مخيم "عين الحلوة"... تهويل لبناني بعنوان "خلية عماد ياسين"

مخيم "عين الحلوة"... تهويل لبناني بعنوان "خلية عماد ياسين"

26 يوليو 2016
يعاني المخيم من اكتظاظ سكاني كبير (حسين بيضون)
+ الخط -
يعود مخيّم عين الحلوة، أكبر مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان (صيدا، جنوبي لبنان)، إلى الواجهة الأمنية من جديد. قبل أسابيع عاد التوتر إلى أحياء المخيّم، من خلال اشتباكات مسلحة وانتشار أمني متكرر. لا تغيب الاشتباكات عن المخيم فترة طويلة، ولا تتطور باتجاه معركة كبيرة. هذه حال المخيم في السنوات الأخيرة. كثيرة هي الأسباب التي تجعل منه بيئة لعدم الاستقرار، من دون أن يعني ذلك تحوّله إلى "مصدر للشرّ المطلق" كما يروّج جزء كبير من الإعلام اللبناني ومن السياسيين اللبنانيين، لأسباب عنصرية أو لتصفية حسابات سياسية من بوابة الطرف الأضعف، أي اللاجئين الفلسطينيين.
أوضاع المخيم الاقتصادية والاجتماعية والانسانية، كفيلة بأن ينفجر... لكنه لا ينفجر. نسب البطالة عالية جداً، في المخيم الذي يعيش فيه ما يقارب 100 ألف في أقل من كيلومترين مربعين. ففي عين الحلوة أكثر من 80 ألف لاجئ فلسطيني، انضم إليهم ما يزيد عن 12 ألف لاجئ فلسطيني من سورية، إضافة إلى أكثر من عشرة آلاف من عائلات العمال السوريين واللبنانيين. وفي دراسة للجامعة الأميركية في بيروت صدرت عام 2011 بالتعاون مع الأونروا، ظهرت أرقام مخيفة؛ 8 في المائة من أطفال المخيم بين 7 و15 عاماً لم يدخلوا المدرسة، فيما نصف الأطفال ما بين 16 و18 عاماً خارج المدارس، بالإضافة إلى أنّ 19 في المائة من العائلات الفلسطينية لا تُرسل جميع أبنائها للدراسة. على صعيد العمل، 56 في المائة عاطلون من العمل. كذلك فإن 66 في المائة من اللاجئين فقراء، أي أنّهم عاجزون عن تلبية الحد الأدنى من حاجاتهم الغذائية وغير الغذائية الضرورية.

هذا الواقع يُنذر بأن الانفجار كان يمكن أن يحصل منذ زمنٍ طويل. رغم ذلك، يُحذّر اللبنانيون، إعلاميين وأمنيين من انفجار وشيك كلّ حين. اليوم، يتحدث عدد من الضباط الأمنيين في الجنوب عن وجود خلية متشدّدة عدد أفرادها قليل جداً، لكنها تنشط في عين الحلوة منذ أسابيع وتعمل على الإعداد لتفجيرات تستهدف مدنيين ومراكز أمنية. في هذه الموجة الأمنية الجديدة يسطع نجم الفلسطيني، عماد ياسين، كرأس أساسي يدير هذه المجموعة الأمنية، وهو قائد سابق في "عصبة الأنصار" (فصيل فلسطيني متشدّد في عين الحلوة) وانشقّ عن "العصبة" في عام 2003 مؤسساً "جند الشام"، وهو مطلوب للدولة اللبنانية بعشرات مذكرات التوقيف لـ"اتهامه بتنفيذ عمليات تستهدف الجيش اللبناني وبقيادة تنظيم مسلح، وبالتواصل والتنسيق مع مجموعات إرهابية في لبنان وسورية".

عماد ياسين: نعيم عباس ــ 2
تشير تقارير أمنية مختلفة صادرة عن ضباط لبنانيين إلى أنه "تمّ الربط بين عماد ياسين ومجموعات سورية متشدّدة تحاول اختراق الساحة اللبنانية مجدداً". معلومات دفعت بأحد هؤلاء الضباط إلى وصف ياسين بأنه "نعيم عباس ــ 2"، أي القيادي المتشدّد المسؤول عن تفجيرات واعتداءات أمنية ضربت ضاحية بيروت الجنوبية (المربّع الأمني والسياسي والاجتماعي لحزب الله على مدخل بيروت الجنوبي) بين عامي 2013 و2014. وتشير الأجواء الأمنية نفسها إلى أن "المعلومات المتوافرة تقول إنّ ياسين خلف عباس في هذه المهمّات الأمنية، وذلك بالتواصل مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وغيرها". كما أنه من المعروف عن ياسين لجوؤه إلى التستّر الكامل وعدم تجوّله إلا نادراً في المخيّم، فيكاد لا يخرج من منزله إلا للصلاة في مسجد قريب من حيث يقيم في حيّ الطوارئ في عين الحلوة، وهو أخطر الشوارع فيه لتشابك النفوذ بين الفصائل الفلسطينية فيه. يزيد هذا الأمر من غموض ياسين وحركته، ويدعو الجميع إلى الريبة على اعتبار أنه "لو كان هذا الرجل ينوي قيادة تنظيم سياسي أو شعبي، لكان كثّف حضوره بين الناس، أو عمل على تنظيم عراضات في الشارع من خلال نشر عشرات المسلحين حوله". لكن ذلك لم يحصل، فتزداد ريبة المسؤولين اللبنانيين والفلسطينيين من نوايا ياسين وما يخطط له.




لا تنفي شخصيات إسلامية متابعة لأجواء عين الحلوة، لـ"العربي الجديد"، كون عماد ياسين "قريباً عقائدياً من داعش، وسيرته الجهادية تشير إلى إمكانية اقترابه إلى أجواء متشددة مماثلة". لكن في الوقت عينه، تستبعد هذه الأجواء الإسلامية إمكانية إعلان ياسين مبايعته لـ"داعش" أو غيره من التنظيمات المتشددة الأخرى، وخصوصاً أنّ من سبقه من قياديين متشددين لم يتمكنوا من ذلك على الرغم من "قدراتهم الجهادية" (علاقاتهم وتمويلهم وتسليحهم وتواصلهم مع مقاتلين) العالية. يشير هؤلاء إلى حالات متشددة سابقة كـ"أبو محجن، أو الشيخ أحمد الأسير أو حتى نعيم عباس، لم يتمكنوا من الحصول على غطاء سياسي أو شعبي في عين الحلوة على الرغم من كونهم نجحوا في تنفيذ مهام أمنية عالية"، فظلّوا لاجئين في المخيم من دون أي ظهور علني. وضع يدفع بعض الضباط الأمنيين إلى القول إنّ "عين الحلوة غير متضامن مع هذا النوع من الأعمال الأمنية والأفكار العقائدية، لكنه لا يزال يشكّل جحراً لبعض المتشددين والباحثين عن أعمال إرهابية وتخريبية".

وفي معلومات خاصة بـ"العربي الجديد"، اجتمع ضباط من استخبارات الجيش اللبناني بمسؤولين من الفصائل الفلسطينية قبل أيام، سمع خلالها القيّمون على المخيّم "كلاماً قاسياً حول عجزهم عن ضبط الأمور في عين الحلوة واستياء الأمن اللبناني من هذا العجز. فسجّل الضباط اللبنانيون مجموعة من الملاحظات على أداء الفصائل الفلسطينية والقوة الفلسطينية المشتركة التي تمّ إنشاؤها بدعم الدولة اللبنانية ومباركتها، بحيث إنّ هذه القوى والقيّمين عليها لا يقدّمون أي معلومات استخباراتية حول ما يجري في المخيّم ولا يستطيعون مواجهة المدّ الإسلامي الحاصل فيه". مع العلم أنّ الدولة اللبنانية ترعى، بشكل غير علني ومباشر، منذ عام 2014 تدريبات عسكرية خاصة بعدد من الفصائل الفلسطينية في مخيّمات فلسطينية عدة في الجنوب أبرزها مخيّم الرشيدية (في صور)، وذلك في إطار محاولة دعم الفصائل للسيطرة على المخيّمات وبسط الأمن فيها. وفي هذا الإطار، تشير مصادر في الفصائل الفلسطينية لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "حركة فتح أجرت منذ شهر رمضان (يوليو/تموز) 2015 حتى اليوم 7 دورات تدريبيّة، وهي ليست دورات عادية، بل قاسية، أجراها مدربون جاؤوا من رام الله بالاتفاق مع السلطات اللبنانيّة". في حين تشير معلومات أخرى إلى أنّ بعض هذه التدريبات شارك فيها مدرّبون غربيون وكانت تحت عنوان "مكافحة الإرهاب".

الفصائل والتهويل
بدورها، تؤكد الأجواء الفلسطينية الرسمية على أنّ "موجة تهويل جديدة يعيشها مخيم عين الحلوة"، وهو ما يجمع عليه العديد من القياديين الفلسطينيين. فيقول قائد القوة الأمنية الفلسطينية في المخيمات في لبنان اللواء منير المقدح لـ"العربي الجديد" إنّ "التهويل حاصل حول الفلسطينيين وتحديداً في ما يخص عين الحلوة حيث تعمل الفصائل مجتمعة على استمرار ضبط الأمور وذلك بالتنسيق مع الدولة اللبنانية". ويؤكد المقدح على أنّ أمن المخيّمات ممسوك بفعل الإصرار الفلسطيني على منع أي توتر داخل المخيمات أو مع محيطها، مصراً على وجوب عدم تضخيم الأمور تحديداً لجهة تظهير عين الحلوة وكأنه بؤرة إرهابية. ويشير المقدح إلى أنه منذ بدء الثورة السورية وإلى اليوم، لم يخرج من المخيم سوى 71 فرداً انضمّوا للمشاركة في الحرب السورية، وهو رقم متدنّ جداً مقارنة بباقي المناطق اللبنانية، تحديداً الشمال اللبناني حيث خرج مئات الشبان اللبنانيين إلى سورية للمشاركة في الحرب فيها. ويعدّ عدد 71 مقاتلاً، رقماً ضئيلاً جداً خصوصاً في بيئة مشابهة لمخيم عين الحلوة، على الرغم من كون البيئة الاجتماعية والاقتصادية مؤاتية لاحتضان حالات متشددة واستقطاب الشبان إليها.

وفي حملة دفاع الفصائل الفلسطينية عن المخيّم وأمنه، تشير مصادر هذه الفصائل لـ"العربي الجديد" إلى أنّ مجموعة قريبة من "داعش" نشطت في عين الحلوة في الأشهر الأخيرة من عام 2015، "وحاولت بناء مجموعة عمل بالتنسيق مع القيادة في الرقة، لكنها فشلت نتيجة رفض هذا الواقع من قبل القيادات الفلسطينية، وإبلاغ المجموعة المؤلفة من 15 شخصاً أو أكثر بقليل، بأنه غير المسموح بقيام أعمال مماثلة في المخيّم". وتضيف المعلومات أنّ هذه المجموعة حاولت القيام بعرض عسكري ليلة رأس السنة 2015 ــ 2016، وهو ما تمّت إعاقته أيضاً من قبل الفصائل الإسلامية "تحديداً عصبة الأنصار وحركة حماس". وتضيف المعلومات نفسها أنه بعد فشل المجموعات في تنفيذ هذه الخطوات، انتقل أفرادها إلى سورية "حيث قتل ثلاثة من أفرادها حتى اليوم في المعارك السورية"، والأجهزة الأمنية تعرف الطرق التي اعتمدها هؤلاء خلال تهريبهم إلى سورية "وهي حريصة على عدم عودتهم" كما يقول مسؤول في إحدى الفصائل.

وتؤكد مصادر قريبة من "حماس" لـ"العربي الجديد" أنّ الحركة "التقت خلال شهر رمضان (يونيو/حزيران الماضي) مروحة واسعة من المسؤولين اللبنانيين من سياسيين وأمنيين، وطمأنت الجميع لجهة عدم وجود معطيات جدية لتوتر أمني في المخيم أو انتشار لداعش". وتضيف أجواء حماس أنّ حملة في الإعلام اللبناني بدأت بالتصاعد منذ عيد الفطر تحذر من انتشار لـ"داعش" في المخيم"، وهو ما نفته الأجهزة الأمنية اللبنانية لمسؤولي "الحركة".

يعيش مخيّم عين الحلوة مجدداً حالة من عدم الوضوح حول أوضاعه الأمنية، من دون أن يلغي أي من المتابعين لشؤون المخيّم أنّ "عين الحلوة مستمر بلعب دور صندوق بريد قد يستثمر فيه البعض لمآرب أمنية أو سياسية". في الوقت عينه، تستمر ماكينة التحريض على المخيم، وهي ماكينة تُحركها أهداف سياسيّة وأمنية.


المساهمون