إسرائيل والانتخابات البلدية الفلسطينية: تعطيل أم تسهيل؟

إسرائيل والانتخابات البلدية الفلسطينية: تعطيل أم تسهيل؟

27 يوليو 2016
تتواصل الاستعدادات في قطاع غزة للانتخابات البلدية (أشرف عمرا/الأناضول)
+ الخط -
على الرغم من التزام إسرائيل الرسمية، حتى الآن، الصمت إزاء التوافق الفلسطيني الداخلي على إجراء الانتخابات البلدية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وتحديداً قرار حركة "حماس" المفاجئ بالمشاركة، فإن الموقف الإسرائيلي والإجراءات التي ستتخذها حكومة الاحتلال يتوقع أن يؤثران بشكل كبير على بيئة الانتخابات ونتائجها.

ويوجد جملة من الاعتبارات التي يمكن أن تدفع إسرائيل لإفشال هذه الانتخابات أو تعمد التأثير على نتائجها بشكل كبير من خلال استغلال السيطرة الأمنية الإسرائيلية المطلقة على الضفة الغربية. وفي الوقت ذاته، فإن هناك عوامل أخرى قد تجعل إسرائيل حريصة على إنجاح هذه الانتخابات، على اعتبار أن ذلك ينسجم مع المصالح الإسرائيلية، كما تراها حكومة اليمين المتطرف.



من حيث المبدأ، تبدي حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو، حساسية كبيرة إزاء أي مجال للنشاط السياسي الفلسطيني يكرّس الوحدة السياسية للضفة الغربية وقطاع غزة، التي اهتزت كثيراً عقب الانقسام الداخلي، الذي خدم الأجندة السياسية والأمنية لهذه الحكومة. ومما لا شك فيه، أن السماح بإجراء انتخابات، وإن كانت ذات طابع بلدي، يعيد الاعتبار للوحدة السياسية لمناطق السلطة الفلسطينية، ناهيك عن أنه يفتح المجال، ولو نظرياً، أمام تقليص حدة الانقسام الحالي، على اعتبار أنه أول قرار فلسطيني يتم التوافق عليه وطنياً، منذ تفجر الصراع بين حركتي "فتح" و"حماس" في صيف 2007، والذي انتهى بهيمنة "حماس" على قطاع غزة.
من هنا، ولأول وهلة، يمكن الافتراض أن إسرائيل ستعمل على التشويش على إجراء هذه الانتخابات من خلال جملة من الإجراءات الأمنية التي تفضي إلى عدم توفر الحد الأدنى من الظروف اللازمة لإجراء هذه الانتخابات بشكل طبيعي. على سبيل المثال، وبغض النظر عن إجراء الانتخابات البلدية، فإن إسرائيل تواصل، منذ يونيو/حزيران 2014، وبدون انقطاع تنفيذ استراتيجية "اجتثاث الشعب"، عبر شنّ حملات اعتقال ممنهجة تستهدف قيادات حركة "حماس" وناشطيها. ومن الواضح أن مواصلة شنّ هذه الحملات يقلص هامش المناورة أمام الحركة ويمسّ بظروف مشاركتها في هذه الانتخابات. وقد تعاظمت حدة حملات الاعتقال، منذ تفجر انتفاضة القدس مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2015، حيث تتهم أوساط أمنية وسياسية إسرائيلية قيادات "حماس" بأداء دور رئيس في التحريض على عمليات المقاومة ذات الطابع الفردي. ومن الواضح أنه في حال واصلت إسرائيل حملات الاعتقال ضد قيادات وناشطي الحركة أو كثّفتها مع اقتراب موعد الانتخابات، فإن هذا السلوك يضمن عدم توفير الحد الأدنى من البيئة التنافسية مما يفقد هذه الانتخابات قيمتها؛ ولاسيما أن حملات الاعتقال الإسرائيلية استهدفت أخيراً ناشطين في اليسار الفلسطيني، وخصوصاً أعضاء في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

لكن في المقابل، فإن الحكومة الإسرائيلية يمكن أن تسمح بتوفير الظروف التي تتيح إجراء الانتخابات البلدية، على اعتبار أن إحباط تنظيم هذه الانتخابات يمكن أن يستحث ردود فعل دولية غاضبة، إلى جانب أن هذه الانتخابات ستكون ذات طابع محلي مما يقلص الدلالات السياسية لمجرد إجرائها. في الوقت نفسه، تدرك إسرائيل أن الانقسام الفلسطيني الداخلي عميق لدرجة أن إجراء مثل هذه الانتخابات لن يفضي إلى تقليص حدته، بل إن هذه الانتخابات، وما قد تسفر عنه من نتائج، قد تؤدي إلى زيادة الاستقطاب الداخلي. وقد تكون إسرائيل معنية بإجراء الانتخابات لأنها قد تظهر تراجع قوة حركة "فتح" التي يقودها رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ولا سيما في الضفة الغربية. ويسمح هذا الأمر لماكينة الدعاية الإسرائيلية بالتشكيك في مصداقية تمثيل عباس، وبالتالي نزع الشرعية عن الخطوات التي تقدم عليها السلطة الفلسطينية في المحافل الدولية، وخصوصاً أن الانتخابات ستنظم عشية المؤتمر الدولي الذي دعت له الحكومة الفرنسية لبحث سبل حل القضية الفلسطينية.
وفي الوقت نفسه، فإن فوز حركة "حماس" في هذه الانتخابات سيسمح لإسرائيل بفرض قيود على عمل المجالس البلدية التي ستديرها الحركة في الضفة الغربية، تماماً كما فعلت إسرائيل عقب فوز الحركة في الانتخابات البلدية التي نظمت نهاية 2004 ومطلع 2005. يذكر أن الدول المانحة توقفت أيضاً عن تقديم الدعم لكل المجالس البلدية التي فازت فيها "حماس" على اعتبار أن الحركة تصنف على أنها تنظيم "إرهابي". من جهة ثانية، فإن إسرائيل قد تسمح بإجراء الانتخابات من أجل تغيير المزاج السياسي والاجتماعي السائد في الأراضي المحتلة بشكل يقلّص من دافعية الفلسطينيين لمواصلة تنفيذ عمليات المقاومة الفردية، على اعتبار أن هذه الانتخابات قد تضطر الكثير من الحركات والتنظيمات والعائلات إلى تجنيد عناصرها وأبنائها للانخراط في هذه التجربة. وتدفع الموازنة بين الاحتمالين للاعتقاد أن إسرائيل قد تميل إلى الخيار الثاني وتسمح بإجراء الانتخابات.

المساهمون