تركيا... تقارب كمالي إسلامي نادر على خلفية الانقلاب الفاشل

تركيا... تقارب كمالي إسلامي نادر على خلفية الانقلاب الفاشل

26 يوليو 2016
أردوغان مستقبلاً كلجدار أوغلو بالقصر الجمهوري أمس (كايهان أوزير/Getty)
+ الخط -
تشهد العلاقات السياسية الداخلية التركية، تقارباً كبيراً بين حزب "العدالة والتنمية" (الحاكم)، وبعض أحزاب المعارضة، الكمالية منها تحديداً، بعد المحاولة الانقلابية في 15 يوليو/تموز الحالي، التي كانت من الأحداث القليلة خلال السنوات الماضية، التي تتّحد على رفضها كلّ الأحزاب التركية. وفي تغيير كبير في أداء المعارضة، بما يمكن اعتباره نقطة تحوّل ضخمة، ترأس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقاء قمة في قصر بيش تبة الرئاسي، بحضور كل من رئيس الوزراء التركي، رئيس حزب "العدالة والتنمية"، بن علي يلدريم، وزعيم حزب "الشعب الجمهوري" (الكمالي)، كمال كلجدار أوغلو، وزعيم حزب "الحركة القومية"، دولت بهجلي، وذلك في أول اجتماع من نوعه، تمّ فيه استبعاد قيادات حزب "الشعوب الديمقراطي"، الجناح السياسي لحزب "العمال الكردستاني"، بسبب مواقفها المؤيدة للأخير، مع عودة الاشتباكات العسكرية بين الانفصاليين الأكراد والقوات التركية.

يأتي ذلك، بعد أن تحوّل ميدان تقسيم في مدينة إسطنبول، يوم الأحد، من رمز للمعارضة بما شهدته من أحداث حديقة غيزي (2013) الاحتجاجية ضد الحكومة، إلى رمز لوحدة الشعب التركي ضد حكم العسكر وأي محاولة انقلابية، إثر التظاهرة الحاشدة التي نظمها "الشعب الجمهوري" وشارك فيها كل من أنصار "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية".

وانعكس التقارب السياسي على التجمّعات الاقتصادية، بعد أن بدأ لوبي "توسياد" الاقتصادي لرجال الأعمال الأتراك، المقرّب من "الشعب الجمهوري"، حملة إعلامية كبيرة في كل من أوروبا وأميركا، أصدر خلالها إعلاناً، تحت عنوان "الدفاع عن النظام الديمقراطي الدستوري في تركيا"، أكد فيه حرص البلاد على "الديمقراطية وقوة الاقتصاد التركي". وقد تمّ نشر الإعلان في عدد من الصحف الواسعة الانتشار، في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، مثل "فايننشال تايمز"، و"لو موند"، و"واشنطن بوست"، و"فرانكفورت ألغيماينده".

من جهته، وجّه رئيس الكتلة النيابية لـ"الشعوب الديمقراطي"، إدريس بالوكان، انتقادات شديدة للرئيس التركي، لعدم دعوة قيادات "الشعوب الديمقراطي" إلى الاجتماع، قائلاً إنه "علينا أن نرى النهج الذي يبعد الشعوب الديمقراطي ويستهدفه كأكبر شرّ موجّه ضد شعوب تركيا وأكثر السياسات خطراً، ونحن نظنّ بأنه على العدالة والتنمية وأردوغان، عدم اتباع هذه المواقف الخاطئة في هذه المرحلة".





ورغم المواقف الصلبة التي اتخذتها الأحزاب الثلاثة المجتمعة من مواقف "الشعوب الديمقراطي" المؤيدة لـ"العمال الكردستاني"، إلا أنه لم ينجم عن الاجتماع ولادة جبهة موحّدة ضد "الشعوب الديمقراطي"، إذ أن مواقف "الشعب الجمهوري" كانت طاغية، لناحية احتواء "الشعوب الديمقراطي"، لا استبعاده. الأمر الذي أشار له سكرتير "الشعب الجمهوري"، كامل أوكياي سينيدر، عبر تأكيده بأن كلجدار أوغلو، استبق توجهه إلى قصر بيش تبة باجتماع عقده مع اللجنة السياسية للحزب، أكد خلاله بأنه سينقل إلى الرئيس التركي ضرورة دعوة "الشعوب الديمقراطي" إلى اجتماعات مقبلة، بالقول: "كون الشعوب الديمقراطي كان من بين الأحزاب التي وقّعت على البيان الموحّد، الذي أصدره البرلمان ضد المحاولة الانقلابية، فيجب أن يتواجد بشكل مباشر في الفترة المقبلة". مع العلم أن التفجير الذي وقع أمس، في ولاية ماردين، وأودى بحياة ثلاثة من رجال الأمن التركي، يزيد من عقبات التلاقي بين أردوغان و"الشعوب الديمقراطي".

وقد ناقش الاجتماع عدداً من القضايا ذات الأهمية الفائقة، التي تحتاج توافقاً تركياً عاماً، والمتعلقة بالإصلاحات التي تنوي الحكومة إجراءها في هيكلة الجيش، ووزارة الداخلية والاستخبارات، مثل ضم قوات الدرك بكاملها إلى الداخلية التركية، للمرة الأولى منذ تأسيس الجمهورية، كما أعقب القمة بين القيادات الأربع، اجتماعٌ لمجلس الوزراء برئاسة أردوغان.

وكان أوكياي سينيدر قد كشف بأن "كلجدار أوغلو قدّم إلى أردوغان (المانفيستو)، الذي قرأه، يوم الأحد، خلال تظاهرة إسطنبول، التي أكد فيها على ضرورة التقارب بين الأحزاب التركية مجتمعة، ورفض الانقلابات وأي وصاية على البرلمان، مشددة على ضرورة إعادة كل من ظُلم في صفوف العسكر إلى الجيش، بسبب الدعاوى التي نظمتها ضدهم حركة الخدمة مثل الإرغنكون والمطرقة وغيرها".

مع العلم أن الاستقطاب السياسي بين الحكومة والمعارضة وصل إلى أعلى درجاته، بعد انتخابات يونيو/حزيران 2015، لدرجة الخصومة الشخصية، وتجلّت في فشل رئيس "العدالة والتنمية" السابق أحمد داود أوغلو، في تشكيل حكومة ائتلافية مع "الشعب الجمهوري"، بعد محادثات ماراتونية استمرت لحوالى الشهر، وأيضاً مع حزب "الحركة القومية"، الذي رفض زعيمه المشاركة في جميع مشاريع الائتلافات الحكومية التي عُرضت عليه.

وأكد كلجدار أوغلو، حينها، بأنه "لن يذهب إلى القصر الرئاسي"، الذي أطلق عليه تسمية "القصر غير القانوني"، حتى لو تلقى دعوة من الرئيس التركي لتسليمه التكليف الحكومي، قائلاً "إن لم يكن هناك ظرف طارئ، لن أستجيب لدعوة أردوغان، لن أذهب أبداً إلى القصر الرئاسي الجديد. إن البناء غير قانوني، ولا يجب أن يجلس رئيس الدولة في مكان غير قانوني في دولة القانون، لقد بتتم (أردوغان) سخرية للعالم أجمع بهذا القصر". مع تأكيده أنه "قد يقبل لقاء الرئيس في مكان آخر غير القصر الرئاسي". كما أن الرئيس السابق لـ"الشعب الجمهوري" دينيز بايكال، قد التقى بالرئيس، في مبنى تابع لوزارة الخارجية التركية.

ورد أردوغان في حينه على تصريحات كلجدار أوغلو، بعدم تكليفه بتشكيل الحكومة، رغم أن المدة الدستورية لتشكيل الحكومة لم تكن قد انتهت بعد، ودعا إلى إعادة الانتخابات، بالقول: "لا أرى أي حاجة لتكليف أحد جديد بتشكيل الحكومة، أي وظيفة تلك التي سأكلف بها شخصاً لا يعرف طريق قصر بيش تبة، أي وظيفة تلك التي سأكلف بها من لا يتوقف عن الإساءة الشخصية لي ولا يفوت فرصة لمهاجمة رئاسة الجمهورية. لا وقت لدينا لنضيعه، ما أن تنتهي مهلة الـ45 يوماً، التي أقرّها الدستور لتشكيل الحكومة، سنبدأ بعملية إعادة الانتخابات". لكن "الظرف الطارئ" فرض على كلجدار أوغلو، تغيير رأيه والذهاب إلى قصر بيش تبة.

المساهمون