بوادر تصدع في كتلة "التيار الديني الصهيوني"

بوادر تصدع في كتلة "التيار الديني الصهيوني"

24 يوليو 2016
تبنّى بينت موقفاً أقرب لليسار بقضية ليفنشتاين(ماركو لونغاري/فرانس برس)
+ الخط -
أبرزت تصريحات الإدانة والرفض التي صدرت هذا الأسبوع عن وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، زعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينت، لتصريحات حاخام الكلية التحضيرية العسكرية في مستوطنة "عيلي" الحاخام يغئال ليفنشتاين، التي طاولت بشكل أساسي فتاوى وأحكام التوراة في مسألة المثليين جنسياً، ووصف ليفنشتاين لهم بأنهم شواذ ويجب أن يكونوا منبوذين، أبرزت الخلاف القائم بين التيار الذي ينتمي له ويقوده بينت، وبين التيار الفرعي ضمن التيار الديني الصهيوني وهو التيار المعروف بتيار الحريديم الصهيونيين، وإن كان كثيرون لا يميزون بين الاثنين، بفعل طغيان التماهي في مواقفهما في القضايا السياسية الكبرى وعلى رأسها الاستيطان وبناء الهيكل، وتحكيم التوراة، في نهاية المطاف.
وأثارت تصريحات ليفنشتاين، ضجة كبيرة في إسرائيل، خصوصاً كونها إعلان مواجهة مباشرة بين تيار ديني صهيوني حريدي يخدم أبناؤه في الجيش، وبين سلطات الجيش وأعلاها مرتبة رئيس الأركان، إلى درجة هدد فيها رئيس أركان الجيش الحالي الجنرال غادي أيزنكوط بقطع علاقة الجيش مع الكلية التحضيرية التي يتزعمها ليفنشتاين، ما لم يتراجع عن أقواله بشأن المثليين جنسياً. ولكن كان لافتاً في حالة ليفنشتاين، مسارعة نفتالي بينت إلى استنكار تصريحاته ومطالبته بالاعتذار عنها، خلافاً للموقف الذي اتخذه بينت ومعه قادة الصهيونية الدينية من تصريحات الحاخام العسكري الرئيس للجيش الإسرائيلي العقيد أيال كريم، التي لم تختلف في جوهرها ومضمونها عن تصريحات ليفنشتاين، بما يعزز من حجم التوتر والصدع القائم بين التيار الديني الصهيوني العام وبين تيار الصهيونيين الحريديم. ففيما دافع بينت عن العقيد كريم وطالب بإبقاء تعيينه حاخاماً رئيسياً للجيش، وقد أيّده في ذلك قطاع كبير من المستوطنين وحتى صحافيون ونواب من اليمين الإسرائيلي، فإنه في حالة ليفنشتاين بدا بينت أقرب إلى تبنّي موقف اليسار الإسرائيلي وعلى رأسه يتسحاق هرتسوغ في مطالبة الجيش بعدم التعامل مع الأكاديمية التحضيرية التي يرأسها ليفنشتاين.
ولا يمكن تفسير هذا الموقف من بينت دون الإشارة إلى التوتر السياسي مع حزب "الاتحاد القومي" برئاسة أوري اريئيل الذي يمثّل تيار الحريديم الصهيونيين، أو الحريديم القوميين كما يُطلقون على أنفسهم. فمع أن تيار الحريديم الصهيونيين، نشأ في العقدين الماضيين من رحم التيار الديني الصهيوني، الذي تعود جذوره إلى أواخر القرن التاسع عشر كتيار ديني في الحركة الصهيونية، إلا أن أتباع هذا التيار حافظوا في البدايات على إعلان كونهم جزءاً من التيار الصهيوني الديني، مع إبراز خصوصيتهم كأفراد بداية في كونهم أكثر تديناً، وأكثر احتشاماً في الملبس والمظهر. لكن سنوات التسعينيات من القرن الماضي شهدت بدء نوع من التمرد على سيطرة التيار الديني الصهيوني على روتين الحياة والتعليم، وأخذ أبناء هذا التيار يجاهرون بمطالب اعتُبرت غير مقبولة عموماً، مثل المطالبة بفصل البنات عن الفتيان في حركات الشبيبة وفي المدارس. وأخذوا يقتربون أكثر فأكثر في كل ما يتعلق بطابع الحياة وبالفروض الدينية والواجبات الحياتية من نمط حياة جمهور اليهود الحريديم غير الصهيونيين، ومن ذلك مطالبتهم مثلاً إلى جانب الفصل في التعليم بين الفتيان والبنات، بخفض ساعات التعليم للمواضيع العلمية في مدارسهم لصالح زيادة ساعات تعليم التوراة، والاتجاه نحو الانغلاق الاجتماعي عن مجمل المجتمع الإسرائيلي، خلافاً لعقيدة التيار الديني الصهيوني العام القائل بالاندماج في المجتمع الإسرائيلي بشكل عام، خصوصاً في سوق العمل والتغلغل في أجهزة الدولة ومؤسساتها.
وفي أواخر التسعينيات من القرن الماضي، أقام أبناء التيار الحريدي الصهيوني مدارس ثانوية خاصة بهم مستقلة عن مدارس التيار الديني الصهيوني، بعضها لا يُعدّ الطالب لنيل شهادة التوجيهي العامة لتركيزه على تعليم المواضيع الدينية، وبعضها لا يزال يوفر هذا الخيار لتلاميذه، وهؤلاء من يواصلون عادة مسار الخدمة العسكرية بعد قضاء سنة في كليات الإعداد العسكرية، كالتي يديرها ليفنشتاين في مستوطنة "عيلي" في الضفة الغربية وهي واحدة من أربع كليات تخدم عموماً تيار الصهيونية الدينية.
وبموازاة إقامة مدارس ثانوية لهذا التيار، فقد أنشأ أتباعه أيضاً في أواسط الثمانينيات حركة شبيبة جديدة، تُعرف باسم حركة "أريئيل"، حافظت على مبدأ الفصل بين الجنسين. ومع إقامتها زاد ترك حركة الشبيبة التاريخية للتيار الديني الصهيوني وهي حركة "أبناء عكيفا"، لصالح حركة "أريئيل"، ولصالح حركة "عزرا" وهي حركة الشبيبة المحسوبة على تيار حزب "أغودات يسرائيل" الحريدي غير الصهيوني.


ومع مرور الوقت ازداد تعاظم مكانة أبناء التيار الصهيوني الديني في الخدمة العسكرية وفي صفوف الجيش، إذ أشار تقرير في صحيفة "هآرتس" إلى أن 40 في المائة من خريجي الكليات العسكرية هم من التيار الصهيوني الديني، دون الفصل بين من يتبع منهم للتيار الحريدي الصهيوني. مع هذا التعاظم، تزايدت أيضاً ثقة أبناء التيار الحريدي الصهيوني بأنفسهم، وأخذوا يجاهرون هم وحاخاماتهم بمواقفهم الخاصة التي تميزهم عن التيار الصهيوني الديني العام، خصوصاً ما يتعلق بالانغلاق والتشدد في تطبيق أحكام التوراة في الحياة اليومية وفي السياسة.
وقد تجلى هذا الأمر بشكل خاص مع تشكيل أول مجموعة من الربانيين المعروفة باسم "رابنيي تكوما" وعلى رأسهم الحاخام دوف ليئور وحاييم شطاينر وإيسر كلونسكي. ويشكّل هؤلاء المرجعية الدينية لحزب "الاتحاد القومي" المتحالف مع حزب "البيت اليهودي" في الكنيست ويتزعمه أوري أريئيل. وقد سبق لهؤلاء الربانيين أن افتعلوا أزمة مع بينت مطلع مايو/أيار الماضي، عندما حذروا من المس بميزانيات المدارس الدينية اليهودية للحريديم الصهيونيين.
وسبق لربانيي الحريديم الصهيوني بأن أبدوا تمايزاً في الموقف عن التيار الصهيوني، عندما أيّدوا في فبراير/شباط 2012 ودعوا أنصارهم إلى المشاركة في تظاهرات الحريديم غير الصهيونيين المناهضة لفرض الخدمة العسكرية على الحريديم بشكل عام أسوة بالعلمانيين، وفق قانون "المساواة بالعبء" الذي سعى وزير المالية في الحكومة السابقة يئير لبيد إلى سنّه. ويواصل أبناء هذا التيار الحريدي الصهيوني من جانبهم الخدمة في الجيش الإسرائيلي واعتبار قيام إسرائيل، وبشكل أكبر حرب يونيو/حزيران وما تمخضت عنه، بداية الخلاص وقرب وصول المسيح المنتظر.
لكن ما يميزهم عن الحريديم الأرثوذكسيين بتياراتهم المختلفة أيضاً، أنهم يجيزون ويدعون إلى الصلاة في المسجد الأقصى والسعي لبناء الهيكل، فيما يرى عموم حاخامات التيار الحريدي الأرثوذكسي، أنه لا يجوز لليهود أن يدخلوا المسجد الأقصى ولا باحاته، أو العمل لبناء الهيكل، بل يرون بوجوب انتظار المسيح المخلص الذي سيُنزل من السماء هيكل سليمان الجديد مع قدومه.


دلالات

المساهمون