"فيتو" إيراني يحجّم دور العشائر لصالح المليشيات العراقية

"فيتو" إيراني يحجّم دور العشائر لصالح المليشيات العراقية

26 يوليو 2016
يبلغ عدد قوات العشائر نحو 20 ألفا(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من تحقيقها نتائج كبيرة في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وقيامها بدور كبير في تحرير مدن عدة، خلال الأشهر الماضية، مثل الرمادي، وهيت، والرطبة، وأجزاء من صلاح الدين (شمالي بغداد)، ونينوى (شمالي العراق)، لا تزال قوات العشائر السنية، التي يبلغ قوامها نحو 20 ألف مقاتل، تعاني من الإهمال المتعمد من قبل الحكومة العراقية، سواء من حيث التسليح والتجهيز أو دفع الرواتب أسوة بما تقدمه لمليشيات "الحشد الشعبي".

وتوفي أحد أبرز قيادات مقاتلي العشائر، أخيراً، متأثراً بجراح أصيب بها خلال معارك مع "داعش" غربي الأنبار، داخل مستشفى بدائي. ولم تفلح مناشدات العشائر وقادة تلك القوة الميدانيين للحكومة بنقله إلى خارج العراق للعلاج وشموله ببرنامج رعاية مقاتلي الجيش و"الحشد الشعبي". ولا يزال مجلس العشائر المتصدي للتنظيم يقوم بجمع تبرعات بين الحين والآخر من الأهالي وزعماء العشائر ورجال الأعمال السنة لتمويل حربه ضد "داعش"، بهدف شراء أسلحة وذخيرة أو دفع رواتب بسيطة يتمكن من خلالها المقاتل العشائري من إطعام أسرته بعد تركه لعمله والتوجه لقتال التنظيم.

وحول تراجع اهتمام القوات الأميركية بتلك القوات خلال الأشهر الماضية، تؤكد مصادر عسكرية وعشائرية عراقية مختلفة، لـ"العربي الجديد"، أن القوات الأميركية خفضت عدد معسكرات تدريب أبناء العشائر، أخيراً، إلى النصف، خصوصاً في الأنبار. وتشير هذه المصادر إلى أنّ الدعم التركي لقوات عشائر الموصل التي تتهيأ للمشاركة في الهجوم على المدينة لاستعادتها أكثر وأكبر من الدعم الأميركي الذي بدأ يتجه نحو مليشيات "الحشد" في الاعتماد عليها بمعارك برية، كما حصل بالفلوجة، وفقاً للمصادر. وتؤكد زيارة القنصل الأميركي في البصرة ستيف ووكر لجرحى مليشيات "الحشد" الموجودين في مستشفى حكومي وسط البصرة، الشهر الماضي، هذه المعلومات.

وبحسب مسؤول حكومي عراقي رفيع المستوى، فإنّ "قوات العشائر تواجه فيتو إيرانيا كبيرا يمنع حكومة حيدر العبادي من تقديم أي مساعدة أو اهتمام لها". ويضيف المسؤول العراقي وهو وكيل وزير لإحدى الوزارات الأمنية، لـ"العربي الجديد"، أنّ "العبادي كان يدعم تلك العشائر، لكن بعد تعاظم دورها وزيادة عدد قواتها باتت تشكل قلقاً لإيران من احتمال أن تكون أول قوة عربية سنية بالعراق لا يمكن اعتبارها إرهابية، وتدعم القانون والنظام بالوقت نفسه وتنافس المليشيات في المستقبل"، على حدّ تعبيره. ويلفت إلى أن الخطة الحالية هي عدم إبقاء تلك القوات على هيكل أو جسد واحد وتفريقها من خلال دمج أفرادها بأجهزة الشرطة المحلية وشرطة النجدة والمرور والإطفاء، وغيرها من التشكيلات المحلية التابعة لوزارة الداخلية".

تسريبات المسؤول الحكومي العراقي لم تكن سراً يُكشف عنه للمرة الأولى، بل سبقتها تصريحات مماثلة لقيادات في مليشيا "الحشد الشعبي" اعتبرت من خلالها أن القوات العشائرية لا يمكن أن تكون شريكا رئيسيا في الحرب على الإرهاب، كونها غير محسومة الولاء ولا يمكن الوثوق بها باعتبارها مخترقة من قبل "داعش". ووفقاً لتصريحات القيادي جعفر الموسوي في حزب الله لموقع إخباري عراقي، فإن "قوات العشائر يمكن الاعتماد عليها في بناء أجهزة الشرطة والمرور والنجدة والشرطة المجتمعية عبر تطويعهم لا أكثر".

في هذا السياق، يقول عضو مجلس العشائر المتصدية لـ"داعش"، حميد خلف الدليمي، لـ"العربي الجديد"، "نقاتل للدفاع عن أرضنا وطرد داعش منها لأنّ تخلينا عن القتال يعني دخول داعش لمدننا، ثم استباحة المليشيات بعدها مثل السيناريوهات المعروفة، لذا مضطرون للقتال دفاعاً عما تبقّى من أراضينا وهجوماً لاسترداد ما أُخذ منّا". ويضيف "لكن ليس لنا خيار، القرار ليس بيد العبادي. نجتمع معه فيعدنا بكثير من الأمور، ويقول أنتم أحد الأعمدة الرئيسية في القتال، وبعد رحيلنا، لا نجني سوى كلام من دون تطبيق. نعلم جيداً أن الأمر يعود لإيران والمليشيات، فهي لا تريد دعمنا وترفض الدعم الذي أعربت دول عربية عن استعدادها لتقديمه لنا".






ويتهم مراقبون وشيوخ عشائر الحكومة بالعمل على تحييد العشائر السنيّة ومنع تسلحيها، مؤكدين أنّ الدوافع الطائفية لا تزال هي الحاجز الذي لا تستطيع الحكومة تجاوزه ودعم العشائر المقاتلة، محذرين من تأثير هذا الرفض على سير العمليات العسكرية ومستقبل المناطق المحررة في البلاد. ويقول نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار، فالح العيساوي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تأخير تسليح عشائر الأنبار أثّر على سير العمليات العسكرية في المحافظة"، مبيناً أنّ هناك نحو آلاف المتطوعين من عشائر المحافظة ينتظرون تزويدهم بالسلاح". ويدعو العيساوي الحكومة العراقية إلى "الاهتمام بهذا الملف وتجهيز وتسليح العشائر الذين لهم الدور الكبير بإسناد القوات الأمنية في عمليات التحرير".

ولم يقتصر إهمال ملف العشائر على محافظة الأنبار فحسب بل شمل جميع المحافظات التي سيطر عليها التنظيم وهي؛ الموصل، وصلاح الدين، وكروك، وديالى، فيما يؤكد قادة عشائريون أن هناك دوافع سياسية وطائفية تحول دون تسليح العشائر. ويقول أحد شيوخ عشائر الموصل، غانم الشمري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة وقادة المليشيات والتحالف الوطني يرفضون تسليح العشائر السنيّة بدوافع طائفية"، مبيناً أنّ "هناك محاولات واضحة من تلك الجهات لتقوية مليشيا الحشد على حساب العشائر، الأمر الذي فرض المماطلة والمخادعة في ملف تسليحها".

ويشير إلى أنّ "عشائر الموصل وأبناءها ينتظرون المشاركة في معركة التحرير، وينتظرون من الحكومة تسليحهم وإعدادهم لتلك المعركة، لكن بات واضحاً للجميع أنّ الحكومة لن تسلّحهم، وستستمر بمماطلتها بغية مشاركة الحشد الشعبي في المعركة"، محذّراً من "خطورة استمرار الحكومة بهذا النهج، وما سيكون له من أثر واضح على سير العمليات العسكرية، وعلى أمن المناطق المحرّرة".

بدوره، يدعو أحد شيوخ عشائر محافظة كركوك، سفيان عمر النعيمي، الحكومة إلى "الاهتمام بدور العشائر الكبير في حرب داعش وتحرير المناطق الخاضعة لسيطرته". ويقول الشيخ لـ"العربي الجديد"، إنّ "العشائر لها دور كبير في تحرير مناطقها من سيطرة داعش، وما حدث في محافظة الأنبار خير دليل على ذلك"، مشيراً إلى أنّ "مناطق كركوك ومنها الحويجة تطوّع من أبنائها أكثر من 10 آلاف شاب، وهم ينتظرون دورهم في تحرير مناطقهم".

ويضيف أنّ "هؤلاء المتطوعين ينتظرون أن توفّر لهم الحكومة الدعم بالسلاح والتجهيزات اللازمة لدخول المعارك، ليأخذوا دورهم في عمليات التحرير"، مناشداً الحكومة بـ"ضرورة عدم إهمال هذا الملف وحسمه بأسرع وقت ممكن، والاستفادة من هذه الطاقات الكبيرة لدى هؤلاء المتطوعين، ليكون لهم شرف تحرير مناطقهم".

في المقابل، يرفض التحالف الوطني الحاكم تسليح العشائر السنيّة في كافة المحافظات، مشككاً بمواقف وولاء بعض تلك العشائر. وقالت النائبة عن التحالف، عواطف نعمة، في تصريح تلفزيوني، إنّ "العشائر في المحافظات الغربيّة للبلاد تنقسم إلى فئتين؛ العشائر الأصيلة التي شاركت مع القوات الأمنية في تطهير المناطق من سيطرة داعش، ولها مواقف ضدّ التنظيم، وأخرى كان لها الدور بدخول داعش إلى الموصل وغيرها من المحافظات العراقية، وشاركت في مجازر سبايكر والصقلاوية"، مشددة على أنّ "التحالف الوطني يرفض أي فكرة أو مقترح لتسليح العشائر".

وتماطل الحكومة العراقية منذ سنوات عدة في تسليح العشائر السنيّة، في وقت حصلت فيه مليشيات "الحشد الشعبي" على تسليح وتمويل وموازنة تضاهي موازنة وزارة الدفاع، الأمر الذي جعلها تتمتّع بترسانة عسكرية كبيرة، تجعل منها قوة كبيرة غير نظاميّة في البلاد.