط -
جدل كبير يرافق ولادة أكبر جسم سياسي عراقي معارض للعملية السياسية، التي أفرزها الاحتلال الأميركي للعام 2003، وذلك عقب مؤتمر موسع عُقد في باريس حضرته مئات الشخصيات العراقية والغربية، من بينهم دبلوماسيون وأعضاء بالكونغرس الأميركي والبرلمان الأوروبي. رئيس اللجنة المركزية للمشروع الوطني المعارض، جمال الضاري، الذي تسلّم المنصب عقب انتخابات شهدتها الساعات الأخيرة لمؤتمر باريس، المنعقد نهاية شهر مايو/أيار الماضي، يجيب عن أسئلة "العربي الجديد"، تحديداً حول خارطة طريق يقول عنها إنها "تهدف لاستعادة العراق الذي يعرفه العالم لا الذي خلقه الأميركيون والإيرانيون".


* من أنتم وأين كنتم طيلة السنوات الماضية ولماذا الآن تخرجون بعنوان معارضة عراقية وطنية؟

نحن عراقيون، جمعتنا مصلحة واحدة: الهوية العراقية، التي تطغى بيننا على كل هوية. وصدقاً لا أعرف انتماءات الموجودين بالمؤتمر سوى أننا عراقيون. أما بالنسبة لمشروعنا، فهو وطني وعابر للطائفية. يعتبر الانتماء أولاً للعراق، وهو الانتماء الذي يجب أن يكون عليه أي شخص يلتحق بهذا المشروع. أما شعارنا فهو "العراق للعراقيين"، ونحن نرفعه لكونه عابراً للطائفية، لكوننا نخشى أن يذهب العراق إلى التقسيم نتيجة الآلية التي يدار بها البلد الآن. ولا نستطيع مغادرة حقبة عام 2003 وما بعدها، لأننا لا زلنا نعاني من آثارها. فما حصل عام 2003، هو أن الأميركيين شكّلوا مجلس حكم على أساس طائفي وعرقي وإثني، فأصبح هذا المجلس والأشخاص الموجودون فيه مدافعين عن طوائفهم وانتماءاتهم. وحين يعبّر كل إنسان عن طائفته فلا يوجد من يعبّر عن الوطن، لذلك فإن استمرار هؤلاء في الحكم سيؤدي في النهاية إلى انقسام مجتمعي، يصل بنا إلى تقسيم البلد على أسس طائفية وإثنية. بالتالي جاء هذا المشروع الوطني، ليعيد للناس ثقتهم بوطنهم ويرتفع بهم من درجات الطائفية والتناطح العنصري الذي وصل إليه الوضع بسبب الأحزاب الحاكمة.
أما لماذا لم نكن موجودين في المشهد السياسي، فأعتقد أن هذا الأمر يعتمد على سؤال من نحن بالأصل كمجموعة قامت وأخذت على عاتقها إطلاق هذا المشروع الوطني ولكل عنوانه وتاريخه. وقد فرض واقع عراق ما بعد الاحتلال، كما فرض على الآخرين، أن نكون جزءاً من المقاومة التي قاومت المشروع الأميركي، التي أدت في النهاية إلى انسحاب القوات الأميركية من العراق، ونحن كنا جزءاً من المقاومة ولم نكن نمارس العمل السياسي المعلن.


* هل كنتم تقاتلون الأميركيين والآن ألقيتم السلاح وتوجهتم للعمل السياسي؟
أنا لا أدّعي أنني كنت أحمل السلاح شخصياً ضد القوات الأميركية، بقدر ما أنا جزء من المشروع المقاوم الذي كان عليه الشعب العراقي. وجزء من المقاومة لأي مشروع احتلال هو معالجة آثار الاحتلال، فالاحتلال الأميركي رحل بدباباته وطائراته وبوجوده العسكري، لكن آثاره بقيت موجودة في العراق.

* البعض يقول إنكم أشركتم في مؤتمركم مسيحيين وديانات أخرى كالصابئة والإيزيديين والأكراد والشيعة لمغازلة الغرب؟
نحن لا نريد أن نأتي بالكوتا وبالتقسيم الذي جاء به الاحتلال وقسّمنا به على أساس طائفي، فقد دعونا العراقيين ومن يؤمن بهذا المشروع الوطني، للحضور إلى مؤتمر باريس، وكنا نبحث عن رئاسة السن للمؤتمر التأسيسي لإدارة الجلسات. ومن خلال اللجنة التحضيرية توصّلنا إلى شخص، وكلّفناه بإدارة المشروع. وحين صعد على المنصة فوجئنا بأنه مسيحي، وقال أنتم لا تعرفون أنني مسيحي، فهل عندكم رأي وهل تقبلون أن أبقى رئيساً أم لا؟ ونحن فرحنا حينها لأننا لم نكن قد رتّبنا هذا الأمر. بعد ذلك تم انتخاب لجنة مركزية للمشروع.

* هناك حضور أميركي وأوروبي بالمؤتمر التأسيسي وشخصيات مؤثرة عدة، هل من تفسير؟
بالنسبة لموضوع الغرب، نعتقد بأن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ تاريخياً حين غزت العراق، وللأسف فإن الوضع الآن في البلد أصبح خارجاً عن سيطرة العراقيين، ولا يمكن لنا اليوم حلّ مشكلتنا كعراقيين، بمعزل عن المجتمع الدولي لأن مشكلتنا الآن ليست عراقية فقط. فنحن نتكلم عن مشكلة تأثيراتها على العراقيين كبيرة جداً، وتأثيراتها على الدول العربية ستكون كبيرة جداً، إن لم تُحلّ. كما أن تأثيراتها على المجتمع الدولي ستكون أكبر. لذلك نحن لا نغازل الغرب، ولا نغازل الولايات المتحدة بقدر ما نريد من واشنطن أن تتحمّل مسؤوليتها، لأن الذي يحصل الآن في العراق بفعل الإرهاب الموجود فيه، هو بسبب الاحتلال الأميركي وما نتج منه. ونحن نتكلم مع العرب اليوم لأن أمنهم القومي مهدد بسبب ضياع العراق، فحين نتحدث مع العرب أو الأميركيين لمساعدتنا في حلّ مشكلتنا، فهذا يعود بالنفع علينا نحن كعراقيين، ثم يعود بالنفع على العرب، لأنه يساعد في حفظ أمنهم القومي، وعدم تحوّل العراق إلى منصة لإطلاق المشاريع التي تهدد العرب والمنطقة.

* ماذا يفعل الأميركيون في المؤتمر؟ وكثر انتقدوكم لوجودهم فيه.

طبعاً لأننا نعتقد كما قلت سابقاً، أنه لا يمكن حلّ المشكلة من دون أن ننظر لها بواقعية، واليوم الأميركيون يعنيهم العراق، لأنهم أولاً كانوا قوة احتلال، وثانياً لأنهم يقودون الحملة ضد الإرهاب وضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وهذا الأمر يستدعي أن يكون الأميركيون فاعلين في الوضع العراقي، خصوصاً أنهم لا يرون المشهد السياسي في العراق، إلّا من خلال العملية السياسية التي دعموها ولا زالوا يدعمونها. ونحن نعتقد بأن هذا الجدار يجب أن يُكسر، وعلى العراقيين أن يُسمعوا الأميركيين حجم الجريمة التي ارتكبوها في العراق. بالتالي التقينا الأميركيين ودعوناهم إلى مؤتمر باريس، وسمعوا من العراقيين ما لم يتوقعوا سماعه، حتى أنهم طلبوا منا ألا نتكلم في الماضي، والعمل في المستقبل لتغيير هذا الواقع، بل وأكثر من ذلك، فقد قدّم الأميركيون دعوة للحاضرين، وقالوا لهم تعالوا إلى واشنطن.

نحن نعتقد بأن هذا ما يجب أن يحصل أولاً، فإذا كان الأميركيون قد ارتكبوا خطأ فعليهم تصحيحه. ثانياً نحن اليوم كعراقيين نواجه إيران، وعندنا مشاكل داخلية في البلاد، كالإرهاب وداعش والمليشيات، والولايات المتحدة متدخلة تدخلاً مباشراً في البلد. ونحن كعراقيين، لا يمكن لنا أن نقاتل على كل هذه الجبهات، فلا يمكن أن نقاتل إيران وداعش والمليشيات والولايات المتحدة. وعلينا الذهاب ومحاورة الأميركيين كعراقيين، لا بصفة شخصية، سواء أنا أو غيري، ونقول لهم أنتم صنعتم هذه الجريمة في العراق وعليكم مسؤولية قانونية وأخلاقية في إصلاح هذا الخلل. وأعتقد أن هذا الأمر فيه مصلحة لنا كعراقيين وحتى لدول المنطقة.




* لماذا اخترتم باريس تحديداً لإعلان ولادة المعارضة؟
نريد أن نعطي رسالة للعالم بأن مشكلتنا ليست محلية بل هي مشكلة باتت مرتبطة بأمن العالم، فما يحصل أصبح يهدد باريس وبروكسل وواشنطن. كما أننا لا نريد أن نُحسب على أي طرف، لوجود حساسيات في دول الجوار. كما أن فرنسا من الدول العظمى ولها ثقلها في المجتمع الدولي، خصوصاً أنها كانت معترضة على ما حصل للعراق عام 2003، لذلك اخترنا باريس.

* عبارتكم التي تقولون فيها إن "الأمن القومي للعرب مهدد" هل هي تلميح لإيران؟
نعم أقصد إيران. هناك قوى خارجية للأسف تسيطر وتتدخل في المشهد العراقي، وأولهم إيران، البلد الأكثر استفادة مما حصل للعراق عام 2003، واستطاعت مع الأحزاب الطائفية التي تحكم العراق، أن تفرض سيطرتها على العراق. وأصبحت الملفات الرئيسية في العراق، الأمنية والسياسية والاقتصادية كلها بيد إيران، وهي متدخلة تدخلاً مباشراً في العراق. وهذا التدخل يراد منه استغلال العراق لتهديد أمن الدول العربية، وأنا أعتقد أن إيران لم تنسَ ما حصل في الحرب العراقية الإيرانية (1980 -1988).

* لماذا تختصرون كل المعارضة العراقية في هذا المشروع؟
نحن لا ندّعي أننا نمثل المعارضة العراقية ككلّ، لأننا لا نريد أن نصادر حق أحد، فالمعارضة موجودة في العراق بأشكال متعددة، من المسلّحة إلى السياسية. وهناك أحزاب وهيئات وتنظيمات كثيرة وشخصيات تعارض الاحتلال، ولكن هذا لا يعطيهم الحق أيضا في أن يلغوا جهدنا كمعارضين. ونحن نعتقد أن الدافع الحقيقي لنا اليوم هو أننا لا نريد إضافة رقم للأرقام الكثيرة التي تعارض هذا الواقع، ولا نريد أن نزاحم المعارضة العراقية ونقول نحن رقم جديد ليضاف لهذه القائمة. نحن نعبّر أو نريد أن نعبّر عن شريحة كبيرة من المجتمع العراقي، وهذه الشريحة هي موجودة في العراق أصلاً، وهي رافضة لهذا الوضع السياسي والعملية السياسية التي لم يستفد منها الشعب العراقي، وغير ممثلة في المعارضة الموجودة في الخارج، وهي شريحة الشارع العراقي المؤلفة من أطياف ومكوّنات مختلفة.



* لماذا هاجمكم حزب البعث ولماذا قاطعت هيئة العلماء مؤتمركم؟

على حدّ علمي لم يهاجم الحزب رسمياً مؤتمر باريس بل قال على لسان الناطق باسمه خضير المرشدي، إنه يبارك لكنه لن يشارك. بالتالي فما صدر من رفض هو من بعض الأشخاص الذين لا يعجبهم أن يجتمع العراقيون على مشروع وطني يكون خيمة لكل العراقيين، وتكلموا بصفاتهم الشخصية، لا بصفة حزب البعث. أي أن أصحاب القرار في الحزب لم يهاجموا المشروع، ولكن بعض الأشخاص بانتمائهم الحزبي البعثي تكلموا بدوافع لا نعرف ماهيتها. لذلك فنحن لا نعتبر أن حزب البعث هاجمنا ونحن لا نحمّل الحزب ذلك. أما بالنسبة لهيئة علماء المسلمين، فقد وُجّهت لها الدعوة مبكراً، ولكنها اعتذرت لأسباب وصفتها بالخاصة.

* أنتم ضد العملية السياسية ككل ومع نسفها، أم تريدون الإصلاح لا أكثر؟
أرى أن العملية السياسية من حيث المبدأ شُكّلت في زمن الاحتلال، وأن دستور العملية السياسية كُتب في زمن الاحتلال. نحن لا نتعامل مع العملية السياسية لكننا نبحث عن حلّ، وما يعنيني ليس العملية السياسية، بل كيفية استعادة العراق. اليوم العملية السياسية مدعومة خارجياً وهي تمسك مقدرات البلد بالكامل، وهناك معارضة في الخارج، وهذه المعارضة سقفها عالٍ جداً، لأنها انعكاس لصدى البندقية. عادة تتشكّل المقاومة في أي بلد محتلّ، نتيجة لقرار سياسي لكن الذي حصل في العراق كان بالمقلوب. فالمقاومة العسكرية انطلقت من دون قرار سياسي، وبعد أن انطلقت، كانت المعارضة السياسية في الخارج انعكاسا لها. لذلك كان سقف المعارضة عالياً جداً بعلو سقف البندقية، فلا سقف أعلى من سقف البندقية. بالتالي كانت المعارضة في الخارج تتناغم مع البندقية، ولما خرج الاحتلال وضعفت البندقية، بقيت المعارضة تتكلم بهذا السقف العالي جداً، الذي هو ليس سقفها في الأصل، بل سقف المقاومة. الآن، إذا أردنا أن نحلّ مشكلة بهذا الحجم، علينا أن نحلّل المعارضة والعملية السياسية، فالعملية السياسية لا تعترف بالمعارضة، والمجتمع الدولي لا يعترف بالمعارضة، لأن سقف المعارضة هو المقاومة، والمعارضة كذلك لا تعترف بالحوار مع الغرب، على اعتبار أن الولايات المتحدة، هي التي تسببت في هذا الأمر، ولا تعترف بأصحاب العملية السياسية وتريد إلغاءهم لكنها لا تملك القوة لتحقيق ذلك. إذاً، الذي يدفع ثمن هذه المعادلة هو الشعب العراقي، فأصحاب العملية السياسية سرقوا البلد وضيّعوه، وأوصلوه إلى ما وصل إليه، والمعارضة العراقية في الخارج لا تملك إمكان تغيير هذا الواقع، ولو كانت تملك لذهبنا معها جميعنا لإزالة العملية السياسية. إن الذي نطمح إليه في مشروع باريس، هو إيجاد شرعية تقوم على أساس أن العراق مشكلته إقليمية دولية، وأن العراق يستحق أن يناقش موضوعه خارج إطار العملية السياسية، وأن يُعترف بفشل هذه العملية السياسية بوجود ندّ لها، لكن هذا الند الذي يتكلم بإلغاء العملية السياسية لا يقبل الغرب أن يعترف به. بالتالي إن ما حصل في باريس هو أولى خطوات الاعتراف، فإذا نظرنا إلى خارطة المنطقة، سنجد مثلاً أنه في اليمن هناك نظام وهناك معارضة، وفي سورية هناك نظام وهناك معارضة، وفي ليبيا كذلك، فلماذا في العراق لا توجد معارضة لهذا النظام السياسي؟ هناك معارضة داخل هذا النظام السياسي وهي غير صالحة، لأن النظام السياسي في النهاية مشكّل بطريقة لا يمكن إصلاحها والمعارضة التي في الخارج لا يعترف الغرب بها. فالذي نطرحه هو إيجاد شكل من أشكال المعارضة يقبل بالحوار مع الولايات المتحدة، ولكن من منطلقات وطنية يريد إصلاح الوضع لتحسين حالة الشعب العراقي وإخراج إيران، لأنها متدخلة بشكل مباشر في البلد وإرجاع العراقي إلى وضعه الطبيعي وإلى أهله وحاضنته.


* هل لديكم استعداد للحوار مع رموز العملية السياسية الحالية في العراق برعاية دولية؟

أنا لا أمانع الحوار مع أيٍ كان إذا كان الحوار مجدياً ونافعاً ويساعد على تغيير الواقع، لكن قناعتي أن هذا الحوار لا قيمة له، لأن مشاكل أصحاب العملية السياسية اليوم كثيرة. كما أن المليشيات تسيطر على المشهد الأمني، وهي التي تفرض الإرادة السياسية، وأن العملية السياسية مرتهنة لإيران وقرارها خارجي وليس داخلي. ولكني أعتقد في النهاية إذا كانت هناك ضمانات دولية ولا أعني بها الأمم المتحدة بل ضمانات دولية خاصة، أن العراق لا زال حتى الآن تحت البند السابع، فإذا كانت هناك ضمانات دولية يمكن أن نحصل عليها، فلا مانع حينها أن يجلس من يمثل الشعب العراقي مع أصحاب العملية السياسية لإيجاد حلّ حقيقي للبلد.

* من يموّلكم ويرعاكم؟
المؤتمر كان برعاية منظمة سفراء السلام من أجل العراق، وهذه المنظمة أوروبية ومسجلة في الاتحاد الأوروبي، وفيها نواب من البرلمان الأوروبي ورؤساء أحزاب، وهي التي نظمت مؤتمر باريس. وعادة هناك ميزانية للمنظمات الأوروبية من الاتحاد الأوروبي، ولكن هذه الميزانية لا تكفي لتمويل وعقد مؤتمر في باريس، وأنا شخصياً ساهمت بهذا المؤتمر وهناك أصدقاء عراقيون ساهموا في تمويل المؤتمر.

* ما هو الثقل السياسي للموجودين في المؤتمر، خصوصاً أن الكثير منهم حضروا المؤتمر ولا أحد يعرفهم؟
لا يهم كثيراً ثقل الناس السياسي، بقدر ما يهمني بالنسبة لي أنّ من حضروا في المؤتمر هم عراقيون ويشعرون بمعاناة العراقيين، ويريدون أن يبذلوا ما يستطيعون من أجل إنقاذ العراق.

* هل نفهم أن كل الموجودين ليسوا قوى بقدر كونهم شخصيات؟

الذين حضروا المؤتمر حضروا بصفتهم الشخصية ونحن نعمل على عقد مؤتمر جديد خلال شهرين، لأن أغلب المدعوين من الداخل لم يستطيعوا الحصول على تأشيرة السفر. وسيشارك بالمؤتمر الجديد كل الذين لم يستطيعوا الحضور إلى المؤتمر التأسيسي. وهناك لجنة تحضيرية ستتواصل مع كل القوى والشخصيات التي لم تحضر مؤتمر باريس، تحديداً بعد إعلاننا عن المرتكزات الأساسية والميثاق الوطني للمشروع، وكل من يؤمن بهذا الميثاق. وهذه المرتكزات ستكون جزءا من المشروع الوطني العراقي ونحن نعمل على توسيع هذا الإطار.

* هل تعتبر طروحات المعارضة العراقية منطقية، خصوصاً أنها تريد نسف العملية السياسية؟
لا أعتقد أن مشكلتي هي مع العملية السياسية، بقدر ما أن هدفي هو أن يعود العراق، وأن يعيش العراقيون بصورة صحيحة. وهذه العملية السياسية هي التي حكمت على نفسها بالفشل، ولو أنها جاءت بالخير لما احتجنا أن نعقد مؤتمراً في باريس، ولكنا عقدناه في بغداد، ولكنا تحاورنا من أجل إصلاح بعض الأمور. بالتالي إن التخوّف الذي رافق وسبق عقد المؤتمر، ينبئ بشيئين، أولهما الخوف من كل ما هو جديد وممكن، في أن يكون منافساً لأصحاب العملية السياسية. والأمر الثاني ينبئ بقوة المشروع الوطني الذي يهدد العملية السياسية. ونحن لا نريد أن ندافع أمام الاتهامات التي تقول إن هذا المشروع ممول من كذا أو كذا، لأنه ببساطة يكفي طرح سؤال حول كيفية وصول العملية السياسية إلى الحكم. فهل جاءت بثورة شعبية؟ لا بل جاءت نتيجة احتلال أميركي. وأعتقد أن هذا الكلام مردود على من يتهمنا أننا نعمل بأجندة أميركية أو صهيونية.

موقفنا من العملية السياسية واضح في مشروعنا، وهو أننا لا نتعامل مع العملية السياسية، ولكن إذا كان هناك رأي يمكن أن يقرره المؤتمر العام الأول المقبل، فنحن لا نستطيع أن نفرض رأينا على المؤتمر لأنه هو من يقرر السياسة العامة. ولكن من وجهة نظري، لا يمكن أن نصادر عقولنا ونلغيها، فكيف لنا أن نصلح هذه العملية السياسية. لذلك نحن رافضون لهذه العملية السياسية لأسباب موضوعية ومبدئية عدة، فالمبدئية أن هذه العملية السياسية قامت على أسس طائفية وأحزاب طائفية، ولأنها أُسست في زمن الاحتلال. ولكنْ هناك أسباب أخرى داخل العملية السياسية، فنحن نبحث عن دولة مدنية تُطبّق فيها الديمقراطية بشكل صحيح، وتحترم المواطن لحقوق المواطنة التي يحملها وليس لانتمائه.

* كيف تعرّفون المشروع الوطني كمعارضة عراقية؟
في العراق هناك صراع بين إيديولوجيتين، إحداهما الأيديولوجية التي بشّر بها المشروع الإيراني الذي جاء إلى المنطقة في نهاية السبعينات، وهو مشروع ولاية الفقيه، والأيديولوجية الأخرى هي مشروع خلافة أبو بكر البغدادي. وهذان المشروعان يتصارعان في العراق، وكلاهما دخيلان على الشعب العراقي ونحن ضدهما.

* إذا وُجّهت لكم دعوة لزيارة بغداد كمعارض، أنتم وشخصيات أخرى داخل المؤتمر فهل ستلبّون الدعوة؟
عندما يسمح لي الوضع الأمني في دخول بغداد بصفتي كمواطن، ولا أدخل بصفتي كمعارض، رغم أني لست مطلوباً في بغداد.

* السيد مقتدى الصدر أصدر بيانا رحب فيه بشكل ضمني على أنه موقف إيجابي من مشروعكم، فبماذا تفسرون ذلك؟

السيد مقتدى الصدر يطرح نفسه كحالة مختلفة عن حالة العملية السياسية، ويقود تظاهرات واعتصامات ضد البرلمان وضد الحكومة، وطالب بالإصلاح. فعندما يبحث عن الإصلاح الذي يؤدي في النهاية إلى تغيير هذا الواقع، أعتقد بأنه رأى أن عراقيين يعقدون مؤتمراً في باريس، ينادون بإنقاذ العراق. وأنا لا تربطني علاقة مع السيد مقتدى الصدر لكنه قال دعوهم يعملون ونحن نعمل.

* تحدثت كثيراً عن الغرب، ماذا عن موقف العرب؟
منذ البداية لم يكن في نيتنا أن نعقد المؤتمر في أي دولة عربية مجاورة للعراق، لأننا لا نريد أن نحسب على أي طرف لحساسية الأمر بالنسبة للشارع العراقي. وأنا أعتقد بأن هناك واجبا على الدول العربية الآن، في أن تقدم الدعوة لنا كمشروع وطني لإنقاذ العراق، لمعرفة ماهية المشروع والمخاطر التي يمكن أن يحميهم منها. ونحن في المشروع الوطني، لا نمانع من أن تتعاون معنا الدول العربية، لكننا نعرف أننا مشروع وطني، ولا يمكن أن نكون لأي جهة غير العراق. كما نعتقد بأن الهمّ العراقي كبير وتداعياته تعود، سلباً أو إيجاباً، على العرب. لذلك أعتقد أن العرب إذا تعاونوا مع المشروع الوطني، فسيكون ذلك خدمة للعرب أنفسهم كما سيكون خدمة للعراقيين.

* هل تقبلون أن تبقوا كمعارضة فنادق أم لديكم مشروع سريع؟
أنا تكلمت عن مفهوم المعارضة والعمل المعارض بعد عام 2003، وهناك فجوة كبيرة بين ما نطرحه نحن وما تطرحه المعارضة التقليدية. فمشروعنا يقوم على شقّين، أولهما أن نجمع العراقيين الرافضين لهذا الواقع، ونعتقد بأنهم يُشكّلون أغلبية الشارع العراقي الرافض لهذا الواقع. لكن المشكلة أن من لا يقبل بهذا التغيير هم الأميركيون. وهنا يأتي الشق الثاني من عملنا وهو إقناع الأميركيين بأن الإصرار على إبقاء العملية السياسية بشكلها ووضعها الحالي، سيعود بالضرر على المجتمع الدولي برمّته. وأعتقد بأن داعش وما حصل في باريس وبروكسل وبعض المدن الأميركية، دليل على أن العالم لم يعد أكثر أمناً منذ أعلن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن حربه على الإرهاب. وهناك مصلحة عراقية ودولية للمساعدة على تغيير هذا الواقع، فإذا كان من يمسك بهذه العملية السياسية هم الأميركيين، فنحن نريد أن نقول لهم إن الشعب العراقي يرفض العملية السياسية، وأنتم عليكم أن تستجيبوا للشارع العراقي من جهة وتساعدوا في إيجاد أمن للمجتمع الدولي من جهة أخرى.

* ما هي خطوتكم التالية بعد مؤتمر باريس؟
في جعبتنا الكثير سواء كان لعملنا الدولي أو الداخلي والتنظيمي، ولانفتاحنا على الدول التي تؤثر في المشهد العراقي. وما نعمل عليه الآن هو الإعداد للمؤتمر بالنسبة للداخل، وترتيب بعض الزيارات للدول الإقليمية والدولية. وهناك أمر أعلناه في مؤتمر باريس، وهو أننا نسعى لإقناع المجتمع الدولي لعقد مؤتمر دولي تناقش فيه المشكلة العراقية خارج إطار العملية السياسية ورعاتها.

* لكل معارضة أدوات ضغط، ما هي أدوات ضغطكم، هل تملكون علاقات أو وساطات مع دول أو لوبي مثلاً؟
أعتقد أننا نقدم الحالة الصحيحة والسليمة التي يجب أن يكون عليها شكل العملية السياسية والحكم في العراق، والواقع الذي وصل إليه. وعندما نقول إن العراق وصل إلى أعلى معدلات الفساد، وأنه أصبح بهذه الطريقة يُصدّر الإرهاب إلى دول العالم وأن مشروعنا الوطني هو ورقتنا الرابحة التي نطرحها.

********************
بطاقة هوية
جمال بن عبد الوهاب الضاري هو حفيد الشيخ ضاري المحمود زعيم ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني للعراق. ولد في بغداد عام 1965 لعائلة تمتهن الزراعة غربي بغداد، والتحق بصفوف القوات العراقية خلال الحرب مع إيران بين 1984 و1988. سُجن بين عامي 1988 و1990 بتهمة الانتماء لحركة سياسية، ثم عاد للعمل في نشاطه المهني الحر كرجل أعمال بين 1991 و2003 ونشط في العمل السياسي المناهض للاحتلال الأميركي للعراق. أسس في العام 2014 منظمة "سفراء السلام من أجل العراق" في أوروبا (في لاتفيا) وقام بقيادتها منذ ذلك الوقت باتجاه عرض المعضلة العراقية في المحافل الدولية.